الوطن ـ عامر إلياس شهدا
ولنا مثل في قانون الاستثمار رقم 10 وما نتج عنه من فعاليات اقتصادية كبيره خضعت إداراتها للكادر السوري، الذي كان يرسم السياسات والإستراتيجيات ويضع الأهداف ويحقق النتائج من دون تدخل الإدارات الخارجية.
لنأخذ اليوم مثال المصارف الخاصة في سورية، والتي تعتبر منتدبة من قبل الشريك الإستراتيجي الذي يتحكم بها رغم أن ما يزيد على ٥٠ بالمئة من أموالها تعود لمساهمين سوريين، وبالتالي فإن دعم ودائعها يأتي من موارد السوريين ولا يشترك في ودائعها وحساباتها أي من مواطني الشريك الإستراتيجي، فودائع السوريين بتلك المصارف تفوق كثيراً رأس المال المدفوع من قبل الشريك الإستراتيجي، وهذا الأمر شجع مصر على عدم قبول أن تكون قيادة المصارف بيد الشريك الإستراتيجي، وأكدت على أن المصارف وطنية، ويقودها كادر وطني، وأعتقد أن الكادر السوري يتفوق بخبرته المصرفية على الكادر المصرفي المصري وحتى الأردني واللبناني.
لنعود بالتاريخ إلى المصارف العامة في سورية، فبعد الحركة التصحيحية ساهمت المصارف في بناء المطارات والجسور والطرقات والمعامل والمدارس والمستشفيات وتمويل الزراعة.. وغيرها من النشاطات الاقتصادية، وبصدور قانون الاستثمار رقم 10 استطاعت المصارف تمويل استيراد المصانع المنتجة للأدوية والصناعات التحويلية والصناعات الثقيلة، وبنت المصارف شبكة علاقات خارجية واسعة شملت معظم دول العالم، وهذه المصارف خلقت قادة يمتلكون خبرات كبيرة استعانت بها معظم الدول العربية، فبعد هذا التاريخ المصرفي لسورية هل من المنطقي والعقلاني أن نرهن قيادة المصارف وأموال السوريين لقرار الشريك الإستراتيجي، الذي يتحكم بتعيين الإدارة التي تنفذ سياساته؟ والأمثلة كثيرة على ذلك، بدءاً من الربط الشبكي، وانتهاءً باسترجاع الأموال التي أخرجت من سورية خلال الأزمة، والتي وظفت في أسواق مالية عائدة لدول الخليج، ولا يحول من نتاج استثمار هذه الأموال إلا الجزء اليسير من أرباحها، ورغم وضوح ذلك نستغرب صدور قرارات من جهات وصائية وطنية توافق على تمديد إقامات الإدارات الأجنبية للمصارف بحجة أنها خبيرة، وأنه لا يتوافر كوادر وطنيه تقود هذه المصارف!
ومن المستغرب تمديد إقامة ما يصفونهم بالخبرات مضى على إقاماتهم أكثر من 10 سنوات، ولم يستطيعوا بخبراتهم المقتنعة بها الجهات الوصائية أن يخلقوا قادة من الكادر الوطني لهذه المصارف؟
هنا، نسأل عن نوع الخبرة التي يمتلكها الكادر اللبناني أو الأردني ليقود عصب الاقتصاد السوري؟ وهل الأمر فعلاً بحاجه لهذه الخبرات التي تتحكم بالمال السوري والكادر السوري في ظل توافر المعلومة التي أصبحت متاحة للجميع، وفي ظل توافر المهارات والفكر الإبداعي للكادر السوري، إضافة إلى الخبرة التي لا يستهان بها، ما يقودنا لطرح التساؤلات التالية: هل كسب رضا الشريك الإستراتيجي يستوجب التفريط بالكادر السوري الذي يمتلك المؤهلات والمهارات التي تمكنه من قيادة تلك المصارف؟ وهل نفرط بالكادر السوري المصرفي المشهود لمهاراته وقدراتها في المصارف العالمية؟ ألم يحن الوقت لنقول للشريك الإستراتيجي إن الفرصة التي أعطيت له في اختيار قادة من تلك المصارف من غير الكادر السوري قد انتهت وقد انتهت الفرصة التي أعطيت له لتأهيل قادة من الكادر الوطني؟ هل من المعقول بعد ١٣ عاماً من تواجدهم لم يستطيعوا خلق قادة لتلك المصارف وهم يحملون صفة خبراء؟ رغم أننا نشك بهذه الصفة ولدينا الكثير لنثبت ذلك؟ هل بلغ بنا العجز لدرجة أننا نضع ثقتنا بالكادر الأجنبي الذي يقود المصارف في سورية ونحجبها عن الكادر الوطني الذي ضحّى كثيراً من أجل الحفاظ على وطنه واقتصاد وطنه؟ لهذه الدرجة نستخف بقدراتنا؟ ألم يحن الوقت لإعطاء الكادر السوري فرصته لوقف هجرته من بلده وإبراز تفوقه في بلدان أخرى؟ ألم يحن الوقت لاستثمار ما تحملته الدولة من نفقات لتعليم هؤلاء السوريين واستثمارهم بالشكل الذي يجعلنا أكثر اطمئناناً على أموالنا واقتصادنا؟ أعتقد جازماً أنه من واجب الجهات الوصائية على المؤسسات المصرفية أن تتحرك باتجاه حماية كوادرنا ومقدراتنا وإطلاق شعار المصلحة الوطنية أولاً والكادر السوري أولوية بالنسبة لها.