ترتسم في الأفق الاقتصادي معالم صراع عالمي بين (روسيا والسعودية) ضمن منظمة (أوبك بلس)، حيث اعتمدت السعودية ومعها دولة الإمارات العربية المتحدة في تنفيذ رغبة الرئيس الأمريكي بإلحاق الضرر بشكل أساسي بكل من روسيا وإيران وفنزويلا من جراء تخفيض أسعار النفط في السوق العالمية، وقد غرد ترامب بتاريخ 9/3/2020 على تويتر الآتي: (أن انخفاض أسعار النفط أمر جيد للمستهلك لأن أسعار البنزين تنخفض)، وفي هذا اليوم انخفضت أسعار النفط إلى نحو /33/ دولاراً وهذا لم يحصل منذ سنة 1991 بسبب حرب الخليج الأولى، ولذلك أطلق الكثير من الاقتصاديين على هذا اليوم اسم (الإثنين الأسود) تذكيراً بيوم (الاثنين الأسود) تاريخ 19/10/1987 أي عندما انهارت أسعار الأسهم في البورصات العالمية في هونغ كونغ وأوروبا وأمريكا وأدت إلى أزمة اقتصادية عالمية، ولكن بسبب التحفيز الاقتصادي وخاصة في الصين صاحبة أعلى معدل نمو اقتصادي في العالم وسيطرتها على توسع وانتشار (فيروس كورونا) والموقف الروسي المعاكس للرغبات السعودية ارتفع سعر برميل النفط صباح 10/3/2020 إلى / 35.9/ دولاراً أي بمقدار / 9.2/ دولارات وبنسبة /6.8%/، ونتيجة ذلك ارتفعت قيمة الأسهم الاسيوية والتعاملات في البورصات العالمية، وفي رأينا ستنخفض الأسعار مستقبلاً ولاسيما بعد أن عبرت السعودية عن رغبتها بزيادة إنتاجها النفطي من /9.8/ ملايين إلى /12.3/ مليون برميل يومياً أي نحو /2.5/ مليون برميل يومياً بدءاً من شهر نيسان /2020، وتعتمد السعودية على النفط بأكثر من /90%/ من إيراداتها، وقد عارضت هذا روسيا التي تنتج يوميا بنحو /3.11 / ملايين برميل، كما تعارض الشركات الأمريكية المنتجة للنفط الصخري وهي تعاني ارتفاع ديونها بأكثر من إيراداتها، وتالياً فإن انخفاض أسعار النفط سيفاقم مشكلة هذه الشركات، ولاسيما أن متوسط سعر النفط المتبادل في الولايات المتحدة يتراوح بين /48/ إلى /54/ دولاراً للبرميل الواحد، هذا يعني أن أي انخفاض في السعر عن /50/ دولاراً للبرميل سيؤدي لإفلاس الكثير من الشركات النفطية الأمريكية وخاصة في ولايتي (تكساس وداكوتا الشمالية) وهما الولايتان الأكثر إنتاجاً للنفط الأمريكي، ويترافق هذا مع أن مخزونات النفط في الولايات المتحدة حالياً هي في حالة سيئة جداً، وأن السوق العالمية تحتاج نحو /100/ مليون برميل يومياً، وانطلاقاً من هذا فإن أي خلل في السوق النفطية سيؤثر مباشرة في أغلب المؤشرات الاقتصادية وخاصة القطاعات المرتبطة بالنفط وسيزيد من عجز شركات الطاقة وتراجع قدرتها على سداد ديونها والدخول في الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وغيرها فلمن ستكون الكلمة العليا لروسيا أم للسعودية؟! وهل ستستمر القيادة السعودية بالتبعية للدعاية الانتخابية الترامبية وهي تعاني تناقضات داخلية ضمن العائلة وتستمر في حربها المجنونة ضد اليمن وغيره؟!، وتخفيض الأسعار سيؤدي إلى زيادة العجز المالي في موازنتها والبالغ حالياً نحو /50/ مليار دولار أي بنسبة /4.6%/ من ناتجها المحلي الإجمالي. ومن خلال المقارنة بين الاقتصاد الروسي والسعودي وجدنا أن روسيا ستنتصر في حرب الأسعار انطلاقاً من المؤشرات الآتية (يعتمد الاقتصاد السعودي الريعي على النفط بينما الاقتصاد الروسي يعتمد على موارد وسيعوض تالياً الفارق في تكلفة إنتاج البرميل حيث يبلغ في السعودية نحو /10/ دولارات بينما في روسيا /17/ دولاراً، ويضاف إلى هذا أن إيرادات السعودية على أساس /55/ دولاراً للبرميل، بينما روسيا على أساس /42.4/ دولاراً للبرميل– تمتلك السعودية احتياطياً نفطياً نحو /266/ مليار برميل و/6.8/ مليارات م3 من الغاز، بينما تمتلك روسيا من الاحتياطيات كمية /80 / مليار برميل نفط، و/47/ مليار م3 من الغاز وحالياً مطلوب الغاز أكثر من النفط – تعاني السعودية عجزاً موازنياً/50/ مليارات، بينما روسيا حققت فائضاً بنحو /14.2/ مليار دولار…الخ)، وتالياً فإن روسيا أقدر على مواجهة تخفيض الأسعار أكثر من السعودية، فهل تكون الأولوية مستقبلاً لمصلحة الشعب السعودي، أي شعب (نجد والحجاز) أم ستتم الاستجابة لرغبة الرئيس الأمريكي وهذا أشبه بـ«الانتحار» الاقتصادي.. وغداً لناظره قريب.
حرب أسعار النفط و«الانتحار» الاقتصادي ..!
أ.د. حيان أحمد سلمان .