ثمة من ينسى – ربما – أننا لسنا في زمن “باب الحارة” وعلاقاته الاقتصادية والاجتماعية، والأحداث التي كانت تجري ويتم إدارتها ذاك الزمن، وخاصة لناحية التكافل والتضامن والتعاون في مجتمعات تلك المرحلة، يوم كانت “البساطة” تحكم كل شيء..!.
كذلك – ربما – ينسى أن الطبيب اللبيب “حلاق الحارة”، بالمفهوم المجتمعي الطبي والصحي يوم ذاك، سقف فقهه في الطبابة والمعالجة وعلومهما، ليس أكثر من “ثعلة” في الرأس، وفص ثوم ييفرك به الداء فيشفى..!.
إن كان بعضهم نسي هذا، فمعذور، لكن ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، لا يمكن لأي كان أن ينسى، أو بالأصح يجهل، أننا الآن في دولة مؤسسات، سواء كانت مؤسسات عامة أم خاصة، وفوقها لا يدرك ولا يعي أن دول اليوم ليست “حواري”، بل دولا اختلفت وتطورت واتسعت العلاقات التي تحكمها وتضبطها وتسيرها، اتساع البعد بين الأرض والسماء، وأنها أصبحت كيانات كبرى في بنياتها الفوقية والتحية ولوجستياتها وتشابك مصالحها وتحالفاتها..!؟
والمصيبة الأكبر، ألا يعلم أن مواجهة هكذا حدث يهز عرش العالم، في عظيم اقتصاده وماله وصحته ودوله، لا يستوي فيها “فعل خير” بتلك السذاجة من جمع مبلغ أو طعام أو منظفات ومعقمات، يعني”لمة ما فيه النصيب” من الوجهاء، وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين من سكان الحارة..!.
مناسبة الحديث هي النخوة “الطارئة” لبعض رجال الأعمال والمال والاستثمار، ممن توزعوا أدوار ما يسمى الوقوف مع الوطن والمواطن، فيما يمر به من محنة “الكورونا المستجد” التي تطورت – بحسب منظمة الصحة العالمية، لتصل لمستوى الوباء؛ توزعوا فعل الخير ما بين محافظتي دمشق وريفها..!.
تحت عنوان المساهمة بالإجراءات الاحترازية للتصدي للوباء، وفداء لسورية، و.. و.. إلخ، مئتا ألف ربطة من الخبز يوميا، ولمدة نصف شهر، أي بمعدل 3 ملايين ربطة، ستوزع مجانا في مناطق ريف دمشق، وضعت بحسب ناشرها على طاولة الجهات المعنية!
مبادرة وصفتها بعض الأبواق الإعلامية بالأولى.. والقادم أكثر..!.
وبعدها بيوم، ومن رجل أعمال ومال ثان، وأمام كاميرات وميكروفونات إعلامية، مبادرة أخرى “على السريع” وتحت عنوان آخر، إضافة للاحترازي.. مجموعة مبادرات تجسيدا لمسؤولية قطاع الأعمال الاجتماعية، واتحاده مع الجهود الحكومية في وقت الملمات، وضعت هي الأخرى على طاولة المعنيين في محافظة دمشق.. مجموعة من المواد الغذائية والأولية والمعقمات ووسائل الحماية، إضافة لدعم لوجستي، إنفاذا للغاية الرامية لخدمة المواطنين ورفع قدرتهم على مواجهة الوباء..!.
“تثاءب عمرو إذ تثاءب زيد..!؟”، لكنه ثتاؤب – وللأمانة، رغم رأينا المتحفظ جدا – ليس حول المبادرة بذاتها وغايتها، بل على طريقة “باب الحارة” التي ما كنا أبدا ننتظر أن تكون بهكذا الطريقة من شبهات عرض واستعراض و “تنافس” في تسجيل الحضور والنقاط، وحجز المراكز.. وكذا شبهات الترسيم على الممكن من المقبلات من حظوات ومكافآت..!؟.
ما هكذا تورد اﻹبل!! نكرر ونشدد على أن سورية دولة مؤسسات، وعلى الكل أن يكون تحت تصرفها بإمكاناته المادية والمالية والبشرية، وغير مقبول أبدا أن يكون هناك “بطولات فردية” حتى بمعية هذه المحافظة أو تلك، في مثل هكذا هول هائل الكلف والتكاليف والمتطلبات واللوجستيات…!؟
ولنعلم جميعا أن هذا الحدث العالمي المصيري، وبحسب الخبراء والمختصين، من المتوقع تكراره. وكوننا دولة لا أشخاصا في هذا العالم المعولم، فإن علينا أن نبدأ من هذا الامتحان المحنة، ولا بديل ولا خيار أبدا غير النجاح والانتصار في تجاوزهما، بأقل الخسائر، وأعظم التجارب والدروس والخبرات والنتائج، وهذا لن يتم بما آنف..، وإنما وفقا للعلوم الخورازمية الاقتصادية والصناعية الإنتاجية، والمالية النقدية والخدمية الصحية، والبحثية في علميتها وطرقها، وأساليب إدارتها وتوظيفها على أسس قانونية صارمة، تحكم الدولة نفسها، وعلاقة المؤسسات فيما بينها…
وليس أخيرا، نقول: لا يسعنا إلا الشكر…لكن يجب أن تكون المبادرات معلنة في كافة تفاصيلها.. مواردها وكلفها وقيمها وموادها، ولمن ستوزع، وكيف ستوزع و.. و..؟ فكم من مبادرات ضاعت بين “حانا ومانا”، وذهب خيرها وخير فاعلها وخير الدولة، وبأيادي فساد فيها.. فحارتنا ضيقة…!.
قسيم دحدل