اعتبرت دراسة أعدها مركز مداد للدراسات والأبحاث حول خطوة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك اقدامها على وضع تسعيرة جديدة للمواد الغذائية والسلع أن هذه الخطوة شرعنة للتضحم وأنها اعتمدت على ارتفاع سعر صرف السوق مع ان اسعار التمويل للمستوردات المعتمدة ثابتة واوضحت مداد انه منذ يومين عمدت وزارة التجارةِ الداخليّةِ وحماية المستهلك إلى رفع أسعار عدد من السّلع الأساسية..
تراوحت نسب الارتفاع للمواد المعلنة بين 15 % إلى 25 %، في ظل ظروف تتعامل الحكومة مع مجرياتها على أنها مصيرية قد تشكل تهديداً لأمن الإنسان السوري الذي عانى منذ تسع سنوات ولا يزال من حرب كونيّة مسّت مفردات ومقومات حياته كافة، وصمد معها باقتدار وتحمل ظروفأ صعبة من تضرر مصادر دخله وتآكله بفعل ارتفاع جنونيّ للأسعار ونقص في السلع والخدمات ومعاناته في الحصول على بعض منها كما اوضحت الدراسة أن تساؤلات كثيرة حولت عقولنا كباحثين ومواطنين إلى ملعب تتقاذف فيه الأفكار:
– هل قامت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدراسة لبنود التكلفة وقررت بعدها أن هذه الأسعار هي أسعار عادلة لكلّ من المستهلك والمنتج؟
– أليس جزء من هذه المواد المعلنة بقائمة ارتفاع الأسعار الجديد ة منتجاً محليّأ كالفول والعدس والبرغل؟!
– ألا تمول هذه المواد أو جزء منها بسعر الصرف الرسمي لمصرف سورية المركزي  700 ليرة سورية للدولار أم أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك رفعت الأسعار عند ارتفاع أسعار الصرف في السوق لبعض المواد المستوردة، كالشاي والرز والسكر.
– لماذا تراعي الوزارة مصالح التجار والمستوردين دون أدنى مراعاة لمحدودي الدخل والعاملين بأجر والفئات الهشة من السكان، هل ارتفعت دخول هؤلاء بنسب موازية لتلك التي تم رفع الأسعار بها؟
– أين دور المؤسسة السورية للتجارة في قيادة وتوجيه السوق الداخلية من حيث التوافروالنوعية والأسعار؟
هذه الأسئلة برسم المعنيين في الوزارة، إلا أننا سنحاول بعجالة الإجابة عن بعض منها بما يتوافر لدينا من معطيات بسيطة:
– بالنسبة للسّلع المنتجة محلياً، من المؤكد أنه لا توجد دراسة لأسعار التكلفة، والدليل على ذلك هو الفارق الكبير بين سعر كيلو القمح الرسمي الذي تعمد الحكومة على استلامه من
الفلاحين وأسعار البرغل، إذ يرتفع سعر البرغل عن سعر القمح المعلن بنحو ثلاثة أضعاف، ولا نتوقع أن تكون أسعار تكاليف تصنيع البرغل أعلى بهذا القدر من تكاليف إنتاج القمح.
– لا يزال السعر الرسميّ لاستيراد المواد الغذائية المعلن والممول من قبل مصرف سورية المركزي 700 ليرة للتجار و468 ليرة للدولار للمؤسسة السورية للتجارة “غير مبرر رفع الأسعار” وترى الدراسة أنه من غير المبرر رفع المواد المستوردة بهذا السعر المدعوم. وأن من شأن إجراءات الوزارة مساعدة قطاع التجارة بتكوين ثروات وأرباح هائلة على حساب المواطنين المستهلكين لهذه المواد، إذ إن المخزونات الحالية للمستودعات وحتى لصاحب أصغر بقالية، مستوردة بأسعار قديمة، وسيتم بيعها للمواطنين بالأسعار الجديدة.و من منطق المسؤولية الاجتماعية ينبغي للقطاع الخاص “الوطني” أن يبادر وبدعم وتشجيع حكوميّ إلى مساعدة المواطنين للصمود في وجه الأزمات، وهذا ما رأيناه في معظم دول العالم التي تمر حالياً بأزمات كورونية، ولم نتلمسه في سورية. إذ مع الأسف لا تزال مبادرات القِطاع الخاصّ فيها متواضعة ومشتتة وغير منسّقة، علاوة على أنّها محدودة التأثير. فما الذي يمنع
القطاع الخاص الوطني من بيع منتجاته بسعر التكلفة لمدة شهر واحد مثلاً كمبادرة منه لمساعدة الحكومة على تعزيز إجراءاتها في مواجهة أزمة الكورونا.ورات الدراسة ان مؤسسة التجارة الخارجية لم تثبت وجودها في ظلّ الأزمات كتاجر كبير وصغير تقوم على توجيه وقيادة السوق لحماية المستهلكين، فحجم عملها لا يتجاوز حدود 2 % من السوق بمؤشراته كافة.

إن المتتبع لموقع وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك يرى التركيز الأكبر على أخبار العقوبات والإغلاقات والمخالفات، وهذه الآلية القديمة التي تخلت عنها معظم دول العالم باتت غير قادرة على تنظيم الأسواق، وبالتالي لا بد من وجود بدائل تشكل بمجملها حزمة متكاملة لضبط الأسواق بمكوناتها كافة.

وهذه دعوة إلى إيجاد آلية جديدة وفاعلة لتنظيم وإدارة الأسواق الداخلية تقوم على وجود منظمة متكاملة لإدارة وتنظيم السوق الوطنية، تكون أركانها:
– منظومة الطلب : التي تنطلق من تقدير الاحتياجات الحالية والمستقبليّة للمواطنين من السلع الأساسية.
– منظومة الإنتاج: التي تحتوي على مؤشرات الإنتاج الوطنيّ من السلع الأساسية وفيها مقدرة القطاعات الوطنية (الزراعة والصناعة) على تلبية احتياجات الطلب.
– منظومة السوق: وتشمل فجوات البندين الأول والثاني وعدالة الأسعار، وتنظيم الحركة والنوعية.
– منظومة الاستيراد والتصدير: والتي تركز على التعامل مع الفائض والعجز المحتمل الظاهر في البند الثاالث هذه الآلية بمنظوماتها الأربع تتنبأ بأزمات السوق وتسعى لإجراءات وقائية استباقية، بعيداً عن التدخل الحالي القائم على معالجة مشكلات السوق الداخلية عند وقوعها، فتكاليف المعالجة أكبر وتأثيراتها السلبية أثقل، وبالتالي تحقق مصالح المنتجين والمستهلكين معاً.