آخر “الفلتات” الاقتصادية التحليلية لبعض أعضاء غرفة تجارة دمشق حول السبب الرئيس لارتفاع أسعار المواد الغذائية يحيل إلى طلب بعض التجار كميات ضخمة من تلك المواد التي يوزعونها على شكل سلل غذائية مجانية كمساعدات للأسر المحتاجة الفقيرة ومتوقفي الأعمال في هذه الفترة!
ولم يكتف هذا البعض بتحميل نظرائه سبب رفع الأسعار ممن أقرن أقواله بأفعاله عبر مبادرات، بل حمّل أيضاً الحكومة، بشكل ملتو، مسؤولية ذلك حين غمز من باب ضرورة محافظتها على سعر الصرف، لأنها عندما تستطيع ذلك فهذا يعني انخفاض الأسعار، وذلك من منطلق أن توازن سعر القطع ضرورة لتنظيم عمليات البيع، وبالتالي توازن أسعار السوق؟!
ما سلف كلام صحيح بالعموم، ولكن غير صحيح بالتلازم السريع، والانعكاس على ما هو موجود أصلاً في السوق لدى التاجر البائع، سواء للمواد المستوردة، أم للمنتج المحلي، أي أن ارتفاع أسعار المواد المستوردة ( سكر، شاي، رز.. إلخ) تتعلق بالتاجر، وارتفاع أسعار المنتج المحلي تتعلق بالصناعي، بمعنى أن كلاً منهما مسؤول عن الزيادة في الأسعار.
بناء على ما تقدم فإن رأي المتهمين لنظرائهم وللحكومة لا نعتقد أنه رأي فردي خاص، إنما هو بلا شك يعكس ويمثل رأي عموم الجهة التي ينتسبون إليها، لكن تخريج الرأي والرسالة كان بطريقة الناطق غير الرسمي، وهذا له دلالاته المريبة بغاياتها!.
ما فهمناه ونفهمه من هذا الرأي هو اللجوء إلى مبدأ: “الهجوم خير وسيلة للدفاع”، تحسباً من النقد المنتظر لشبهات ملموسة في العجز والتقصير عن تحمّل المسؤوليات التي نجح بها أقرانهم، بينما لم يفلحوا هم بها. هذا من جهة، أما من جهة ثانية فيعني وجود نوع من التغطية الاستباقية، تمهيداً لتكريس تقبّل حدوث زيادات جديدة على الأسعار، كون من يمتلك تلك المواد الغذائية هو ذلك البعض المتهم للغير في محاولة لتبرئة النفس المدانة أصلاً بحكم تجارب شريحة ثبتت عليها تهمة استغلال الأزمات لتجميع الثروات، سواء خلال أزمة كورونا، أو ما قبلها من أزمات مرت بها سورية!
وإنعاشاً للذاكرة، نذكر كيف رفض تجار دمشق مناشدة وزيرة الاقتصاد الدكتورة لمياء عاصي خفض سعر الكلغ الواحد من مادتي السكر والرز ليرة واحدة فقط.. يوم لم يكن في سورية أية أزمة!.
كما نفهم أن اتهام من بادر من التجار لتنفيذ مبادرات الدعم بنجاح، وللحكومة بعدم ضبط سعر الصرف وزيادة الأسعار، هو حجة لتوقف وإيقاف مبادرتي غرفتي تجارة دمشق والريف؟!
الدليل هو أنه حتى الآن لم نلمس على أرض الواقع ما يفيد بتنفيذ أي من الغرفتين لمبادرتيهما بعد كل هذا الوقت، ونتطلع لنسمع منهما أين وصلتا في مراحلهما التنفيذية وليس التحضيرية لمبادرتيهما، وهل تم توزيع أية مساعدة، إذ إن هناك تسريبات حول عدم تجاوب تجار دمشق مع دعوة غرفتهم ورئيسها، للمساهمة المالية لتأمين المبلغ اللازم لتنفيذ مبادرة “تراحم” التي أطلقتها منذ الثاني من الشهر الجاري وحتى تاريخه، وكذلك في تجارة الريف! وإن كان كلامنا غير صحيح بعد كل هذا الوقت فلتعلن الغرفتان أين وصلتا وماذا فعلتا حتى الآن؟.!
الأهم من ذلك أن مثل هكذا اتهام بزيادة الأسعار جاء بعد قرار الحكومة منع تصدير عدد من المواد الغذائية، وخاصة التموينية اليومية، ضماناً للأمن الغذائي للسوريين من ناحية، ومحاولة لخفض أسعار تلك المواد أو بالحد الأدنى من ناحية ثانية، وهذا طبعاً لا يناسب البعض ممن لديهم تلك المواد أو يحتكرونها، حيث إن الحكومة بقرارها أسقطت حجج ومبررات رفع الأسعار، وهذا بالطبع لا يناسب أبداً من يتربص الفرص للربح بنسب غير معقولة وغير مشروعة في مثل هكذا ظروف لجأت فيها عدة دول لمنع تصدير عدد من السلع والمواد الغذائية!.
يتهمون الحكومة بأنها تقول ولا تفعل، وهم يرتكبون الأمر ذاته، هذا إن صح اتهامهم الذي هو ذر للرماد في العيون بغية حرف الانتباه عن التهرب من الوقوف مع الوطن والمواطن في هذه المحنة التي يحاول البعض النأي بنفسه عنها وتحمّل مسؤولياته!.. يتهمو!!، وهنا نسأل: إن كنتم صادقين فأرونا ما أنتم فاعلون؟!
قسيم دحدل