على الرغم من كل الجهود التي تبذلها الحكومة للارتقاء بأداء القطاع الخاص ليصبح حاملاً تنموياً مهماً إلى جانب نظيره العام، إلا أن النتائج مازالت أقل من الطموح.. التوسع في خلق فرص عمل جديدة، تسجيل العمالة في التأمينات الاجتماعية، خفض أسعار السلع والخدمات التي باتت منفلتة من كل عقال، رفع تنافسية المنتج الوطني محلياً وتصديرياً.. كلها قضايا تحتاج حلولاً دائمة ومستدامة، تظهر كمؤشرات اقتصادية وتنموية قابلة للقياس، يلمس نتائجها العامل في هذا القطاع والمستهلك في الأسواق.. فكيف لهذا كله أن يصبح أمراً واقعاً، وذا انعكاسات تنموية حقيقية؟!
رؤية الأعمال
يقدّم رجل الأعمال الصناعي والتاجر سامر رباطة ما يمكن وصفه برؤية تساهم، لو قُيّض لها التحقق، في إضافة جديدة تنشط أداء الأعمال، وتمتصّ فائض العمالة، وتعزز تنافسية المنتج الوطني داخلياً وخارجياً، في الوقت الذي تخدم الاقتصاد الوطني على المستويات كافة. وتتلخص هذه الرؤية في أن يسجل القطاع الخاص عمالته كاملة في التأمينات الاجتماعية، مقابل دعم يتلقاه من الحكومة، ويتمثل في تخفيض أسعار حوامل الطاقة وبعض الضرائب والرسوم، وأية حوافز أخرى تسهم في دعم هذا القطاع ورفع تنافسيته.
ويرتكز هذا الطرح، وفقاً لرباطة، على فرضية أن الخاص هو المعوّل عليه في امتصاص فائض العمالة، بالنظر لإمكانات التوسع الكبيرة في استثماراته أفقياً ورأسياً، وبالتالي، فإن التوسع في التوظيف لديه، يرفع عن كاهل الحكومة عبء خلق آلاف فرص العمل الجديدة، التي تشكل ضغطاً كبيراً على الاقتصاد وخطط التنمية، وهكذا فإن دعهما للخاص، هو استثمار يتكامل وخططها وبرامجها عموماً.
مضاعفة العوائد
يقول رباطة إن تقديم مثل هذا الدعم سيضاعف الإنتاج بنسبة 100 بالمئة، لأن المنشآت ستتوسع في استثماراتها، وفي خلق فرص عمل جديدة، ما يؤدي لتحسين القوة الشرائية، في موازاة انخفاض الأسعار، الذي بات هاجساً ومطلباً جماعياً، متوقعاً أن تصل نسبة هذا الانخفاض إلى ما لا يقل عن 25 بالمئة، بعد أن يسهم الدعم الحكومي في تخفيف تكاليف الإنتاج، مع مراعاة أن يناسب هذا الطرح القطاعات التي تتطلب يداً عاملة كثيرة، كالصناعات النسيجية مثلاً، فقد يحتاج إنتاج آلة ما إلى 20 أو 30 عاملاً، في حين أن إنتاج طلبية ألف قطعة من القمصان يحتاج إلى أكثر من 50 عاملاً، ولمدة أسبوع من العمل المتواصل، علماً أن الخياط الواحد يتقاضى أسبوعياً نحو 50 ألف ليرة سورية.
والتصدير..
حدّت الأزمة، بشكل أو بآخر، من قدرة المنتجين المحليين على التصدير، في الوقت الذي ضعّفت من الموقف التنافسي للمنتج الوطني تجاه المنتجات الأخرى، حتى في أسواق التصدير التقليدية، ما حدّ من هامش الربح الذي يؤكد رباطة أنه في بعض الأحيان لم يعد يقاس بالدولارات، بل بالسنتات، فالمنتجات الصينية غالباً ما تكسب الجولة في تلك الأسواق، ومعروف أن الصين تمنح صادراتها حوافز تشجيعية مغرية، وهذا يعني أنه ليس أمام المنتجات السورية لتقوية موقفها التنافسي سوى الحصول على مثل هذه الحوافز.
القضية محسومة
تنظر المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية إلى مسألة تسجيل عمالة القطاع الخاص لديها كحق شرعي بصرف النظر عن أية قضايا أخرى، إذ بيّن المدير العام للمؤسسة يحيى أحمد أن المادة 16 من قانون التأمينات تنصّ على أن التأمين إلزامي على العامل وصاحب العمل، وهذا فيه حماية للطرفين في حال حدوث إصابة أو وفاة أو أي طارئ، فضلاً عن أنه يضمن شيخوخة العامل بعد عجزه وتقاعده.
ليسجل الخاص عمالته
لا يختلف الخبير المحاسبي الدكتور حسين دحدوح حول أهمية تشجيع الحكومة لقطاع الأعمال بالوسائل المتاحة جميعاً، ولكنه لا يرى ضرورة للربط بين هذا التشجيع وبين تسجيل العمالة لدى التأمينات الاجتماعية، فهذا حق مكتسب للعامل يتحمّل هو جزءاً منه، فيما يتحمّل رب العمل الجزء الآخر، ومعروف أن هذا التسجيل لا يخضع للضرائب، بل يدخل في باب النفقات، وهذه النفقات تُحمل على التكلفة النهائية للسلعة أو الخدمة بشكل طبيعي.
ويشير دحدوح إلى أهمية خلق الثقة بين قطاع الأعمال والدوائر الضريبية للحدّ من أكبر مشكلة تواجه هذا القطاع والاقتصاد بشكل عام، أي مشكلة التهرب الضريبي، لأنه عندما يطلب من الحكومة الدعم، فإن هذا الدعم يحتاج موارد كبيرة يشكل التحصيل الضريبي أهمها، وهكذا فإن الأمر يبدو أكثر ترابطاً وتشابكاً، لا بد وأن ينعكس في النهاية على الأسواق، من خلال تخفيض الأسعار، ووضع هامش ربح بناء على تكاليف حقيقية، حيث يجب أن يشكل هذا الهامش بين 5-10 بالمئة منها، طبعاً مع مراعاة خصوصية كل سلعة أو خدمة وفقاً لمحددات إنتاجية وتسويقية كثيرة تحكم كل سوق من الأسواق، فهناك سلع عرضة للتلف السريع، وأخرى بطيئة الدوران، وثالثة ربما تحتاج لوسائل تخزين ونقل خاصة، وهكذا.
المصدر : البعث