أسقط انتشار فيروس كورونا الكثير من المفاهيم والأدبيات والأركان والفعاليات الاقتصادية، خاصة تلك ذات الأبعاد الريعية، وعزز أخرى إنتاجية، وفي مقدمتها الزراعة، وإذا ما حاولنا استقراء المرحلة القادمة بناء على ما يتوفر من معطيات حالية، سرعان ما يتبيّن لنا أن القطاع الزراعي سيتصدر المشهد الاقتصادي العالمي نظراً لكونه الحامل الأساسي للأمن الغذائي !
وإذا ما توقفنا عند ما حل بأسعار النفط من تهاو غير مسبوق، نجد أن صناعته لا تصنع اقتصاداً حقيقياً إذا ما قورنت بالزراعة التي تعد الضامن الرئيس لاستمرار اقتصاد أية دولة، بغض النظر عن الأرباح المحققة من كلا القطاعين، ففي لحظة ما توقف العالم عن الحركة، ولم يعد يبالي بالنفط بقدر مبالاته بغذائه اليومي، وانعكاس ذلك على صحته، وتجلى هذا الأمر على المستوى المحلي بالإقبال اللافت على عدد من المنتجات الزراعية المحلية لتقوية جهاز المناعة على سبيل المثال لا الحصر !
فالزراعة إذاً ستكون البوصلة، وبمقدار إنتاج الدول منها كماً ونوعاً، بمقدار ما ستكون مقصداً لنظيراتها المفتقرة لهذا الإنتاج، ويفترض بالحكومة أن تكون بصورة هذا الأمر جملة وتفصيلاً، خاصة أن سورية بلد زراعي ويتمتع بالكثير من المقومات الداعمة للمضي بهذا الاتجاه !
ولعل الأهم من هذا وذاك أن تكون الحكومة قد أعادت حساباتها لجهة الكف عن تشجيع المشاريع الريعية ذات الأبعاد الاستهلاكية، ولاسيما المولات المستنزفة للمدخرات، على أن تولي القطاع الزراعي ومشاريعه الأولوية القصوى من اهتمامها، بما يضمن بالنتيجة الأمن الغذائي على المستوى المحلي، وإمكانية تطوير إنتاج هذه المشاريع، وتصنيعه بما يلبي الاحتياج المحلي أولاً، والاشتغال على إمكانية تصديره ثانياً، فإذا كان النفط – كما أسلفنا – لا يصنع اقتصاداً، فكيف الحال إذاً بهكذا مشاريع ريعية جوفاء يمتطي موجتها أشباه التجار لجني المال بغض النظر عن مستوى ما يقدمونه من أعمال!.
إن الفلاح هو الأجدى بالمزيد والمزيد من الدعم الذي قد يشاطره إياه أشباه التجار الذين يجعلون من الريعية ديدناً لهم، ويتصدرون المشهد وكأنهم صناع الاقتصاد، في حين أنهم لا يمتون للأخير بصلة لجهة الإنتاج الحقيقي تحديداً، فهم يتقنون التطفل على الحكومة، ولا ضير عندهم من استغلال علاقتهم مع بعض المفاصل الحكومية لكسب مزيد من الامتيازات والإعفاءات تحت ذريعة دعم الاقتصاد الوطني؛ لذلك لم نسمع قط عن رجل أعمال كوّن ثروته من الزراعة والفلاحة، بينما هناك العديد من القصص حول “أشباه رجال أعمال” كوّنوا ثرواتهم عبر التطفل على الحكومة، وانتزاعهم امتيازات لمشاريع تجارية ريعية تدر عليهم أرباحاً فلكية !
حسن النابلسي
hasa