اندريه قصاص
في ظل الازمة التي نشأت في الأيام الماضية على خلفية ما حصل من كباش وتدخلات داخلية وخارجية لإقالة أو لعدم إقالة حاكم مصرف لبنان، وما استتبع ذلك من لغة اتهامية تصدر لاول مرة عن رئيس حكومة أو مسؤول كبير في لبنان بما خصّ التصرف بالمال العام وتهريب مليارات الدولارات الى الخارج وغير ذلك، فإن واقع الازمة المتمادية في لبنان دخل مراحل وخيارات حاسمة ما بين الدخول الفعلي في الاجراءات المتشعبة للانقاذ وما بين تسارع الانهيار مع توترات سياسية وشعبية يصعب تحديد نتائجها منذ اليوم، مع التذكير بكلام منسوب إلى الرئيس نبيه بري، الذي إفترض وصول سعر الدولار إلى 15 ألف ليرة في حال تمـت إقالة حاكم مصرف لبنان إعتباطيًا من دون أي دراسة للأثر النقدي والجدوى المالية من هذا التغيير في نصف الطريق، ومع التذكير أيضًا بكلام منسوب إلى الرئيس حسًان دياب الذي قال فيه إنه لن يستقيل حتى ولو وصل سعر صرف الدولار إلى 20 ألف ليرة!
فالأزمة المالية والنقدية التي يعانيها لبنان ليست “بنت ساعتها”، بل تعود لعقود، منها ما حصل اثناء الحرب الاهلية، حيث عرف سعر الدولار ارتفاعا امام الليرة اللبنانية، ومنها ما حصل منذ سنوات حتى اليوم. وفي ما يشبه اليوم بالامس، فالاقتصاد يختنق وهو دخل في ركود منذ سنوات فيما النمو آخذ في التدني يومًا بعد يوم، وفرص العمل معدومة والبطالة الى ارتفاع في صفوف الخريجين والشباب بنسبة وصلت إلى 40%، الى زيادة العائلات الاكثر فقرا والتي تخطّت الـ 45 الفا لترتفع مع وباء “كورونا” الى 150 الف عائلة، وهذا كله يهدد بانفجار شعبي كان بدأ في 17 تشرين الاول 2019، وهو اليوم يأخذ أنماطًا مغايرة عن السابق، بإعتبار أن الأزمة المعيشية بلغت مستويات متدنية لم يسبق أن شهدتها البلاد من قبل.
وفي رأي كثيرين، الذين يحمّلون ما تعيشه البلاد اليوم من إنهيار على كل المستويات إلى السياسات المالية والاقتصادية المعتمدة منذ الاستقلال، مطالبين بضرورة إسقاطها لكي يدخل لبنان في عصر اقتصاد منتج، وهذا ما تحاول الحكومة الحالية إعتماده، وهو ما يؤكد عليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وهم جميعًا يعتبرون أنه اذا لم يتغير الاداء الحكومي فإن لبنان الموجود في قلب الكارثة سيتجه تلقائيًا نحو الانتحار الجماعي، وذلك نتيجة الفقر والمجاعة، مع الافلاس الذي تعانيه خزينة الدولة، خصوصًا بعدما خطت الحكومة خطوة ناقصة عندما طلبت من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عرض ما لديه من احتياط ومصارحة اللبنانيين بالاموال التي خرجت فأضعفت سعر صرف الليرة، ليرى اللبنانيون أنفسهم امام ازمة سيولة، مع تسلل مليارات الدولارات من المصارف الى الخارج.
وهذا المنحدر الخطير الذي دخلته البلاد يعيده المعنيون الى أن الافق السياسي لمعظم الذين يدفعون للاصلاح الجدي وكشف كل الحقائق من المراحل السابقة يتعاطون بردة فعل وليس من خلال خطة سياسية انقاذية متكاملة لا يمكن أن تتوقف عن اجراء من هنا أو تغيير في سياسات مالية أو نقدية من هناك، وبالتالي فأي تغيير في حاكمية مصرف لبنان أو أي مواقع أخرى لا تحصل كردة فعل على تلكؤ من هنا أو تقاعس من هناك بل عبر اطار سياسي اصلاحي متكامل على المستويات المالية والنقدية وبما يتيح المحاسبة واسترداد المال المنهوب.
فتوصيف الازمة المالية بات معلومًا، ويبقى ان تبدأ المعالجة من المكان الصحّ، لأن لبنان امام ازمة مالية – اقتصادية – اجتماعية غير مسبوقة، ولم يعد انكارها ممكناً، إذ أن كل ما يخشاه اللبنانيون الذين انتفضوا في الشارع أن تقوم الطبقة السياسية الحاكمة بنقل معركتهم الاجتماعية – الاقتصادية الى فتنة داخلية.
ويبقى أن ننتظر ما سيقوله سلامه اليوم، وهو سيفند الهندسات المالية التي إتُبعت على مدى سنوات.