الدكتور ميالة يُجيب :
لماذا لم تُستثمر أرصدة السوريين في لبنان بإعادة الإعمار ..؟ وما علاقة رفيق الحريري بسعر الصرف ..؟!
كيف بادر الأصدقاء إلى دعمنا ونحن في قلب العاصفة .. وبين تلاطم الأمواج ..؟
د . ميالة : تراجع الإنتاج وسرقة المصانع .. وانحسار الزراعة .. شكّلت عوامل ضاغطة على سعر الصرف
الأسعار تتشكّل عند نقطة التقاء العرض والطلب .. والحفاظ على توازن النقطة يصطدم بالتهريب والاحتكار والتلاعب
منذ تسلّمتُ حاكمية المصرف المركزي في بداية 2005 ونحن من أزمةٍ إلى أزمة .. ولكننا سننتصر
سيرياستيبس – علي محمود جديد
ومن حيث انتهينا بالأمس نبدأ اليوم .. فإذن علينا الاعتماد على أنفسنا فقط .. ولكن أليس لأصدقائنا دور يمكننا الاعتماد عليه .. ؟ هذا ما قلناه بالأمس بأن الحاكم الأسبق لمصرف سورية المركزي الدكتور أديب ميالة سوف يوضحه في القادم من حديثه .
في قلب العاصفة
قبل إيضاح الدكتور ميالة عن دور الأصدقاء أشار إلى أنّ الوضع المحيط بسورية غير طبيعي أبداً، فالضغط علينا من أمريكا، ومن تركيا .. والدول الغربية، ومن السعودية .. وقطر .. يضغطون للنيل منّا ومن كراماتنا .. نحن نحاول أن نقاومهم .. ولكن عملياً ما نزال في قلب العاصفة، ونسعى إلى تأمين المتطلبات والاحتياجات وتأدية ما يُمكّننا من المعيشة، وبالكاد نستطيع تأمين المواد، ولكنها تصلنا بأسعار أعلى من الأسعار العالمية لأننا ندفع تكاليف إضافية باهظة حتى تصل، ومع هذا نحن في قلب الموجة ولا بد من محاولات الخروج منها قبل التفكير بأي شيء آخر.
دعم الأصدقاء
يشير الحاكم الأسبق لمصرف سورية المركزي إلى أن الدعم من الدول الصديقة كروسيا وإيران والصين والهند، كان له أثره بالصمود الاقتصادي طبعاً، حيث جرت بعض الإعانات والتقديمات والتسهيلات، وهذا ساعدنا فعلاً، وفي الواقع فإن الصمود الاقتصادي يرتبط بالصمود العسكري، ولكن الضغط كبير، والكيان الصهيوني هو وأمريكا من يقف وراء هذا الضغط كله، فلهم مآرب، ويستخدمون أدوات رخيصة كان لها أثر كبير على الاقتصاد، ولكن بالنسبة لعوامل الصمود فقد تمثّلت أولاً بإرادة الشعب، بغض النظر عن أي شيء، فالعديد من الدول كانت تدعمها الصين أو روسيا ولكنها انهارت.
الأسعار
ولكن كيف يُقيّم الدكتور أديب ميالة مشكلة الأسعار الكاوية التي قفزت فوق طاقة الناس على مجاراتها ..؟
يوضح ميالة أنه في أساسيات علم الاقتصاد فإنّ السعر يتشكّل عند نقطة الالتقاء بين العرض والطلب، فعند انخفاض العرض يرتفع السعر، وعند ارتفاع العرض ينخفض السعر، فالنفط – مثلاً – ارتفع العرض، والطلب انخفض، فحصل بالنفط ما حصل، وعندنا العملية تتعلق بالعرض والطلب، فنرى أن هناك مواد ارتفعت أسعارها بشكلٍ كبير كالحمضيات، ارتفعت في دمشق، ولكنها منخفضة في الساحل، والسبب ارتفاع تكاليف النقل إلى دمشق، فالمادة المتوفرة ينخفض سعرها، والقليلة يرتفع سعرها.
في أمريكا هناك إمكانيات مختلفة يمكن من خلالها مجابهة هذه الحالة، فالرئيس الأمريكي ترامب لاحظ أن انخفاض أسعار النفط سيؤدي إلى الضرر بشركات النفط الأمريكية، فصرّح بأنه سيدعمها .. هو عنده إمكانيات، كما أن كل ما يحصل هو بسبب قراراته الطائشة، حيث يصطدم مع كثير من الدول، الصين روسيا إيران .. نحن ليس لدينا إمكانيات، وكل الإمكانيات المسخّرة اليوم للتصدي لفيروس كورونا هي بلا مردود، وهذا شيء خطير، فالحرب العالمية الثانية كان من أهم أسبابها سباق التسلّح، وهذا السباق شكّل تكاليف كبيرة بلا مردود، ولكن قد يكون هذا الفيروس موسمي .. ويذهب مع الريح.
بالعموم موضوع الأسعار هو عرض وطلب، وهناك سعي لضبط الأسعار، ولكن هذا الضبط يبقى صعباً في ظل تلك الضغوط، ومع هذا فالحكومة تحاول فعلاً، ولكنها تصطدم بالتهريب والاحتكار والتلاعب، وصحيح أننا تعبنا، وعانينا الكثير، وصار لا بد من قوانين رادعة للتجار المحتكرين والمتلاعبين ليتمكن الناس من العيش، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى ضرورة إيجاد مساعدات للمياومين والمتضررين من التعطيل الذي حصل للمصالح في هذه الظروف.
سعر الصرف
ولكن ما هو السبب الحقيقي لانخفاض سعر صرف الليرة الذي حصل، والذي تسبب بالكثير من مظاهر الغلاء ..؟ وهل ستبقى الليرة هكذا منخفضة ..؟ أم يمكن أن تنتعش لاحقاً ..؟
الدكتور أديب ميالة أرجع سبب انخفاض سعر صرف الليرة إلى تراجع الإنتاج، وبالتالي فإن تحسّن هذا السعر يكون وإلى حد كبير مع عودة الإنتاج وتقدّمه، ولا شك بأن الإنتاج سيعود كما كان وأفضل، ولاسيما بعد إعادة المناطق وانتزاعها من المسلحين، بفضل القيادة الحكيمة للسيد الرئيس بشار الأسد، وبطولات الجيش العربي السوري.
وكنّا رأينا سابقاً ما حصل في حلب لجهة سرقة المصانع، وكان هذا يعني تعطيلٌ للإنتاج، وكذلك الأمر فإن الاضطرابات في الجزيرة السورية تؤثر على إنتاج القمح، فالعملية الاقتصادية توقفت، والزراعة توقفت إلى حدّ كبير، فصرنا ندفع قيمة كل شيء بالقطع الأجنبي، ولهذا كان من الطبيعي أن يرتفع سعر القطع الأجنبي مقابل انخفاض في سعر صرف الليرة.
سابقاً قبل الحرب وصلنا لمرحلة كنا نشتري ونبيع القطع الأجنبي كما في السوق .. فهو عرض وطلب أيضاً، فالظروف الاستثنائية تلعب دورها، وأسعار الصرف تتفاوت حسب شدّة الأزمة ومدتها.
ويستذكر الدكتور أديب ميالة أسباب اضطرابات سعر الصرف التي مرت عليه أثناء قيادته لمصرف سورية المركزي، فأوضح أنه تسلم مهمة حاكمية المصرف في 2 / 1 / 2005م، في 14 / 2 / 2005م اغتيل رفيق الحريري، فدخلنا بأزمة سرعان ما انعكست على سعر الصرف، ولكن الوضع استقرّ بعد حين، ثم جاءت حرب تموز في عام / 2006 / وحصلت اضطرابات معينة في أسعار الصرف، تجاوزناها أيضاً، ثم جاءت الأزمة المالية العالمية في عام / 2008 / هكذا كنا من أزمة إلى أزمة، وكانت آثار هذه الأزمة كبيرة على الكثير من دول العالم، ولكننا في سورية كنا من الدول القليلة التي نجت بالفعل منها، فلم تتأثّر سورية بسبب الضوابط الصارمة، وكان هناك تجاوب كبير من قبل المصارف، وهذا ما ساهم إلى حد كبير بالنجاة.
بعد ذلك جاءتنا أزمة الحرب في عام / 2011 / ولا تزال مستمرة، ولكن رغم كل الدمار الذي حصل فالأمل كبير بأننا سننتصر ونخرج من الأزمة، وكلنا إيمان بالشعب والقائد والجيش، وكلنا إيمان بقدرة سورية على تجاوز هذه المحنة، وإعادة الإعمار.
إعادة الإعمار
ولكن من أين لنا أن نعيد الإعمار ..؟ يؤكد الحاكم الأسبق بأن السوريين قادرين على ذلك مشيراً إلى أنه كان قد التقى مستثمرين سوريين لهم أرصدة في لبنان تجمّدت كما تجمّدت أرصدة الآخرين، وقد أكدوا له أن هذه الأموال كانت مهيّأة لإعادة الإعمار، بدوافع معينة.. فما هي هذه الدوافع ..؟ وعلى سيرة لبنان والأرصدة السورية في بنوكها ما مصيرها ..؟ وما هي آثار الأزمة اللبنانية على سورية بشكلٍ عام أيضاً ..؟ تلك ستكون تكملة الحديث مع الحاكم الأسبق للبنك المركزي .. وأشياء أخرى نختم فيها غداً هذه السلسلة |