ما من جهة حكومية إلا وتعترف بأنها مضطرة إلى رفع أسعار سلعها وخدماتها بما يتناسب مع سعر صرف الليرة الرسمي.
وليس وحده القطاع الخاص من يقوم بتحديد الأسعار حسب تكاليفها مع هامش للربح، غالباً ما يكون فاحشاً، فالوزارات تعمّم أيضاً على شركاتها بتسعير منتجاتها حسب تكلفتها الفعلية، مع هامش بسيط حيناً ومجزٍ حيناً آخر!
هذا ما يحصل مع كل تعديل جديد في سعر الصرف المركزي، والفارق الوحيد أن الجهات الحكومية تلتزم بحساب التكاليف وفق السعر الرسمي، في حين أن القطاع الخاص يحسبها وفق الدولار الأسود. حتى وزارة المالية تنجز الموازنة العامة للدولة وفق سعر صرف يتغيّر صعوداً عاماً بعد عام.
وقد لفتنا ما قاله مؤخراً مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بأن “ارتفاع سعر كيلو الشاورما مؤخراً ووصوله لحدود 25 ألف ليرة والفروج المشوي إلى 18 ألفاً والبروستد إلى 19 ألفاً هو ارتفاع أسعار على الورق فقط، لكن على الواقع هذه هي أسعارها الفعلية والحقيقية”.
نحن هنا أمام مصطلح “التسعير الواقعي”، وهو ترجمة حرفية لعمل وزارة التجارة الداخلية استناداً لتصريحات مسؤوليها: نحدّد أسعار السلع والخدمات حسب تكاليفها المتناسبة مع سعر الصرف الرسمي مع نسبة مئوية قصوى من الأرباح.
ونستنتج من ذلك أن الشغل الشاغل لوزارة التجارة ليس التسعير وفق الدخل الشهري لملايين الأسر السورية، وإنما شغلها الشاغل التسعير الواقعي المستند إلى سعر الصرف الرسمي!
ومهما قيل في عمل وزارة التجارة وقصور أجهزتها الرقابية فإنها بالمحصلة لا يمكنها أن تحدّد أسعار مبيع السلع والخدمات بأقل من تكلفتها، سواء المستوردة أو المنتجة محلياً.
ومشكلة ردم الهوة السحيقة بين الأسعار والأجور ليس مسؤولية وزارة التجارة، وإنما مسؤولية وزارة المالية تحديداً التي لم تقدم خلال السنوات العشر الماضية أي مقترح أو دراسة للحكومة تتيح تعديلاً واقعياً للأجور وفق التكاليف الفعلية لمعيشة ملايين الأسر السورية، بل ما من حكومة منذ عام 2011 طلبت من وزارة المالية تعديل الأجور مع كل تعديل جديد لسعر الصرف يحفظ القدرة الشرائية للدخل، أي تعديل واقعي للأجور يتناسب مع كل تعديل لأسعار السلع والخدمات.
والسؤال الذي تجاهلت جميع الحكومات السابقة الإجابة عنه هو: لماذا تعديل أسعار السلع متحرك بما يتناسب مع كل تعديل جديد لسعر الصرف، أي “تسعير واقعي” في حين تبقى الأجور ثابتة، أو فعلياً تتراجع قدرتها الشرائية لتصبح لا واقعية؟!
نعم.. “التضخمات التي حصلت من عام 2017 حتى عام 2021 من حيث اختلاف تكاليف الإنتاج كاملة من أسعار الزيت والمحروقات وغيرها استدعت تصحيح آلية التسعير المعتمدة في مديريات التجارة الداخلية”.. لكن لماذا لم ترافقها عملية مماثلة لتصحيح الأجور أيضاً؟
ومرة أخرى، نؤيد ما أعلنته وزارة التجارة: لم نرفع سعر الفروج والشاورما إنما صحّحنا آلية التسعير فقط، والسعر في السوق قبل الآلية وبعد الآلية هذا سعره الواقعي!!
السؤال: وماذا عن الأجر المتردي.. ألا يجب تصحيحه ليصبح واقعياً، أي قادراً على شراء الفروج في عام 2021 كما كان يشتريه واقعياً في عام 2017؟
قد يكون السعر الواقعي مطلوباً لضبط الأسواق ولكن.. ما ذنب المستهلك المسكين والفقير جداً بأجره ودخله المهدود؟
والملفتُ أكثر ما كرّرته وزارة التجارة مراراً: “ليس من المنطقي أن نظلم تاجراً تكاليفه أعلى ولا نستطيع أن نخالفه ونحن نضع له سعراً منخفضاً وأقل من التكلفة”!
وكأنّ الوزارة تعترف: نعم ظلمنا العامل بأجر ومنعناه من شراء الفروج إلى أجل غير منظور. وإلا ماذا يعني رفع سعر كيلو الشاورما بنسبة 100% من 12 ألف ليرة إلى 25 ألفاً، ومن هي الأسرة التي يسمح دخلها بشراء الفروج المشوي بمبلغ 18 ألفاً والبروستد بـ 19 ألفاً؟!
بالمختصر المفيد: تأكيدات الحكومات المتعاقبة أن شغلها الشاغل تحسين الأوضاع المعيشية للسوريين لا يمكن ترجمته إلا بأجور واقعية تتناسب مع التسعير الواقعي للسلع والخدمات الذي يتجه صعوداً مع كل تعديل لسعر الصرف!
علي عبود ـ البعث