تعمل الحكومة السورية على إعادة تأهيل محطات توليد الكهرباء التي تعرّضت لأضرار كبيرة بفعل المعارك (أ ف ب )
على رغم العقبات الكبيرة التي تعترض طريقها، سواءً لنواحي تأمين الطاقة أو تجهيز البنى التحتية أو تصريف المنتجات، تُكافح الحكومة السورية لإعادة اجتذاب الصناعيّين والمستثمرين، أملاً في تحريك عجلة الاقتصاد المحلّي الذي لا يزال يواجه ركوداً كبيراً
لا تنقطع دعوات الحكومة السورية، الصناعيّين والمستثمرين، للعودة إلى السوق المحليّة بما يسهم في إعادة الإنتاج إلى ما قبل الأزمة. وهي، من أجل ذلك، بدأت إنشاء قنوات تواصلٍ مع هؤلاء من أجل تشجيعهم على استئناف أعمالهم.
مقالات مرتبطة
ويؤكد وزير الصناعة السوري، زياد صباغ، وجود «تنسيقٍ كامل بين الوزارات السورية لتحقيق عودة الصناعيّين، من خلال توفير بيئةٍ آمنة للاستثمار في سوريا، من حيث البنى التحتية والمحروقات اللازمة لتشغيل المعامل». ويلفت إلى أن «الحكومة تعمل حالياً على إعادة تأهيل محطات توليد الكهرباء التي كانت قد تعرّضت لأضرار كبيرة بفعل المعارك التي شهدتها الأراضي السورية»، مضيفاً أنه «من المتوقّع أن تدخل المحطة الحرارية في حلب، بعد إعادة صيانة العنفات تباعاً، الخدمة مع نهاية العام الحالي، كما أنه من المخطّط أن تدخل محطة التوليد الكهروضوئية الخاصة بمدينة عدرا العمالية في الخدمة خلال الفترة نفسها». ويتحدث صباغ عن «استثمارات عربية في طريقها إلى سوريا من خلال بعض رجال الأعمال الذين يبدون اهتماماً بالسوق السورية»، مشيراً إلى أن «الحكومة تعمل على حلّ كلّ ملفّات الصناعيّين الراغبين في العودة، سواءً لناحية التعثّر في سداد الديون والضرائب، أو لناحية حلّ الملفات الأمنية إن وُجدت». وبحسب معلومات فقد تمّ، بالفعل، تشكيل لجنةٍ للتواصل مع المستثمرين العرب والصناعيّين السوريين، من أجل منحهم التسهيلات اللازمة لعودتهم، مع الحفاظ على استثماراتهم الحالية في دول تواجدهم. وفي هذا الإطار، يلفت صباغ إلى أنه «لا توجد إحصائيات دقيقة عن حجم رأس المال السوري المستثمر في الدول المستضيفة حالياً، لكون المستثمرين السوريّين لم يقدّموا بيانات حول حجم استثماراتهم في هذه الدول، إلّا أن عدداً كبيراً منهم تمّ التواصل معهم عبر الغرف الصناعية».
تحدّي الكهرباء
بالحديث عن الصناعة، تبرز حلب بوصفها العاصمة الاقتصادية لسوريا، والتي تحتضن أكبر كتلة من المنشآت الصناعية الخاصة في البلاد، وهو ما جعل حجم الأضرار المسجّلة فيها جرّاء المعارك، بالغاً. مع ذلك، يكشف نائب رئيس غرفة الصناعة في المدينة، مصطفى كواية، لـ«الأخبار»، عن عودة العمل إلى 19 ألف منشأة صناعية من أصل 35 ألفاً متواجدة في حلب، مبيّناً أن غالبية هذه المنشآت تعمل في الصناعات النسيجية التي تعتمد حالياً على استيراد نحو 65 في المئة من المواد الأولية، بعدما كانت تعتمد على الإنتاج المحلي لتأمين ما يزيد عن 90 في المئة من تلك المواد (تراجَع الإنتاج المحلي من القطن بشكلٍ كبير، بالنظر إلى أن غالبية المساحات الزراعية المخصَّصة لزراعته تقع ضمن مناطق تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية، والأخيرة تعمد إلى نقله بطرقٍ غير شرعية إلى أسواق إقليم شمال العراق). وتؤمّن الحكومة السورية التيار الكهربائي للمدينة الصناعية في «الشيخ نجّار» على مدار الساعة، في حين توفّره بمعدّل 12 ساعة يومياً للمناطق الصناعية السبع عشرة الأخرى في حلب، وتقطعه كلّياً عن المنشآت كافة خلال أيّام العطل في ظلّ أزمة تأمين الطاقة التي تشهدها البلاد.
تم تشكيل لجنة للتواصل مع المستثمرين العرب والصناعيين السوريين للعودة إلى سوريا
يختلف الأمر جذرياً بالنسبة إلى مدينة عدرا الواقعة إلى الشرق من دمشق. فالمدينة التي تُعدّ واحدةً من كبريات المدن الصناعية في سوريا لم تتعرّض للدمار، وقد ازداد عدد المنشآت الصناعية التي عادت للعمل فيها من 628 منشأة في العام 2016 إلى 1068 منشأة حالياً، علماً أنها تحتوي بالإجمال على 2300 منشأة صناعية مجهّزة، إضافةً إلى 5100 مقسم مخصّص للبدء بالأعمال الإنشائية، وهي مقاسم مجهّزة من حيث البنى التحتية. ويوضح مدير «عدرا الصناعية»، فارس فارس، لـ«الأخبار»، أن «معظم المعامل المملوكة لمستثمرين عرب لم تتوقّف خلال فترة الحرب على الرغم من العقوبات المفروضة على سوريا»، مضيفاً أن «توقّف بعض المعامل نتج من نقص المواد الأولية أو كساد في الأسواق العالمية، إلّا أنّ معظم المنشآت العاملة في المدينة عادت للإنتاج والتصدير»، متابعاً أن «الحكومة السورية تعمل على توفير 140 ميغاواط من التيار الكهربائي لتضمن تغذية المدينة الصناعية على مدار الساعة، ما عدا أيام العطل المعمول بها في المعامل، وقد أتاح قانون الاستثمار رقم 18 للعام 2021 الفرصة أمام تحسين واقع الاستثمار في سوريا».
عقبات ميدانية
تبدو مسألة تأمين الطريق الدولية في الجزء الرابط بين محافظتَي حلب واللاذقية مروراً بأراضي محافظة إدلب، واحداً من أهم مقوّمات إنعاش الرئة الاقتصادية للبلاد، والمتمثّلة في حلب. ويتطلّب ذلك إلزام الجانب التركي بتنفيذ تعهّداته بإجبار الفصائل المسلّحة على الانسحاب إلى شمال الطريق، بعمق يؤمّن حركة القوافل التجارية بين مراكز الإنتاج في حلب والواجهة البحرية الأساسية لسوريا، والمتمثّلة في ميناء اللاذقية. من جهة أخرى، يُعدّ العراق أكبر الأسواق القريبة لتصريف المنتجات السورية، إلّا أن تواجد قاعدة مشتركة بين القوات الأميركية والبريطانية في منطقة التنف، يقطع الطريق الأقصر الذي يربط بين دمشق وبغداد، والذي تقلّ كلفة النقل البرّي عبره من كلفة استخدام معبر «البوكمال – القائم». أيضاً، تعمل الحكومة السورية حالياً على إعادة تأمين الجنوب من خلال فرض اتفاق تهدئة طويل الأمد على الفصائل المسلحة المعروفة بـ«فصائل التسوية»، بما يسمح بإعادة فتح معبر «نصيب ـــ جابر» الرابط بين الأراضي السورية والأردنية – الاخبار .