قانون الاستثمار المُلهم والجذاب لن يوفّر المناخ الاستثماري المناسب دون بيئة حاضنة تُغذيه بسماد الإنعاش
دمشق – خاص لسيريا ستيبس
باتت سورية تمتلك واحداً من قوانين الاستثمار الملهمة على مستوى العالم، قانون توحي بنوده وتعليماته التنفيذية بقدرتها على جذب رؤوس الأموال وأصحابها مع ضمانات مهمة وواضحة وغير قابلة للخرق , وهو ما وعد به وزير الاقتصاد السوري..
ولكن هذا القانون الملهم للمال الخاص يحتاج الى بيئة استثمارية تناسبه بشكل جيد وواضح، فسنوات الحرب على سورية بما خلفته من دمار وتخريب للبنى التحتية , وتدمير للمعامل وما تسبب به ذلك من نقص في الخدمات و الانتاج .. وفي كل القطاعات دفعة واحدة تحتاج إلى جهود مضاعفة لاستعادتها ؟
بالمقابل فإن كل هذا الخراب والنقص يشكل اليوم فرصاُ مؤكدة للاستثمار وإغراءً حقيقياً لتدفق رأس المال إلى سورية وتوظيفه بسخاء في إعادة البناء والاعمار.
في الحقيقية هناك دول تطلب أن يكون لها حصة في إعادة إعمار سورية , وليس الشركات وأصحاب المال فقط، وهذا يشكل نقطة القوة الأكبر والأهم لقانون الاستثمار السوري الجديد , والذي بدأت سورية بالتعويل عليه والترويج له وللمقومات الكبيرة التي قام عليها ، وإن كانت الجهود الترويجية بحاجة لجهود أكبر فيما يخص شرح الفرص وشكلها وتموضعها و البيئة الحاضنة للاستثمار حتى بما تنطوي عليه من عراقيل موجودة حالياً ولن تكون موجودة بعد حين في إطار الحالة الإصلاحية التي تقوم بها الدولة ، وفي إطار قراءة تبدو مشجعة لواقع الانفتاح الذي قد تبدو سورية مقبلة عليه بقوة وبشكل حقيقي ..
أصلا إذا لم تكن هناك قراءة جدية كيف يمكن لوزير الاقتصاد السوري سامر الخليل أن يظهر كل ذلك الإيمان والقناعة بقانون الاستثمار الجديد وأن يدعو رجال الاعمال في دبي للقدوم بلا تردد لاقتناص الفرص أولاً، وقد جاء بعضهم فعلا الى دمشق لاستكشاف ماهو متوفر من فرص ؟ ..
الآن ..من المعروف وإضافة لانعكاسات الحرب والاستحقاقات التي خلقتها، فإنً الحصار خلق مشاكل بنيوية سيتوقف عندها أي مستثمر لعل أهمها وأعمقها نقص الطاقة الحالي وصعوبة تحويل الأموال و ارتفاع أجور الشحن والنقل والحاجة الى تدريب اليد العاملة وغيرها من الأمور التي قد ” يصفن ” بها المستثمر طويلاً دون أن يعني ذلك تراجعه عن القدوم وحجز فرصة او فرص استثمارية لماله في سورية .. خاصة وأن المشاكل في جزء منها متغيرة وقد تختفي في أي لحظة وأضعف الايمان يمكن خلق حالة مصالحة مع هذه المشاكل عبر التعامل معها بطريقة أفضل من بينها التحايل ونقصد بذلك على قانون قيصر ؟ ..
طبعا هنا لابد من اتقان مهمة تطمين المستثمر .. وعلى التوازي العمل على بث الطمأنينة لديه بما يخص الجانب الأمني الذي يحاول البعض تضخيمه والترويج له على أنه عقدة , خاصة في ظل مواجهة العديد من رجال الاعمال والتجار داخل البلد لملفات أمنية ترتبط بممارسات تتعلق بالاحتكار والمضاربة بالليرة ومخالفة القوانين بشكل واضح الأمر الذي يستوجب العقوبة، وهذه النقطة يجب تحويلها الى نقطة ايجابية للاستثمار تقول بأن كل من يخالف يُعاقب، بمعنى أن هناك احتراماً للقوانين ولا قفز فوقها ولن يسمح بالفساد .
ومن أجل ذلك قال وزير الاقتصاد السوري : إنّ المستثمر الذي يأتي الى سورية يحصل على رخصة الاستثمار خلال 30 يوماً دون أن يكون بحاجة الى زيارة أي جهة حكومية او تمرير أي موافقة بطريقة غير صحيحة .. كل ما يحتاجه المستثمر موجود عبر نافذة واحدة وخارج هذه النافذة عليه أن يعمل ضمن القوانين وغير مسموح لأحد التدخل به أو فرض أي أمر عليه .
وبالتالي المستثمر القادم الى سورية سيجد نفسه امام طريق معبد بالقوانين والأنظمة التي تمنع استغلاله وتمنعه من سلوك طرق غير صحيحة في الوقت نفسه ..
إنّ وجود رجال أعمال وتجار قيد التحقيق هو لارتكابات قاموا بها وتُعاقب عليها القوانين السورية وهي ارتكابات مثبتة ولا داعي لتضخيمها وإجراء أي إسقاطات بشأنها على الاستثمار والمستثمرين، مع الإشارة الى أنّ هناك من يروج لها بكثير من السوء لغاية ضرب بيئة العمل في سورية .. عبر التركيز على أنّ اي مستثمر يأتي الى البلاد وخاصة السوري هناك ملفات أمنية بانتظاره بل أنّ السجن بانتظاره وهذا غير صحيح، من هم في السجن الآن قاموا بارتكابات كبيرة أقلها التلاعب بسعر الصرف واحتكار السلع والتلاعب بالفواتير وإجازات الاستيراد وهو ما تعاقب عليه كل دول العالم، في الحقيقة هناك فئة تعمل على ترويج فكرة أن معاقبة من يخالفون القانون هي حالة معرقلة للعمل في سورية ؟ .
في مؤتمر صحفي أجراه قبل أيام في مبنى وزارة الإعلام بدمشق تحدث الوزير سامر الخليل عن مهارة الالتفاف على العقوبات التي بات يتقنها السوريون جيداً عبر إيجاد حلول لتحويل الأموال وغيرها من المشاكل التي أوجدتها العقوبات، مع ايران على سبيل المثال صار هناك نظام للتحويل بين البلدين دون المرور ” بالسيستم ” العالمي .
ولكن بكل تأكيد مع نشاط الوزير للترويج لقانون الاستثمار فإنه بذلك يقرأ بأنّ الواقع الذي تتجه إليه البلاد واقع جيد كما يقرأ الانفتاح على سورية بشكل دقيق فالبلاد وضوحا ذاهبة على الأقل الى حدوث فجوات كبيرة في قانون قيصر تحت ضغط المتغيرات المتعلقة بالطاقة وارتفاع أسعار السلع وخاصة الغذائية، وحاجة بعض الدول المرعية من قبل الولايات المتحدة إلى فتح أبواب لتتنفس منها ونتحدث هنا تقريبا عن كل جوار سورية، الاردن الذي يعاني اقتصادياً كذلك لبنان الذي أرادوا أن يحاصروا سورية من خلاله فكانت النتيجة حدوث أسوأ انهيار اقتصادي فيه، وأيضاً العراق الذي يحتاج الى اتساع نطاق تنفسه من الرئة السورية بشكل ملح وبشكل لا يقبل التأجيل
على كل الاردن يبحث عن منفذ لاقتصاده الصعب والمزمن وللخروج من مشاكله الاقتصادية التي حملها ملكه الى واشنطن وعاد بنافذة مهمة في قيصر قد تؤدي الى فتح المزيد من النوافذ والأبواب , الأردن يريد أن يستعيد دوره كطريق للخليج والعراق كي ينتعش قليلاً ويريد أن يبيع الكهرباء الفائضة لديه ليخفف من وطأة القروض التي يرزح تحتها وأن يُباع الغاز عبره ويحصل على مقابل بل أكثر من ذلك هو يريد ان يأخذ حصته من سوق السفر النشيط والذي يستأثر لبنان به وكل هذا يحتاج الى طرف ثان لتحقيقه هو سورية ..
ومع إدراكنا للوضع الأردني كلنا يدرك أيضا الوضع اللبناني الذي انهار بشكل كامل ولابد وبشكل حتمي من الانفتاح على سورية للخروج من مشكلاته الاقتصادية كذلك العراق الذي لا يستطيع البقاء إلا مستنداً على سورية
اذا من يعاقب قيصر .. قيصر عاقب سورية بلؤم وبشدة ولكنه اليوم يعاقب أيضا الاردن ولبنان والعراق ويمنع السلع عن الخليج ونعتقد أن التأثيرات القادمة ستكون أعمق مع تفاقم مشكلتي الطاقة والغذاء ..
وبالتالي كان من الطبيعي أن تحدث ثغرات ونوافذ في قيصر كي يتنفس الأردن والعراق ولبنان وكي تتمكن لاحقا دول الخليج ان تكون طرفاً مهما في عمليه إعادة إعمار سورية التي تنتظر ” مارشالها ” ؟
الانفتاح على سورية اليوم هو محاولة لإيجاد حلول اقتصادية لدول تأثرت بقيصر نفسه بعدما قالت كورونا كلمتها وبدأت الطاقة تقولها بعنف أكثر حتى من كورونا .. وحيث لابد من التحرك سريعا نحو فتح الأبواب للفرص واقتناصها .
كل هذا يؤكد أنّ هناك طرقاً لا تمر إلا من سورية و أنّ الموقع الجغرافي والتجاري لسورية لا يمكن القفز فوقه ولابد من التعامل معه وفي كل تعامل يجب إحداث ثغرة في قانون قيصر على الأقل هذا ما تشير إليه الوقائع ؟..
اكثر من ذلك ليست سورية فقط ممراً تجارياً ولعل الغاز سيجد ضالته ايضا في وعبر سورية .. سورية أيضا بلد زراعي و لديها طيف مهم من المنتجات الصناعية والحيوانية التي تتميز بها وعليها طلب من العراق وأسواق الخليج وخاصة السعودية , ويبدو أنّ الإمارات أيضاً لديها مصالح مع السوق السورية بعد الأرقام التي كشفها وزير الاقتصاد الإماراتي عن حجم التبادل التجاري والاستثماري مع سورية .
دعونا نقول التالي : لقد عبرت الإمارات عبر أكثر من مسؤول رفيع عن رغبتها بالتعاون والاستثمار والمشاركة في بناء مستقبل سورية .. هل كانت لتعرض كل ذلك لو لم تكن متأكدة أن سورية تسير نحو الانفتاح وأنّ قيصر ستكثر فيه الابواب وبطلب ؟
اليوم في ظل إعادة تجميع المشهد ودلالات إعادة التشبيك السوري مع الجوار وما بعد الجوار يأتي الاقتصاد والمصالح التجارية لتقول كلمتها خاصة بعد التغييرات العميقة التي تسبب بها كورونا وارتفاع اجور الشحن على مستوى العالم ..
عمليا مشاكل اليوم بالنسبة لسورية هي أكثر تأثيراً على وضع الجوار مما كانت عليه في عز الحرب ..
ما يؤكد أنّ المشهد الاقتصادي هذه المرة هو البوابة لتمرير العلاقات الأخرى بمعنى أنّ السياسة ستستجيب للمصالح الاقتصادية خاصة في ظل ما تعانيه كل الدول من نقص في السلع وارتفاع في الأسعار وتراجع في الاستثمارات ومشاكل اخرى بالجملة.
من هنا تبدو سورية هي الفرصة القادمة والحقيقية التي ستقف على أبوابها حكومات وليس شركات فحسب والايام القادمة ستكشف لنا الكثير ؟
كلما أحسنت الحكومة السورية ترتيب الوضع الاقتصادي وترتيب معطيات وبيئة الاستثمار كلما كانت قادرة على تحقيق المكاسب الاقتصادية التي تحتاجها وتسعى إليها .
المطلوب اليوم العمل بقوة وحزم على تحسين بيئة الاستثمار وتخليصها من مؤثراتها السلبية وتفاصيلها التي قد تكون أقوى من كل مغريات القانون.
كما أنذ الإصلاح هو مطلب من أجل بناء اقتصاد قوي والشروع بعملية إعادة الإعمار على نحو سليم، والتمكن من فتح المزيد من الثغرات والنوافذ في ” قيصر ” وصولا الى إفراغه من محتواه أخيرا .. نزولاً عند المصالح الاقتصادية .
فكيف يكون هذا الشرق قويا ومزدهرا دون سورية .. وكيف لا تكون سورية مبتدىومنتهى الطرق ؟