سيرياستيبس
لم تعد القرارات الصادرة عن الحكومة ليلاً تُفاجئ المواطنين ممن أصبحت مناعتهم قوية تجاه تلك القرارات التي تصبّ في مصلحة المواطن دائماً “حسب تصريحات الحكومة”، إذ لم يكن قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك برفع سعر اسطوانة الغاز المباعة عن طريق البطاقة الالكترونية بنسبة تجاوزت الـ130% للغاز المنزلي، و335 % للغاز الصناعي، إضافة إلى رفع أسعار الكهرباء في معظم شرائحها بنسب تراوحت بين 100% و800%، بريئاً كما أرادت الوزارة تسويقه كالعادة للموطنين “المعتّرين” أو كما يصفهم الوزير “بالأحبّة” عبر منشوراته الفيسبوكية التي اعتاد أن يقدّم فيها سيلاً مفصًلاً من التبريرات والأسباب لأي قرار برفع الأسعار، يسبقه الكثير من الاجتماعات النوعية والاستثنائية للوصول إلى حل يُرضي المستهلك ويوقف النزف الحاصل بسبب نقص المواد المستهدف رفع سعرها.
فلم تلبث الوزارة بإصدار قرارها المسائي حتى تحركت أدوار الغاز المتوقفة في البطاقة الذكية منذ أشهر بسبب نقص المادة في الأسواق وتواجدها الغزير في السوق السوداء التي أرادت الوزارة أمس كبح جماح التجار والمتلاعبين في هذه السوق من خلال توفير المادة بأسعار تناسب الحكومة والمواطن معاً، لتؤكد الوزارة أنها بهذا التوجه ستقلل من فترة استلام المواطن للجرّة واختصاره إلى 40 يوماً، الأمر الذي شكك بصحته المواطنون والصناعيون ممن وجدوا في هذا القرار الكثير من الظلم الواقع عليهم وعلى المواطن، خاصّة في حال لم تستطع الدولة تأمين المواد وبقيت السوق السوداء المتحكم الأول والأخير بتوفيرها، متسائلين عن أسباب رفع سعر الكهرباء التي لا تُباع في سوق سوداء، وفيما إذا كان تبريرها في ذلك هو تحفيز المستهلكين على مصادر الطاقات المتجددة لتغطية جزء من استهلاك الكهرباء عبرها، سينعكس إيجاباً على المواطنين أم ستكون تكاليف الاعتماد على مصادر الطاقات المتجددة مرتفعة وسيدفع ثمنها المستهلك أيضاً في حال لم تكن مُعتمدة بخطط مدروسة تصب في مصلحته أيضاً.
ولم يكن وقع القرار الأخير أقل ثقلاً على الصناعيين من المواطنين إذ أكد الصناعي تيسير دركلت أن قرارات رفع سعر المحروقات تكون تحت مبرر واحد وهو توفير المادة للمستهلكين، لكن الواقع الذي يحصل هو توفيرها لأشهر قليلة لتُعاود الوزارة الكرّة مرة أخرى بإيقاف المادة ودور الغاز والمازوت وجميع السلع المدعومة ريثما تُصدر قرارها برفع سعره تحت بند توفيره بكميات مناسبة في السوق، مشيراً إلى أنه في حال بقاء السوق السوداء وعدم توفر الغاز سيزداد الوضع سوءاً، وأكد دركلت أن قرار رفع السعر هو بداية لرفع الدعم عن بعض المواد بسبب ارتفاع تكاليفها وعدم قدرة الموازنة العامة على تحملها، مؤكداً أن ارتفاع سعر الكهرباء سيؤثر على عمل الصناعيين أكثر من ارتفاع سعر الغاز خاصة وأن الكهرباء تدخل في عمل الكثير من الصناعات بنسب تتراوح بين الـ20% إلى الـ50%، وبالتالي سيكون التأثير بشكل مباشر على الصناعات الوطنية وإقبالنا على موجة غلاء وركود تضخمي على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي فسنفقد الميزة التنافسية في الأسواق العالمية، خاصّة مع توقف الكثير من الصناعيين عن العمل بسبب ارتفاع المواد الأولية مع فقدان سوق تصريف للمنتجات المصنًعة لاسيّما وأن القدرة الشرائية للمواطن باتت شبه معدومة في ظل الرواتب والأجور المتآكلة.
في المقابل أكد الصناعي عماد قدسي توّجه الحكومة في قراراتها الأخيرة لمحاربة الصناعيين مجدداً، معتبراً أن قرار رفع سعر الكهرباء بمثابة جريمة مجحفة ستنعكس سلباً على المواطن خاصّة وأن جميع السلع سيرتفع سعرها أضعاف مضاعفة لا كما صرّحت الوزارة بعدم تأثر المواطن، فمحاربة الصناعيين ستؤدي إلى محاربة المستهلكين حتماً، مُطالباً بالسماح للشركات الخاصة بالعمل في مجال الكهرباء وتوريدها أسوة بالكثير من الدول المتقدمة وعدم بقاء الطاقة الكهربائية بيد القطاع العام، ولفت قدسي إلى أننا مقبلون على أيام سوداء اقتصادياً في ظل تطبيق الحكومة لهذه القرارات وفق مقاييس تفصّلها بعيداً عن التجار والصناعيين والمواطنين على حد سواء.
ولم ينف محمد كوسا”خبير اقتصادي” أن رفع سعر الغاز هو العامل الرئيسي لزيادة أسعار بقية المشتقات النفطية، ففي ظل ارتفاع تكاليف الغاز عالمياً وعدم قدرة الدولة على تغطية تلك التكاليف وحدها توجهت في الآونة الأخيرة إلى كبح الدعم وإعادة هيكلته وتوجيهه إلى أمور أخرى”تعليم وصحة وبناء…” لافتاً إلى عدم قدرة الحكومة على طرح الغاز بسعر قريب من سعر التكلفة فتلجأ إلى زيادة سعره وسعر باقي المشتقات النفطية لتقليل العجز بالموازنة العامة، كما تهدف الحكومة إلى تحقيق نوع من العدالة في توزيع المشتقات النفطية على المستفيدين لتقليل الفجوة بين سعر المدعوم وسعر السوق السوداء، وأكد كوسا على دخولنا في دوامة ارتفاع الأسعار مجدداً في ظل كبح الدعم مع ثبات الرواتب والأجور والتي لم ترتفع إلّا من خلال زيادة الإنتاج، خاصّة وأن هذا القرار سيؤدي إلى رفع جميع السلع والصناعات والمنتجات الحرفية في حال عدم استمرارية سلاسل التوريد وتحميل الصناعيين ارتفاع تكاليف إنتاجهم على المستهلك، لذا يتطلب على الحكومة اليوم العمل على رفع التعويضات كي لا نصل إلى تراجع الحركة الإنتاجية وخروج الصناعيين عن العمل، إضافة إلى الإسراع بالعمل في نظام الطاقات المتجددة ووضع نواظم نحو تخفيض تكاليف هذه الطاقة، وفي حال عدم استمرارية التوريدات أو زيادة الرواتب سنصل حتماً إلى ارتفاع معدلات التضخم وركود للاقتصاد الوطني.