الخبير السوري:
في الاقتصاديات التي تتعرض لأزمات مرحلية طويلة أو صعبة، تلجأ الحكومات لاجتراح طرق وأساليب جديدة لمعالجة الأسباب وراء الأزمات الكبرى؛ فحين تكون الأزمات من نوع الضعف الاقتصادي تلجأ إلى تنشيط الاقتصاد بطريقة التحفيز لعدد من قطاعاته، عبر تسهيلات قطاعية تجعله يكسر الجمود و ينطلق..، أما حين يكون السبب مؤامرة خارجية بمشاركة أدوات داخلية غير وطنية بالمفهوم الأخلاقي للوطنية، فإنها تلجأ إلى ضرب الأدوات الداخلية الوكيلة للخارج، دونما أي هوادة أو رحمة..، لأن الخيانة الوطنية لا حل لها اقتصادياً إلاَّ بإخراج الخونة من دائرة التأثير السلبي على الاقتصاد الوطني.
ومن أوجه المؤامرة التي تصيب الاقتصاديات خلال الحروب الصعبة، محاولة المضاربة على النقد الوطني، بهدف إحداث أزمة تضخمية – وتمويل بالعجز– يؤدي تالياً إلى مديونية للخارج، حيث النتيجة الحتمية هي الارتهان السياسي والاقتصادي للصناديق الدولية التي تسيطر عليها وتحركها نفس الأدوات الخارجية التي تتعاون مع أدوات داخلية لزعزعة الاقتصاد..!
وبالعودة إلى طرق علاج المضاربة على النقد الوطني ( حيث يصبح مسموحاً لأصحاب القرار الوطني، ضرب الأدوات الداخلية الخائنة التي تؤدي إلى إسقاط الجهات الخارجية)، يمكن تطبيق نسيج المثل الشرقي المعروف: “اضرب الآدمي، بيتربى الأزعر”.
وبالنظر إلى ما يجري في وطننا حول موضوع هبوط سعر صرف النقد الوطني مقابل العملات الاجنبية..، وجب تطبيق المادة الأخلاقية في قانون العقوبات الأخلاقي، الذي يقول بما معناه : كل “مواطن” يرفع السلاح في وجه بلاده أثناء الحرب، يستحق الإعدام..، قياساً على مادة قانونية موجودة ضمن تشريع العقوبات السوري الصادر بمرسوم عام 1949..
وفق المنطق أعلاه، يتساءل الخبير الاقتصادي سامر الحلاق، أليست المضاربة على النقد الوطني من قبل السوريين أثناء الحرب على سورية، أشد و أمضى من رفع السلاح في وجه وطنهم..؟!؛ يسأل ليقودنا إلى طريقة ناجعة ( من خارج الصندوق…) تعيد الهيبة للنقد الوطني، وتلحق الذل بأعداء الاقتصاد الوطني، بأدواتهم الداخلية والخارجية.
مسموح بأشكاله كافة
يؤكد الخبير أنه وفي حالة الحروب على الأوطان، يصبح الدفاع المقدس عن الوطن مسموحاً بكافة أشكاله (حتى لو اقتضى التعاون مع خصوم الماضي أو مراكز ثقل كان من الممنوع التعامل معها في حالة السلم و الرواج الاقتصادي؛ فكيف إن كان هناك سوريون أو أصدقاء ومن خلال تكتلات مالية أو دول يمكنهم ذلك..؟!).
استناداً لما سبق، يطرح الحلاق ما في جعبته من حل قائلاً: إذا تم تكليف جهة داخلية وطنية أو جهة صديقة بالعمل على إعادة الألق للنقد الوطني، فهذا مسموح لأنه يقع ضمن الدفاع عن النفس بطرق مقدسة ومشروعة..، وعليه فإذا كلفت الحكومة ( اقتصادياً )، إحدى الجهات أعلاه بالتدخل في سوق صرف العملات داخل السوق السوري..، مقابل توزيع الناتج الربحي لهذا التدخل بنسب منه للخزينة الوطنية والباقي ربح للجهة المتدخلة المتعاونة مع الحكومة…
لا يتحمل.. بل يربح..؟
وعن السبب بتكليف إحدى الجهات، يبين أنه منعاً لتحميل مصرف سورية المركزي مخاطر التدخل من استنزاف لاحتياطياته أو لأسباب متنوعة، لا مجال لذكرها، شريطة أن يبقى المركزي مراقباً لميدان الصرف، وبالتالي يبعث برسائل للدول التي تحاول إسقاط السوري من خلال تجويف الاقتصاد الوطني، ويلقنها دروساً، بأنه قادر على حسم الموضوع لصالح الوطن بدون تدخل منه..، أي أنه أكبر من نزوله بائعاً و شارياً ومتاجراً..!، وهذا بحد ذاته درس بأن القدرات السورية تكتنز وتجترع حلولاً تعجز عنها خبرات خبراء البيوتات المالية الاستشارية العالمية…
الصدمة والذهول
موضحاً قال الخبير: لنفترض أن إحدى الجهات التي توافق الحكومة على تكليفها بالتدخل في سوق الصرف ضمن الأراضي السورية..، بدأت بعرض العملات الأجنبية..، على سبيل المثال الدولار الامريكي، وفق آلية حكيمة ومحنكة مفادها أن تقوم هذه الجهة بعرض مبلغ 50 مليون دولار للبيع ضمن السوق السوري، وبسعر أقل من سعر الدول المجاورة بنسبة 5% بداية…
ولبيان نجاعة ما يطرحه يستشهد بمثال قريب من الواقع مفسراً: إذا كان سعر الصرف ضمن الأسواق المجاورة هو 650 ليرة للدولار، فستقوم بعرضه بسعر 610 مثلاً، فماذا سيحصل داخلياً؟، سيسارع من يملك مدخرات بالليرة السورية ( هم قلة قليلة؛ لأن الأغلبية هربت من الليرة إلى المعادن الثمينة أو العملة الأجنبية!)، إلى استبدال الليرة بالدولار، وبالتالي بالكأد يتم بيع مبلغ 100 مليون دولار، وحتى لو تم بيع كل المبلغ..، فإن السيولة بالليرة السورية ستنقص من المضاربين الذين هم أصلاً لا يكتنزون بالليرة السورية! وستتقدم الجهة بطرح مبلغ 50 مليون دولار إضافي وذلك لسحب الليرات السورية من أيدي المضاربين، فتعلن أنها ستبيع الدولار بسعر 590 ليرة، وهذا يؤدي حتماً إلى سحب ما تبقى من الليرات السورية من يد المضاربين..، بعدها ومجدداً ستعلن الجهة الوكيلة، أنها ستبيع 50 مليون دولار رضافية بسعر 560 ليرة لكل دولار..، وبهذا يكون قد تم امتصاص كل أدوات المضاربة من المضاربين، و بشكل تدريجي…
استتباعاً لما تم، نأتي لمرحلة يتم عرض الدولار بسعر 500 ليرة..، وهنا تكون المرحلة الاهتزازية (عند من يملك عملات أجنبية) قد بدأت تفعل فعلها بشعوره أنه لم يعد أمامه سوى تبديل مدخراته الأجنبية بالليرة السورية خشية وصول عرض الدولار – كما أعلاه – إلى مستويات 400 ليرة مثلاً، وعندها سيسارع لبيع مدخراته الأجنبية حفاظاً على عدم الإفلاس؛ ما يجعل الجهة المتدخلة جاهزة – بما سحبت من ليرة سورية – أن تدخل شارية للدولار بسعر 450 ليرة مثلاً، فيسرع من تبقى ممن لديه مدخرات أجنبية بتبديلها بالسعر النهائي وهو 450 ليرة مثلاً ، الأمر الذي يجعل الخزينة السورية مليئة بالأرباح بواسطة وكيلها المتدخل..، ويمكن للمثال أعلاه أن يغير أرقامه نسبياً وفقاً لحالة الذهول والصدمة لدى المضاربين..!
ميزات كثيرة..
الآلية أو الطريقة السالفة وفقاً للخبير، لا تعفي المواطن السوري من تهمة المضاربة على نقده الوطني، وبالتالي هي طريقة لها مسوغها حتى لو أسقطت مواطنين سوريين و جعلتهم مفلسين جراء انجرارهم وراء التعدي على هيبة النقد الوطني السوري..! وبالتالي.. نكون أمام ميزات كثيرة منها : – عودة النقد السوري قوياً منيعاً.
– عدم تدخل الحكومة والمصرف المركزي مباشرة- بل بواسطة وكيل.
– ملاءة نقدية للمصرف المركزي من العملات الأجنبية – عقاب بشكل مباشر وغير مباشر لكل من قام بالمضاربة على النقد الوطني السوري
– إعطاء الدروس والعبر للمتآمرين، بأن الغلط مع سورية يكلف أعداءها كثيراً – تعزيز قيمة القوة الشرائية للنقد الوطني، ما يوفرعلى الخزينة زيادة الرواتب.
ويختم الخبير بتأكيده أن الحل أعلاه تكمن قوته بالحالة التي يخلقها خلال تنفيذه…!
قسيم دحدل – البعث
شاهد أيضاً
الموافقة على إدراج بعض الأنشطة الزراعية ضمن أحكام قانون الاستثمار
استعرض المجلس الأعلى للاستثمار خلال اجتماعه اليوم برئاسة المهندس حسين عرنوس رئيس مجلس الوزراء واقع …