علي عبود
جريدة البعث .
من الصعب جدا أن نجد شخصا في موقع المسؤولية حصين ضد كسب المال بأساليب غير مشروعة!
وإذا أخذنا الحكومات كمثال باعتبارها مؤتمنة على المال العام ـ وأيضا الخاص ـ فإننا نادرا جدا مانجد مسؤول حكومي في معظم دول العالم لم يتورط في قضايا فساد محورها استغلال المنصب العام لكسب المال “الحرام”!
ولدينا عشرات الأمثلة عن أشخاص كانوا من أشد المطالبين بمكافحة الفاسدين ومحاسبتهم .. لكن ما أن استلموا منصبا حكوميا حتى انخرطوا بسرعة غريبة في الفساد والإفساد!
ومن المؤكد أن العاملين في الوزارات ومؤسساتها والذين يحتكون مباشرة بالمواطنين لإنجاز معاملاتهم هم أكثر الناس إنخراطا في كسب المال “الحرام !!
وإذا كان هذا حال الوزارات ومؤسساتها التي لاتتعامل بالمال مباشرة فماذا نقول عن الجهات التي محور عملها المال ولا شيىء آخر سوى المال كوزارة المالية!!؟
في وزارة المالية من المستحيل أن نرى موظفا لايستفيد من منصبه مهما كان صغيرا ، والإشكالية هنا أن أصحاب العلاقة أي المكلفين ضريبيا “يدفعون المعلوم” وهم راضون بل وفي غاية السرور إلى درجة يصعب معها اكتشاف (من يغري من) بكسب المال الحرام ، أو من يفسد من؟
وبالتالي لم يكتشف وزير المالية جديدا عندما أعلن مؤخرا (أن موظفين في المالية يعلمون التجار على التهرب الضريبي)!
هذا الواقع قائم ومستمر في الوزارة منذ زمن سحيق ، وسيبقى مستمرا ولن يستطيع أي وزير منعه طالما الإحتكاك المباشر بين الموظف والتاجر قائم ومستمر!!
قد لاتملك وزارة المالية الحجم الفعلي للتهرب الضريبي ، لكنه بالتأكيد بعشرات المليارات لا بعشرات الملايين ، والمستفيد الفعلي من التهرب هو التاجر في حين لايحصل الموظف سوى على “الفتات” مقارنة بما ربحه التاجر!!
وإذا كان وزير المالية لاحظ تراجع الإيرادات لدى بعض الدوائر المالية ناتج برأيه عن “علاقات غير سليمة مع المكلفين” .. فلا يعني هذا أن الوضع في السابق كان أفضل ، وإنما كان أقل سوءا ، وهو تأكيد على أن التهرب الضريبي إلى تزايد لا إلى انخفاض!
ويخطىء كل من يرى أن الحل يكون بإجراء تقييمات للمدراء ورؤساء الدوائر والأقسام بهدف إجراء تعديلات وتغييرات في الإدارات الضريبية ، فقد سبق وقامت الوزارة بهذا التفيير مرات ومرات دون جدوى ، بل أن الموظفين الذين يحسدون رؤسائهم لأنهم يتابعون مايكسبونه من المال الحرام يجدون في أي تقييم وتغيير فرصة للحلول مكانهم والسير على منوالهم!
كما أن المحاسبة مهما كانت مهما كانت شديدة فقد أثبتت السنوات السابقة انها غير مجدية ولا رادعة فمن المستحيل أن نجد شخصا حصين ضد الكسب غير المشروع مادامت الأنظمة النافذة تتيح مثل هذا الكسب ، أي طالما التحصيل الضريبي يتم مباشرة بين موظف وتاجر!!
معظم دول العالم حلت المشكلة عبر الأتمتة أي إلغاء أي احتكاك مباشر بين الموظف والمكلف !
ترى هل تعجز وزارة المالية عن أتمتة عملها الخاص بالضريبة؟
منذ عقود ونحن نسمع ان وزارة المالية “منخرطة” في إصلاح التشريعات الضريبية ، ولكن هاهو وزير المالية يعترف لنا بأن”هناك لجنة مختصة تعمل على مراجعة كل التشريعات الناظمة لذلك إذ تعود هذه التشريعات لأكثر من 50 عاما”!
ألا يعني هذا الإعتراف إن وزارة المالية لم تفعل شيئا خلال العقود الماضية على صعيد تطوير تشريعاتها ، وإن ماكانت تعلنه للإعلام عن عمليات إصلاح لم يكن أكثر من ترقيع لواقع مهترىء؟
حسنا .. لندع المضي ببعديه السحيق والقريب ، ولنتفاءل بما أعلنه وزير المالية مؤخرا : “الحكومة تعمل على تحديث منظومة تحصيل الضرائب عبر الأتمتة وتطبيقات الحكومة الإلكترونية .. وهو الأمر الذي يسهم في التخفيف من وجود العامل الشخصي لمستوى الصفر”!
ويبقى السؤال : لمصلحة من هدر المليارات على خزينة الدولة طيلة العقود الماضية من خلال رفض المسؤولين السابقين مشاريع أتمتة أعمال وزارة المالية؟