كتب الاعلامي علي عبود :
ربما هي المرة الأولى التي يشير فيها رئيس حكومة إلى فرضية وجود مافيات في مؤسسات حكومية..!
لقد قالها رئيس الحكومة المهندس خميس خلال اجتماعه باتحاد الحرفيين: لن نسكت عن وجود مافيا في أية مؤسسة حكومية..!
ولو عدنا إلى الماضي البعيد فقد أشار وزير سابق خلال استجوابه في مجلس الشعب في نهاية ثمانينيات القرن الماضي إلى وجود مافيا للتهريب في سورية..!
أكثر من ذلك أشرنا مراراً وتكراراً إلى مافيات في بعض المؤسسات الحكومية تشفط المليارات من جيوب المواطنين ومن خزينة الدولة..!
قد تطالب الجهات المسؤولة – وخاصة أجهزة الرقابة – بأدلة تؤكد وجود مافيا في مكان ما لتتمكن من ملاحقتها ومحاسبتها..
حسناً.. سبق لنقابة عمال النفط أن أشارت إلى وجود مافيا للمحروقات، ومع ذلك لم تتحرك أية جهة للتحقيق في الموضوع..!
كما كشف المصرف المركزي عن “مافيا” استوردت المازوت وباعته بسعر باهظ، وشفطت المليارات دون أن تدفع قرشاً واحداً لخزينة الدولة، ومع أن المصرف زود وزارة المالية بالوثائق لتقوم بتحصيل مستحقاتها من الضرائب فإن الوزارة لم تحرك ساكناً..!
أكثر من ذلك كشف مسؤول في وزارة التجارة الداخلية عن وجود مافيا تقوم بتهريب الدقيق التمويني، وأن الوزارة تحقق في الموضوع.. لكن مرت سنوات دون أن تكشف لنا وزارة التجارة عن عنصر واحد في مافيا الدقيق، والدليل استمرار التهريب في كل المحافظات يومياً..!
صحيح أن أجهزة الرقابة تضبط كميات هائلة من الدقيق المهرب، لكن اللافت أن مافيا التهريب لم تُضبط حتى الآن.. فلماذا..؟
وأخطر أنواع الفساد هو الفساد الذي يمارسه “المحترفون” وفق التشريعات النافذة..!
وقد أشارعضو في مجلس الشعب مؤخراً إلى (عشرات التشريعات الضريبية التي تتضمن أبواباً واسعة للفساد؛ لأنها تسهل للتجار ورجال الأعمال أن يتهربوا ضريبياً، وأن يدفعوا للخزينة ما يشاؤون)..!
ألا يعني هذا أن الجهة المعنية غير جادة بمحاسبة الفساد وخاصة إذا كان المرتكبون من المافيات أو من كبار حيتان المال..!
وحجم الفساد هنا كبير جداً؛ فقد كشف رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية أن (المبالغ المالية المستردة خلال عام 2018 قد بلغت ما يعادل /11.42/ ملياراً، إضافة إلى 750 ألف دولار أمريكي و254 ألف يورو)!
أما التهريب.. فكل المؤشرات تؤكد وجود أكثر من مافيا للتهريب، أو هناك مافيا مركزية تدير المافيات الفرعية..!
وها قد مرت عدة عقود دون أن تكلف الجهات المختصة اهتماماً جدياً للقبض على رؤوس مافيات التهريب… فلماذا..؟
ومن الطبيعي أن تطلب الجهات الرقابية أدلة وبراهين عن وجود مافيا في مكان ما، أو بوجود خلل في إحدى المؤسسات الحكومية..
حسناً.. السؤال: ما مصير من يكشف عن الخلل أو عن أحد عناصر المافيات..؟
الأمثلة ليست مشجعة، بل محبطة جداً..!
بدل أن يُكافأ من يكشف عن الخلل فإنه يعاقب إذا كان من العاملين في الدولة بتجميده أو بنقله إلى مكان لا يحتاجه أحد فيه، أو بالتجاهل إذا كان مواطناً عادياً..!
وهذا ما حصل مثلاً مع الذي اكتشف فقدان 800 سيارة حكومية لأنها غير مسجلة في القيود الرسمية، فبدلاً من محاسبة المسؤولين تم إعفاء المكلف بالتحقيق ونقله إلى وزارة أخرى بلا عمل..!
ولا نستغرب العقاب ولا التجاهل؛ لأن عدم الاهتمام بمعلومة كشفتها نقابة عمالية وترقى إلى مرتبة البلاغ إلى النائب العام فإن هذا مؤشر أكثر من خطير..!
وبما أن ما من جهة اهتمت باعتراف مسؤول في وزارة التجارة الداخلية عن وجود مافيا للدقيق التمويني فإن هذا يعني أن الأدوات المتاحة لمكافحة مافيات الفساد التي تشفط المليارات إما غير موجودة أو مجمدة أو غير فعالة.. فلماذا..؟!