الخبير السوري:
لعلّه بإمكاننا الجزم أن ثمة ” ضربة معلّم ” حصلت منذ أيام، عبر إجراء حكومي..لم يكترث له عموم المواطنين ربما لأنه ليس شأناً شعبياً بقوامه، لكنه “بالغ الشعبية” في مؤدّاه.
القرار 944 الذي صدر منذ أيام عن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ..أو القرار الذي انتصر للاقتصاد السوري ولموازين تجارتنا الخارجيّة التي شوّهتها الحرب، وانتصر لليرة السورية وبالتالي كل مواطن..عبر وضع ضوابط – جد إستراتيجيّة لإجازات الاستيراد – فحواها بيان إيداع بالليرة السورية بنسبة 25% من قيمة الإجازة، ثم مؤونة بنسبة 15% من القيمة..تُحرّر بمجرّد أن يتم تنفيذ الإجازة.
لافتة بالفعل كانت الخطوة – ولو تأخرت- لأنها تختصر سلسلة غير قصيرة من الإجراءات الاقتصادية المطلوبة..كمهدّئ لغليان السوق السلعيّة وصولاً لتهدئة السوق النقدية..وهذا هو التشبيك البنيوي المطلوب بإلحاح بين أدوات الاقتصاد و أدوات السياسة النقديّة في سياق التكامل، خصوصاً في ظروف استثنائيّة كالتي تمر بها سورية.
القرار مقدّمة لسلسلة انعكاسات غاية بإيجابيتها ستظهر في القادمات من الأيام، كما أنه يرمم بنية سوق في أهم و أعمق حلقة من حلقاتها، وهي ” سوق إجازات الاستيراد”..التي اعتراها الكثير من التداخلات والاختلاطات في السنوات الأولى للحرب، و أفرزت طبقة مستفردين بـ “كامل الدّسم” ..وكما أفردت نسقاً مشوّهاً من “التجار الوهميين” أو واجهات التجار التي حولت الإجير و الآذن وناطور البناية إلى مستورد..مع تقديرنا لهذه المهن لكنها لاتؤهل العاملين فيهما لارتياد مفازات التجارة الخارجية بوعورتها المعهودة.
العارفون بالشأن الاقتصادي يعتبرون أن القرار قطع سلسلة فساد مزمن في ممارسات بعض كبار اللاعبين في مضمار الاستيراد، و أبطل لعبة استحكام بالأسواق مع كل ما يشكله ذلك من رضوض عميقة للمستهلك على المستويين المادي والمعنوي أيضاً.
السيرة والسرد ليسا ترويجاً ولا تهليلاً لقرار وزارة فعلت ما عليها فعله خدمة لبلد تتولّى إدارة حقيبة الاقتصاد فيه، فليس بمقدورنا الادعاء أن وزارة الاقتصاد قد “أعادت اختراع الدولاب” بقرارها، لكنها حذت حذو الكثير والكثير من الدول التي سبقتنا إلى مثل هذا الإجراء، عندما تستدعي الضرورات والظروف الاستثنائية ذلك..بل حتى في ظروف الاستقرار يبدو مثل هذا الإجراء مطلوباً لتوازن السوق و ضبط إيقاعات أسعار صرف العملات ..أي لسنا السبّاقين إلية ولا نملك ادعاء حيازة براءة اختراعه.
بالعموم القرار هو مطلب شعبي ملحّ على مستوى ما سيؤدي إليه من نتائج طيبة ..فهو يتيح تنظيماً غير مسبوق لمنح إجازات الاستيراد، وتوحيد الآليات المتعلّقة بذلك.
ويضمن وجود ملاءة مقبولة لدى التاجر المستورد، و إلّا يكون تاجر وهمي سقف تجارته ” المتاجرة بإجازة الاستيراد ذاتها”..كما أنه يحدّ من استخدام التاجر لأكثر من سجل تجاري و أكثر من اسم وبالتالي الهروب من دفع الضرائب وحقوق للخزينة، والخزينة في الأعراف المالية وأدبياتها هي ” جيوب رعاياها” أي جيب كل مواطن ..
ومن شأن القرار ضمان الالتزام بأحكام التجارة الخارجية..أي بهيبة الدولة وحضورها في هذا المضمار المهم والإستراتيجي الحقيقي.
والأهم أنه يعزز التكامل البنيوي مع القطاع المصرفي، كما يعزز من قوّة الليرة السورية.
بقي أن نلفت إلى أن السلطات اللبنانيّة لجأت إلى طلب بيانات إيداع من المستوردين بنسبة 100% من قيمة الإجازة والمؤونة 25%..ومن الجميل أننا بادرنا إلى إجراء مماثل كي لا تتحوّل سورية إلى مجمعات لاستيراد البضائع للبلد ” الشقيق واللصيق”..وكي لا ندفع فاتورة الحرب مرّة أو مراراً جديدة.
بكل الأحوال يحتفى المراقبون الوطنيون بالقرار..كما يحتفي الصناعيون و أرباب الصناعة الوطنية به..وعلى الأرجح سيحتفي به المواطن عندما يلمس نتائجه .