البردان : تغيرات سعر الصرف يعيق العمل والاقتصاد .. ويخيف من الإقدام على البيع أو الشراء
عزقول : لن نأخذ بالإشاعات .. مهما ارتفع سعر الصرف أو انخفض ..
داؤود : دعم الصناعيين وزيادة التصدير يساهم بزيادة عرض الدولار وبالتالي انخفاض سعره
سكر : الاكتفاء الذاتي أفضل الحلول ويقينا من ارتدادات سعر الصرف
زنبركجي : تكالب الكلاب علينا .. ودولارهم يلعب .. والأهم هو استقرار سعر الصرف
د . زيود : لن يهدأ اضطراب السعر حتى تعود الثقة بين المركزي والتجار والصناعيين وتتوقف تقلّبات القرارات
حلواني : لم نعد نعرف ماذا يحصل .. وإن قلنا الاستقرار هو الأفضل فلن نستفيد شيئاً
القدسي : نحن نُلام أكثر من الدولة .. السوق السوداء تلعب .. والحرب الداخلية أقسى .. والأهم تثبيت سعر الصرف
خاص لسيريا ستيبس – علي محمود جديد
باتت اضطرابات أسعار الصرف تُشكّل هاجساً حقيقياً نتذوّقق مرارته جميعاً، فأقلّها كلنا يرى كيف تشتعل الأسعار من صنفٍ إلى آخر، ومن سلعة إلى سلعة، وتكاليف النقل، والخدمات الصحية، والأدوية، وتكاليف كل شيء، وهذا أمر يقع على الجميع، ولكن كيف تعاني قواطر الاقتصاد من هذا الاضطراب..؟ أي كيف يعاني التجار..؟ والصناعيون ..؟ وما هي الحلول الممكنة ..؟ هذا ما حاولنا أن ندخلَ بين تلافيفه، خلال فترات متقطّعة عند اشتداد تذبذبات سعر الصرف منذ عدة أشهر وإلى الآن، علّنا نستوضح صوراً من المهم أن تتضح، ومن يدري – ربما – نجد بصيص أملٍ لحلٍّ مختبئ.
سيرياستيبس استمزجت العديد من الآراء، التي اختلفت بالتفاصيل أحياناً، ولكنها اتفقت على أن استقرار أسعار الصرف هي الحالة المثلى، والهدف المنشود الذي علينا أن نسعى لتحقيقه .. ولكن السؤال العريض .. كيف ..؟؟
غرف التجارة
اتفق السيد غسان القلاع رئيس اتحاد غرف التجارة السورية، ورئيس غرفة تجارة دمشق، مع السيد وسيم قطان رئيس غرفة تجارة ريف دمشق، بأن تدخّل عموم الناس بقضية سعر الصرف، والضجيج الذي يحصل بشأنه على صفحات التواصل الاجتماعي، هو خطأ كبير لا مبرر له، وصار من يعرف شيئا عن هذا الأمر ومن لا يعرف، يكتب ويُنظّر في هذه المسألة التي يجب أن تبقى حكراً على مصرف سورية المركزي لا غيره.
هذا الرأي ( للشهبندرين ) سمعناه مؤخراً باجتماع في وزارة التجارة الداخلية بين الوزير وبينهما مع مجموعة من التجار والمستوردين والصناعيين لمناقشة أوضاع زيادة أسعار السلع في السوق، وذهب القلاع إلى أبعد من ذلك عندما قال بأنّ هناك تبادل للأدوار بين مصرف سورية المركزي وبين الناس، في إشارةٍ منه إلى صمت المركزي، وزيادة كلام الناس بشأن سعر الصرف، والمفروض أن يتكلّم المركزي والناس تصمت.
عمار البردان: نائب رئيس غرفة تجارة دمشق
يعمل في تجارة الحبوب والأعلاف (ذرة صفراء- صويا- قمح- شعير-…الخ) وتجارة المواد الغذائية (سردين- شاي- معلبات- مكسرات – …) وتجارة الحديد (صفائح صناعية بأنواعها- أنابيب- حديد صناعي- …) وتجارة المنتجات الزراعية والبقوليات بأنواعها، وهو يحمل شهادة ماجستير هندسة مدنية من جامعة OHIO STATE أميركا. يقول :
اضطراب سعر الصرف يعيق العمل والاقتصاد ككل، ويثير الخوف من الإقدام سواء على البيع أم على الشراء، فإذا أتيت مثلاً ببضاعة بقيمة 100$ ومع ارتفاع السعر بالسوق بعتها بـ 100$ أكون قد حققت خسائر بحجم الارتفاع.
ومثلاً لي دين في السوق بمقدار 100 ألف ليرة .. كانت تساوي 200$ وبارتفاع سعر الصرف بقيت ألـ 100 ألف كما هي ولكن انخفضت قيمتها إلى 100$ أو إلى حد الارتفاع الحاصل بسعر الدولار .. بالعموم ارتفاع سعر الصرف ضرر مخيف فعلاً، والهبوط المفاجئ أيضاً ضرر مخيف، فوضع الاستقرار بسعر الصرف هو الوضع المثالي والأفضل، ولذلك فإن ما نرجوه ونتطلّع إليه هو أن يزداد سعر الصرف ثباتاً.
سألت السيد عمار إن كان لديه أي فكرة يشعر أنها تساهم في استقرار سعر الصرف فأوضح أنه لا يمتلك أي ( داتا ) يعتمد عليها الآن للخروج بمثل هذه الفكرة، واعتبرَ أن هذا الأمر يتعلق بالمصرف المركزي، الذي يراه معذوراً في مثل هذه الظروف، وقال : كان الله معهم .. ولا ألومهم.
حسان عزقول
هو عضو مجلس إدارة في غرفة تجارة دمشق، ومدير عام لشركة عزقول للتجارة والاستثمار، يعمل أيضاً في مجال استيراد وتصدير وتجارة مواد البناء الكهربائية والصحية والمفروشات، وصاحب مؤسسة الأكرم للسياحة والسفر، ويمتلك معملاً لصناعة الانشاءات المعدنية وسحب الاسلاك والطاقة الشمسية.
كان خازناً لمجلس إدارة غرفة سياحة دمشق لدورتين سابقتين، وخازناً وعضواً في مجلس إدارة اتحاد غرف السياحة السورية سابقا” وأمين سر هيئة الوفاء لسورية.
درس إدارة أعمال اختصاص التحكيم التجاري الدولي – جامعة دمشق.
بدا السيد حسان متفائلاً جداً .. رغم أنه لم يكن من الصعب تلمّس الآلام التي تعتصر قلبه، والتي استطاع أن يعجنها جيداً بشيء من الطرافة مع معاني الصبر .. والثقة بوطنه، فلا حدود لثقته العالية بسورية، التي يراها ما تزال قوية مُعافاة، على الرغم من كل ما حصل ويحصل، وعلى الرغم من تكالب الأعداء عليها، وهو يؤمن بأنّ الله مع سورية فلن تُهزم، ويعتقد بأن سورية التي استطاعت أن تخوض مئات الحروب في تسع سنوات، وها هي تكاد تخرج منتصرة، ما كان لأعتى دول العالم أن تحتمل عشرين يوماً حتى تنهار.
وقتما سألتُ السيد حسان عزقول عن حالة اضطراب سعر الصرف، وانعكاساته على العمل التجاري والاقتصادي بشكل عام، قال : إنّ هذا الموضوع حساس، وله خصوصية معينة ويحتاج إلى كلامٍ مدروسٍ جيداً، وأعتقد أنه حتى حاكم مصرف سورية المركزي يتحفّظ في هذه الأيام عن إعطاء تصريحات بهذا الشأن، وأنت لا أشك بأنك تقدر هذه الظروف، ونحن اليوم في غرفة التجارة، ولهذا الموضوع حساسية، ولذلك دعنا نتحدّث ببعض العموميّات، وما سأقوله أعتقد أنه سيريحك، فمن الأخير أقول : إن سورية مادامت فيها الفصول الأربعة فهي بخير، سورية تمتاز بمناخ لا مثيل له في العالم، ونحن دائماً بفضل رب العالمين نعطي أملاً للمواطن السوري الذي يعيش بهذه الدائرة، ونحن اليوم بفضل رب العالمين إذا المواطن السوري عنده حديقة صغيرة أمام بيته يمكن أن يزرع فيها البقدونس والفجل والبصل والنعناع .. وما إلى ذلك، وممكن أن يعتمد على الاكتفاء الذاتي، لأن مناخنا يمتاز بفصوله الأربعة، ولذلك تبقى سورية بخير،
وتعرف كم مرّت علينا أزمات في سورية، فطالما عندنا سوق الحرير، وما دامت سورية مركزاً لطريق هذا السوق ستبقى دائماً تتمتع باقتصادٍ قوي، مهما طرأ عليها الزمان، وسورية ستبقى أقوى وأقوى سواء بالزراعة أم بالصناعة، وسواء بالسياحة .. وبالاقتصاد عموماً لأنها تمتاز بعدة أشياء ( حلوة ) أنت لاحظ ما الذي حصل بنا بعد هذه السنوات من الحرب ..؟ الحياة عادية طبيعية وبلا أزماتٍ حقيقية، اعطني أي بلدٍ في العالم تحمّل عشرين يوم حرب .. فأنا برأيي أن نكتب بالعموميات ونحن مطمئنين مهما ارتفع سعر الصرف .. ومهما انخفض سعر الصرف فسورية ستبقى بخير ما دامت بها هذه الفصول الأربعة ..
السيد حسان عزقول مؤمن تماماً أن الشيطان يكمن في التفاصيل على ما يبدو، ولذلك حثَّ غير مرّة على ضرورة أن يبقى الحديث بالعموميات، وأنَّ على المواطن السوري أن لا يخاف، وأن يبقى على قيد الأمل، وأن لا يلتفت إلى الإشاعات، فالذي يريد أن يضرّنا لا يتذكّرنا إلاّ بالإشاعات، وهي بالفعل مؤثّرة ولذلك يجب الابتعاد عنها .. ثم بين ليلةٍ وضحاها يخلق الله ما لا نعلم .
لايُتابع ..
السيد ياسين النابلسي – من لجنة القهوة في غرفة صناعة دمشق، وقتما تحدثنا إليه عبر الهاتف قال بأنه خارج دمشق وخارج المحل، وهو منذ فترة لا يُلامس هذا الموضوع نهائياً، وقال : هناك شاب عندي كلّفته بالعمل .. وأنا خارج القصة.
أعتذر .. توقّفتُ عن العمل
السيد بشار الملك خازن غرفة زراعة دمشق، ويعمل في مجال تجارة المستلزمات الزراعية، وقتما سألناه عن تأثير اضطرابات سعر الصرف على نشاطه .. قال :
أنا سأعتذر منك، إذ لا أتدخّل بشيء، ولا عندي ما أشتغل به، أموري غير جيدة، فقد توقّفت عن العمل منذ بداية الأزمة وحتى الآن، فكل ما أمتلكه ذهب بالأزمة ولم يبقَ شيئاً، لم أعد أستورد .. ولا أصدّر ..ولم أعد أزرع شيئاً، وها أنا ذا أجلس هكذا بلا عمل..!
قلتُ للملك : يعني هذا التوقّف هل له علاقة باضطرابات سعر الصرف ..؟
قال : لا لا .. أبداً فأنا لم أعد أعمل .. لا أعمل شيئاً الآن .
يعني .. هل بدّلتَ عملكَ مثلاً ..؟ قلتُ له ..
فأجاب : لم أبدّل شيئاً .. عملي ذهب في الأزمة، ذهب ولم يعد لديّ أي عمل .. يعني ( مقشّة وأخذت كل شيء )
أين كان مركز عملك ..؟ سألتُ الملك ..
قال : كان في الأرياف .. في المزارع ..
قلتُ له :ولكن على علمي أنك تعمل باستيراد بعض المستلزمات الزراعية ..
كنتُ أعمل بهذا العمل .. صحيح – قال الخازن – ولكن كل شيء راح .. المستودعات ذهبت .. والمعمل ذهب .. ولم يبقَ شيئاً..!
نتأثّر دون عرقلة والحل بالتصدير
السيد ( زهير داؤود ) نائب رئيس لجنة الحلويات في غرفة صناعة دمشق، والذي يبرز نشاطه عبر صناعة ( حلويات داؤود ) الشهيرة، اعتبر أن تأثير اضطرابات سعر الصرف على عمله كان قليلاً لولا بعض المواد المستوردة التي تستخدم في التصنيع، والتي لا تقل نسبتها عن 50% فالسكر والسمنة، والسمسم، والطحين أيضاً مواد مستوردة، وحتى الفستق الحلبي رغم أنه إنتاج محلي ولكن لا يصلنا إلا بالسعر العالمي، فكل هذه القصص تتأثّر بأسعار الصرف، ولكن لا تصل الأمور معنا إلى حدود العرقلة أو التوقف، غير أنّ هذه التغيّرات تؤثّر على الأسعار، حيث نضطر إلى تعديلها باستمرار.
وما الحل برأيك ..؟ سألنا السيد زهير ..
أجاب : لا أرى حلاً سوى الصبر، ويارب الفرج القريب .. وأن نكون يداً واحدة، ولكن لا بد من الإشارة إلى ضرورة دعم الصناعيين من أجل زيادة قدراتهم على التصدير، لأن الاقتصاد مرتبط ببعضه كالميزان، وبقدر ما نُصدّر بقدر ما يكون الميزان التجاري رابحاً، ولذلك فإن دعم الصناعيين لغاية التصدير سيؤدي إلى تحقيق الفائدة للبلد، لأننا بهذه الطريقة نتمكّن من إدخال القطع الأجنبي، وبالتالي زيادة عرضه الذي سيؤدي بالضرورة إلى تخفيض سعره، ورفع سعر الليرة، ولكن التصدير حالياً خفيف، ليس فقط بسبب قلة الدعم للصناعيين، وإنما في الواقع بسبب المقاطعة والحصار، فهناك ما يشبه الإحجام عن التعامل معنا كسوريين، ما يضطرّنا إلى إصدار فواتير غير نظامية، وإلى عدم تقديم الثبوتيات الصحيحة.
تأثير قليل والحل بالاكتفاء الذاتي
السيد رضوان سكر من لجنة الكونسروة والمجفّفات وقمر الدين في غرفة صناعة دمشق أيضاً، قال : نحن باعتبارنا نعمل في مجال الكونسروة، و 90% من بضائعنا محلية فإن تقلبات سعر الصرف لا تؤثّر كثيراً علينا.
ألا تحتاجون أي مواد أوليّة من الخارج ..؟ سألنا السيد رضوان .. فقال : قليل جداً، ولا تُشكّل 5% ولذلك طلبنا – في لجنة الكونسروة – من كل المنتجين تخفيض الأسعار في شهر رمضان الماضي، والذي كان قد رفع السعر طلبنا منه العودة عن هذا الرفع وتخفيض الأسعار، وذلك بعد اجتماعٍ كنّا عقدناه مع السيد وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك قبل حلول شهر رمضان بأيام.
وأردف السيد رضوان : من واجبنا أن نشعر بالمواطن، وإن لم نفعل فلا داعي لأعمالنا ولا لصناعاتنا، أفلسنا نحن مواطنين ..؟
وأشار سكر إلى مساهمة المنتجين في مهرجانات التسوّق، حيث يتم تخفيض الأسعار من 20 إلى 25 % عن السعر الرائج، إذ نقوم بفرض تخفيض الأسعار على المعامل إلزامياً.
قلت للسيد رضوان سكر : هذا يعني بشكلٍ عام إذا كانت المواد الأولية للصناعة محلية فإن التأثير يكون قليلاً بتبدّلات أسعار الصرف ..؟
نعم .. قليل .. وقليل جداً .. قال رضوان.
تكالب الكلاب علينا .. ودولارهم يلعب
السيد سعيد زنبركجي، نائب رئيس لجنة الشوكولا في غرفة صناعة دمشق، وصاحب مصنع ومحال شوكولا زنبركجي الشهيرة، رأى بأن سعر صرف الدولار كلما كان منخفضاً كلما كان أفضل، وعموماً أنا لا يهمني السعر بقدر ما يهمني الاستقرار في سعر الصرف – قال سعيد – فحالياً أنا لديّ أصناف كثيرة أوقفتها ولم يعد إنتاجها مجدياً، ولاسيما تلك القطع الصغيرة التي كنت أصنّعها من أجل الأطفال، فأنا يهمني كثيراً أن يكون إنتاجي ضيفاً على كل شرائح المجتمع، ولكن هذه التذبذبات بأسعار الصرف وضعتني بمواقف صناعية محرجة فعلاً اضطرتني لإيقاف العديد من الأصناف الولاديّة، فمثلاً ( كيلو الشوكولاطة تبع الضيافة أخي ) إذا كان سعره 12 ألف ليرة، يمكن رفعه بحالة من الأحوال إلى 13 ألف، لا مشكلة، ولكن المشكلة مع الأولاد الصغار، فالقطعة التي كانت بسعر 25 ليرة تضطرني تغيرات أسعار الصرف أن أعدل سعرها بمقدار 5 ليرات لتصير بثلاثين، هي هكذا تسعيرة غير معقولة، وأن أبيعها بخمسين حرام ولا يجوز، وأن أتركها بخمس وعشرين فلم تعد مجدية، فأنت تدفع بالدولار لشراء المواد الأولية، وبالنهاية تقبض بالسوري، وبيني وبينك كله يعمل ويقيس على الدولار، يحاسبك بالسوري على سعر الدولار، ولذلك لا تستطيع كواسع الانتشار أن ترفع الأسعار كما يحلو لك ( واسع الانتشار يقصد بها السيد سعيد قطع الأولاد الصغار ) ويتابع : يعني السوق يحكمك، ففيما أوقفتُ بعض الأصناف نزلتُ بأصناف جديدة بسعر خمسين ليرة، ولكنني بهذه الحالة حرمتُ الطفل ( تَبَع الـ 25 ) فخسرت بذلك شريحة واسعة، وأنا كما قلتُ لك أحب كل الشرائح أن تشتري مما أنتج، فمثلاً عندي محل أبو رمانة نجد الصحن هناك من / 15 / ألف إلى / 150 / ألف ليرة حتى كل واحد يشتري حسب إمكانياته ولا أفرض على أحد نموذجاً محدداً، فنحن دائماً تفكيرنا بالتطوير وبالسعر أيضاً، ولكننا نصل إلى مكان لا يمكننا أن ننفذ ما نريد تنفيذه .. مثلاً: كان عندي قطعة مميزة ومرغوبة وزنها 25 غ ، ارتفع الدولار قليلاً خفضناها إلى 22 غ ثم ارتفع أيضاً فصارت 20 غ ، وعاد ليرتفع فصارت 18 غ .. ( إي وبعدين ..؟! ) طبعاً هي الجودة نفسها، فبدلاً من 10 غ شوكولا في القطعة نعطيها 8 غ ثم 6 غ هي هكذا تحافظ على الطعمة والجودة نفسها، وعلى السعر، فهذا هو الوضع، وصلنا إلى محل لم يعد بالإمكان لا نُقلل ولا نزيد .. ولا نعمل.
وما الحل ..؟ سألتُ السيد سعيد ..
فقال: نتمنى على الحكومة أن تتفهّم وضع الصناعيين أكثر، ونتمنى على غرفة الصناعة أن تكون أكثر فاعلية، فغرفة الصناعة عندنا الحمد لله ( بريستيجها حلو .. وموديلاتهم حلوة .. وغرفتهم حلوة .. بس أكتر من هيك ما فيه ) فنحن نعاني من أشياء كثيرة ولكننا لسنا على بال أحد ( بتقلون لا .. بيقلون إي .. ) لم تعد الأمور كأيام زمان يجاوبون .. كانت غرفة الصناعة تُسقِط حكومة .. كانت قوية، ولو بقيت قوية لأزاحت عن طريقنا الكثير من المتاعب، نحن لا نريدها الآن أن تُسقط حكومة ولكن على الأقل تنقل معاناتنا كما هي وتكون صوتنا القوي لمعالجة أمورنا، الصناعة يا أخي هي قاطرة الاقتصاد، وبازدهارها نستطيع أن نفرض وجودنا على هذا العالم المتكالب علينا، ونقتحم الأسواق الخارجية ونخلق الكثير من القطع الأجنبي، نحن شعبٌ نشيط، وبلد راقٍ وإمكاناتنا كبيرة، ولكننا مع الأسف في ظرف صعب، فلا يتيحون لنا استثمار قدراتنا، عندنا نفط وغاز .. وعندنا الكثير، وكل التكالب علينا من أجل ثرواتنا، فيمنعونك من أن تجلب المازوت لتدوير معاملنا .. ويعرقلون لك كل الأعمال ( ولاد حرام خيّو ) عقوبات .. وحصار .. ودولارهم يلعب ورذالتهم تلعب .. وحقارتهم تلعب .. والعالم كله معهم ونحن أصبحنا كفرق العملة.
سألت السيد سعيد أخيراً : هل تستطيع تصدير شيء من إنتاجك إلى الخارج ..؟ فقال : نعم ولكن بشكلٍ خفيف، أقوم بتصدير البضاعة الفاخرة ( تَبع الضيافة أخي .. مو تَبَع واسع الانتشار ) ولدي العديد من حكايات المنافسة، فإنتاجي استطاع أن ينافس إنتاج سويسرا التي تتربّع على عرش الشوكولا في العالم، فقد صنّعتُ أصنافاً ليسوا قادرين على صناعتها، لأنها من ابتكارنا وخبرتنا التي اكتسبناها على مدى السنين، فأنا أعمل بها منذ ستين عاماً، ووالدي ابتدأ العمل بهذه الصناعة منذ عام 1936 فتراكم هذه الخبرات كفيلة بصناعة الكثير من الإبداع.
أزمة ثقة متعددة الأطراف
الدكتور أسامة زيود رئيس لجنة الصباغة والخيوط وطباعة الأقمشة والنسيج الآلي والحياكة، في غرفة صناعة دمشق، يرى أن سعر الصرف لا يمكن أن يهدأ من اضطرابه واتخاذ مسار هادئ حتى تُعاد الثقة بين التاجر والصناعي والبنك المركزي، هناك أزمة ثقة بين هذه الأطراف، وحالة تقلّب عميقة ليس في سعر الصرف فقط، وإنما في القرارات، فأحياناً تصدر قرارات عن البنك المركزي نتفاجأ بعد حين بإلغائها أو تعديلها دون سابق إنذار، ثم إن البنك المركزي يستطيع أن يتدخّل بشكلٍ أقوى، ولكنه لا يفعل، ثمة حلقات مفقودة قد لا ندركها ولكننا نشعر بوجودها، فمثلاً أنا كصناعي اشتغلت بـ / 100 / ألف دولار منذ بداية العام وحتى الآن، وكان الدولار دعني أقول وسطياً / 500 / ليرة، ( الآن سعره تجاوز / 800/ ليرة، هذا يعني أنني ببساطة خسرت / 20 / مليون ليرة على الأقل – على أساس السعر 500 – والبضاعة في أرضها، أي نحو 40% وعليّ أن أحمّل الإنتاج أرباحاً بحدود 12 إلى 15 % أي أنني سأزيد على الكلفة الأوليّة بحدود 50% على الأقل، وهذا يعني أنّ البضاعة لن تُسوّق، فأنا أمام خيارين : إما كساد الإنتاج، أو البيع بخسارة، السؤال العريض هنا أنّ هناك من يقوم بتسويق الإنتاج الذي تنسحب عليه هذه المعادلة، فكيف يتم ذلك ..؟ هنا خيار الكساد انتفى هذا صحيح، فنحن أمام الخيار الآخر الذي هو الخسارة، وهذا غير معقول، فما الذي يحصل إذن ..؟! هناك حلقة مفقودة فعلاً، وفك هذا اللغز لا يكون إلا بأحد احتمالين، إمّا أنّ التجار يأتوننا بالمواد الأولية بتمويل من المركزي، أي بسعر / 430 / للدولار، ويبيعوننا إياها بسعر دولار السوق السوداء، فيربحون بالأسعار الحالية أكثر من 370 ليرة على كل دولار، أو أنّ تلك المواد الأولية تأتي تهريباً، فكم يخسر البنك المركزي إزاء هذه العمليات ..؟! فرق التصريف فقط يشكّل الكثير من الخسائر، وفوق ذلك يقوم من يستخدم البضاعة المهربة بوضع نسبة أرباح أيضاً..!!
ولكن البنك المركزي لن يعترف بالسوق السوداء للقطع .. قلتُ للدكتور أسامة ..
فأجاب : البنك يستطيع أن يفعل مئة قصة وقصة إن أراد، أين إجراءاته ..؟ وأين قواه وأذرعه ..؟ ولِمَ هذه الضبابية كلها ..؟!
على كل حال – يختم الدكتور أسامة – المهم الآن يجب تخفيض الدولار وإن لم يحصل فنحن أمام كارثة حقيقية، ولا بدّ من وضع معادلة جديدة ودقيقة لموضوع الاستيراد والتصدير، فمن غير المعقول أن يكون البلد بهذه الضائقة كلها جراء قلة الموارد من القطع الأجنبي، وأقوم بالسماح باستيراد منتجات نقوم بتصنيعها وإنتاجها هنا محلياً .. هذا غير معقول، وهذه أمور يجب أن تتوقف، فيكفي ونحن نعمل كمن يضحك على حاله..!
الاستقرار هو الأفضل .. ولكن لا فائدة من الكلام
السيد فريز حلواني من لجنة الحلاوة والطحينية في غرفة صناعة دمشق يرى بأن الحديث في سعر الصرف يحتاج إلى جريدة بحالها، ولن نستفيد شيئاً، فنحن نرى ماذا يحصل في البلد، ومن حيث المبدأ نأمل أن تنخفض الأسعار.
أمور ( الصرف وما الصرف ) لا بيدي ولا بيدك ولا بيد أحد – يقول حلواني – ولا نستطيع الكلام في هذه النقاط، ولو كنتَ تريد أشياء أخرى بالعكس لكنتُ أعطيتكَ نشرة كاملة، ولكن ليس بيدنا الحديث، ففي سورية مئة جهةٍ ودولة تستهدفها، ولذلك لن نستفيد بالحديث عن ( الصرف وما الصرف ) يعني الآن إذا قلتُ لك ( بدنا ننزّل الصرف .. بينزل الصرف ) ..؟!
قلتُ له : سيد فريز .. علّنا نجد أنا وأنت الآن فكرة عن ( الصرف وما الصرف ) نستطيع من خلالها أن نفعلَ شيئاً، فقال : والله يا قلبي .. انظر معي مثلاً .. عندما أوقفوا عنّا النفط، صار البنزين والمازوت يأتينا بالدولار، والتجار هم الذين يأتون بالمازوت من الخارج، فمن أين سيأتون بالدولار لجلب المازوت ..؟ طبعاً من السوق، وهذا ما زاد من الطلب على الدولار، فارتفع السعر، ولن نستطيع إيقاف هذه المشكلة التي تنعكس علينا بطبيعة الحال، بالإضافة إلى المواد الأولية التي نستوردها من الخارج لصناعتنا، فارتفاع سعر الصرف أيضاً سيزيد من سعرها علينا.
ما هي نسبة المواد الأولية المستوردة لصناعتكم ..؟ سألت السيد حلواني .. فقال: 100% .. كل شيء السكر من الخارج، والسمسم من الخارج، والنايلون البلاستيك كذلك، وأكياس النايلون أساسها من الخارج، والكرتون ( من برّا ) لا شيء وطني في عملنا نهائياً .. كله مستورد.
قلتُ للسيد فريز: السمسم .. ألا يُزرع هنا ..؟!
فقال متألّماً: ليته يزرع هنا، كان أجود أنواع السمسم وأطيبه هو السمسم الحوراني والديري، كانوا يأتون من آخر الدنيا للحصول على السمسم الحوراني، ولكن مع الأسف استبدلوا السمسم الحوراني بالبندورة حالياً، وجدوها أقلّ تعباً، فهجروا السمسم ومتاعبه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الأرض التي تزرع بالسمسم هذا العام لا يمكن زراعتها بالسمسم في العام التالي، يجب زراعتها بصنفٍ آخر، لأن السمسم يسحب منها كل المعادن فتصير التربة فقيرة، لذلك لا بد من تبديل الأراضي التي تزرع بالسمسم وتناوب المحاصيل الأخرى عليها، وربما يكون لهذا الأمر دور في هجرة زراعة السمسم .
وختم فريز حلواني بالقول: على كل حال استقرار سعر الصرف هو الأفضل بشكلٍ عام.. لأن الاستقرار يوضح الصورة أمامنا، أما والوضع كذلك فبصراحة لم نعد نعرف ماذا يحصل..!
حربنا الداخلية أصعب وأقسى
السيد معروف القدسي، عضو مكتب غرفة زراعة دمشق، ومدير عام مكتب الفيحاء، ووكيل شركة نان هيمز – باير، وهو متخصّص باستيراد البذور الزراعية، التي قال عنها القدسي بأنها أساس العمل الزراعي، وهو يرى بأن اضطرابات سعر الصرف، ليست مشكلة شخصٍ أو شركة، بل هي مشكلة بلدٍ بحالها، فهي لا تؤثّر عليّ وحدي – يقول القدسي – وإنما تؤثّر على الجميع، وحتى على الزبّال .. مع عدم المؤاخذة.
معكَ حق – قلتُ للقدسي – ولكننا نحاول أن ننفرد بالإضاءة على قطاع معيّن لنأخذ فكرة عمّا يعانيه، ومن ثم نعكسها على المشهد العام .
صحيح – قال القدسي – وسأقول لك شيئاً، فنحن الآن في القطاع الزراعي، وهذا القطاع متضرّر من أكثر من عامل، المحروقات .. المازوت .. البنزين.. وإلى ما هنالك .. فالصورة سوداء في الحقيقة .. وماذا سأتكلّم ..؟ لا أعرف .. على كل حال فنحن كقطاع زراعي لا صناعة وطنية لمستلزماتنا، التي تدخل كلها في إطار المستوردات، البذور والأدوية، والأسمدة، وحتى إذا كان هناك صناعة وطنية ما، فإنّ مادتها الأوليّة تكون من الخارج، ولذلك فإن مشكلتنا بسعر الصرف هي بالفعل مشكلة، والقضية هنا ليست بارتفاعه أو انخفاضه، فليكن بـ 600 أو 700 أو حتى 800 ليرة وأكثر لا مشكلة، المشكلة في عدم تثبيت السعر، فبأي رقم تريده الدولة وتراه مناسباً .. لِيَكُنْ، ولتفرضه .. ولكن لِتُثبّته، فنحن نعاني من الذبذبة في الأسعار ( يوم 560 ويوم 600 ويوم 700 ومدري شو .. ؟! ) يوم سعر موازي .. ويوم .. ويوم .. وهكذا .. فلم نعد ندري .. ولا كيف سنعمل ..؟
القائمون على تقييم العملة إمّا أنهم لا يدرون شيئاً.. أو لا دخل لهم بالموضوع، فكيف سأتنافس مع شخص يأخذ الدولار من المركزي بـ / 430 / ليرة، وأنا دولاري بـ / 700 أو 800 / ليرة اليوم ..؟! هذا غير معقول، ولذلك أقول بأن الأهم هو تثبيت السعر.
كيف يمكن ذلك ..؟ هل لديك فكرة معينة تساعد على مثل هذا التثبيت ..؟ سألتُ القدسي .
ويجيب : الدولة غير عاجزة من حيث المبدأ، وهي الآن منذ 9 سنوات تحاول .. لا أن تلعب بسعر الدولار بل أن تُثبت أو تضغط فيه أو تجد حلولاً، أنا أقترح تثبيت السعر كي لا نصطدم بمفاجآت.
الحالة معقدة – يقول القدسي – والواقع فإن الدولة لا تُلام بكل شيء .. فهي تُلام بجزء، ونحن نُلام بالجزء الأكبر .. السوق السوداء هي التي تلعب بهذا الأمر.. ولكن إذا قلت لي : إنّ هذه السوق تأتذن الدولة ..؟ أقول لك ممكن، فأنا أرى أنها هي التي شغّلتهم، وهي التي فتحت لهم المجال .. وهم يلعبون في الأسواق ..!
ففرق السعر بين تسعيرة المركزي وما هو مُتداوَل سيؤدي إلى ظلمي بالتسعير، أو ظلمي بالربح، وبالأخير الحالة حالة منافسة، ولكن إذا جلبتُ أنا مادة معينة من الخارج، وقام أخي باستيراد هذه المادة مموّلة من البنك المركزي فيكون هناك فرق 40% فإذا ربحهم لوحدهم اكتفى، وإذا نافسني ( انخرب بيتي ) صحيح نحن بأزمة وبحرب، ولكن يبدو أنّ الحرب الداخلية هي أصعب وأقسى بكثير.
أخيــــراً ..
بعد هذا الريبورتاج الموسّع وهذه الآراء والمعاناة كلها .. فهل يمكننا أو ننوي – على الأقل – تثبيت سعر الصرف مادام هذا التثبيت يوصلنا إلى حالة الاستقرار الموصوفة كلها ..؟ ولنذهب إلى أبعد من ذلك .. فهل يمكننا تخفيض سعر الصرف ومن ثم استقراره في مكان موضوعي يُعبّر عن قيمته العادلة ..؟
بلا مقدّمات .. ومن الآخر ، نعم .. يمكننا وننوي تثبيت سعر الصرف، بل والنية واضحة بتخفيضه ومن ثم تثبيته بالتوازي طبعاً مع تحسين وضع الليرة السورية، فهناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى ذلك، وما يجري اليوم من اضطرابات وارتفاعات متلاحقة لسعر الصرف لن يكون إلاّ عابراً، ولكن ما هي هذه الدلائل والمؤشرات ..؟ هذا ما سوف نتطرّق إليه في المادة الصحفية القادمة.