د. عامر خربوطلي
العيادة الاقتصادية السورية .
عند تقييم المشروعات الاستثمارية غالباً ما يتم الاعتماد على مؤشرات لقياس الربحية تعتمد على مبدأ تغير القيمة الزمنية للنقود هو قياس القيمة الحالية للنقود .
فالمستثمر الذي يقوم باستثماره اليوم يضحي بأموال معينة لشراء الأصول الثابتة من آلات ومعدات ومباني ورأس المال العامل هذه التضحية الآنية لا يقبل أن تأتيه إيرادات وأرباح مستقبلية أقل من المبالغ الأولية المدفوعة وإلا لا جدوى أصلاً من مثل هذا الاستثمار ، لهذا السبب يقوم المستثمر بخصم المبالغ المستقبلية ليتعرف على قيمتها الحالية ، وليقاربها مع المبلغ الأولي للاستثمار وهذا ما يُطلق عليه طرق قياس الربحية التجارية المعتمدة على القيمة الحالية للنقود ويأتي في مقدمتها مقياس صافي القيمة الحالية ومعدل المردود الداخلي.
وترتكز هذه الطرق على مبدأ أن المبلغ المستلم بعد عام من اليوم يختلف في قيمته عن المبلغ الذي يستلم اليوم، ويعود السبب أن استخدام هذا المبلغ خلال العام يتضمن تكلفة معينة، فإذا لم يُستخدم في استثمار معين يمكن إيداعه في المصرف والحصول على عائد محدد، وبالتالي فإن اختلاف التدفقات النقدية قد يؤدي إلى تفضيل مشروعٍ عن آخر، رغم تساوي إجمالي التدفقات إذا كانت التدفقات النقدية لمشروعٍ معين أكبر من السنوات الأولى لحياة هذا المشروع، وللمساعدة في التوصل للقيم الحالية يتم استخدام جداول تسمى: (جداول القيمة الحالية).
نعود لاستعرض هذه الطرق:
طريقة صافي القيمة الحالية: إن القيمة الحالية الصافية للمشروع هي عبارة عن حاصل طرح القيمة الحالية للتدفقات النقدية الاستثمارية من مجموعة القيم الحالية للتدفقات السنوية الجارية الصافية، مع الإشارة إلى أن التفقات السنوية الجارية الصافية هي حاصل طرح التدفقات السنوية الجارية الخارجة من التدفقات السنوية الجارية الداخلة سنة بعد أخرى خلال عمر المشروع.
ويتطلب حساب القيمة الحالية الصافية للمشروع توافر البيانات التالية:
1. القيمة الحالية للتدفقات النقدية الاستثمارية (أو تكاليف الاستثمار) ويمكن استخراجها من نتائج الدراسة الفنية.
2. مجموع القيم الحالية للتدفقات النقدية السنوية الجارية الصافية.
حيث يمكن استنتاج التدفقات النقدية السنوية الجارية الداخلة (الموارد) من دراسة السوق والتدفقات النقدية السنوية الجارية الخارجة من الدراسة الفنية.
ويمكن تقييم المشروع وفق القواعد التالية: صافي القيمة الحالية
– إذا كانت موجبة فإن المشروع رابح.
– إذا كانت سالبة فيكون المشروع خاسراً.
– وإذا كانت صفراً فإن المشروع لا يحقق أي ربح ولا خسارة.
يمكن الإشارة هنا إلى أن معدل الخصم الذي يستخدم لاحتساب القيمة الحالية الصافية للمشروع هو سعر الفائدة نفسه السائد في السوق، كما أن تطبيق معيار القيمة الحالية يتطلب افتراض سوق مالية يتحقق فيها الشرطين التاليين:
1. عدم وجود قوى ضخمة سواء بالنسبة للمقرضين أم بالنسبة للمقترضين حتى يتحقق سعر فائدة ثابت (سعر التوازن بين العرض والطلب على رأس المال).
2. حرية توفر الأموال لكل من يود اقتراضها بسعر الفائدة السائد في السوق.
ففي حالة المفاضلة بين عدة مشاريع لايجوز اتخاذ القرار التقييمي استناداً إلى صافي القيمة الحالية للمشروع وإنما يجب أن يؤخذ بالاعتبار العائد الذي تحققه كل وحدة نقدية مستمرة عن طريق حساب نسبة صافي القيمة الحالية والتي تساوي:
نسبة صافي القيمة الحالية = صافي القيمة الحالية للتدفقات النقدية الجارية الصافية
القيمة الحالية للتدفقات النقدية الاستثمارية
فعندما تكون هذه النسبة أكبر أو تساوي الواحد يعتبر المشروع مقبولاً، وإذا كانت أدنى من الواحد فيعتبر خاسراً والمشروع المقبول عند المقارنة بين عدة مشاريع هو المشروع الذي يحقق أعلى نسبة لصافي القيمة الحالية.
ويعبر معدل الخصم الذي سيتم خصم التدفقات النقدية فيه عن تكلفة الأموال أو الحد الأدنى المرغوب، وهناك العديد من الطرق المستخدمة لتحديده مثل (تكلفة السندات المضمونة وتكلفة الأسهم الممتازة وتكلفة الأسهم العادية).
أما مراجع منظمة (اليونيدو) فتشير إلى أنه يجب أن يكون معدل الحسم أو الخصم مساوياً إما لسعر الفائدة الحقيقية على القروض الطويلة الأجل في سوق المال أو لسعر الفائدة (تكلفة رأس المال) الذي يدفعه المقترض وينبغي أن يعكس المعدل تكلفة الفرصة البديلة لرأس المال التي تمثل العائدات المحتملة التي سيحصل عليها المستثمر (ممول من مبلغ من المال إذا استثمره في مكان آخر على افتراض أن المخاطر المالية متماثلة في كل من البديلين الاستثماريين) أو هو الحد الأدنى لمعدل العائد الذي يرى منظم المشروع أن لا مصلحة له من الاستثمار إن هبط إلى ما دونه كما يمكن الإشارة هنا إلى أن البعض يرى أنه عند المقارنة بين مشروعين أو عدة مشاريع يجب أن يستخدم كسعر خصم ليس سعر الفائدة السائد في السوق، بل كلفة الفرصة البديلة لرأس المال المستثمر، وتعتبر هذه التكلفة مساوية لمتوسط معدلات العائد الداخلي لمجموعة المشاريع التي يملكها في السنوات الأخيرة، وغالباً ما يتم استخراج معامل الخصم من جداول القيمة الحالية.
ما يهمنا في سورية من عرض هذه الطريقة المهمة لقياس جدوى المشروعات الاستثمارية رغم تخصصها العلمي والاقتصادي أن معدل الخصم الحالي في سورية لا يتطابق مع معدل الفائدة على القروض طويلة الأجل لوجود معدل مرتفع من التضخم والمخاطرة وبالتالي فإن المعدل المعتمد حالياً يتراوح ما بين 20-22% وهو المعدل الذي لا يقبل صاحب المشروع القيام بالاستثمار دونه وهو يمثل اليوم تكلفة الفرصة البديلة وهو معدل مرتفع نسبياً ولا يُغري لإقامة المشروعات ويحتاج إلى تخفيض عبر تخفيض معدلات التضخم وتقليل معدلات المخاطرة على مستوى الاقتصاد وعلى مستوى المشروعات الاستثمارية وهذا ما يتوقع أن يحدث مع قادمات الأيام من خلال ولوج حالة التعافي والانتعاش الاقتصادي.