صاحبة الجلالة _ ضياء الصحناوي
طلبت سيدة تقطن مدينة السويداء منذ مدة من إحدى المجموعات النسائية المغلقة على الفيس بوك كتابة منشور صغير يوضح حاجتها إلى شخص يشتري كليتها لكي تقوم بفك أسر زوجها المختطف.
وعلى الرغم من السرية التي تتم فيها عمليات بيع الكلى في سوريا، إلا أن المتبرعين لا يهتمون كثيراً بأي ضرر قانوني أو صحي يقع عليهم بعد أن أقفلت كل الأبواب بوجوههم، خاصة حالة هذه السيدة التي حاولت صاحبة الجلالة معرفة ظروف زوجها، والجهة الخاطفة، والمبلغ المطلوب، إلا أن المحاولات فشلت بسبب الخوف من انكشاف أمرها، وطمع الخاطفين بالمزيد من المال.
وبحسب إحدى المعلقات على المنشور في المجموعة المغلقة، فإن التواصل يكون حصرياً عبر آدمن المجموعة بناء على رغبة السيدة التي لم تجد وسيلة أخرى لتخليص زوجها من عذابه. وقالت: «أن السيدة من المهجرين، وتقطن منذ فترة طويلة في السويداء مع عائلتها، ولكن الخاطفين لم يشفعوا لزوجها فقره وعدم قدرته على الدفع بعد أن فقد كل شيء خلال الحرب».
غياب الأخلاق والفلتان الأمني الذي تعاني منه المحافظة منذ سنوات، دفع العديد من العائلات إلى بيع أملاكهم واللجوء إلى الاستدانة من أجل فك أسر المخطوفين الذين وقعوا في شرك عصابات خطيرة وجدت في ظل هذه الأوضاع بيئة سهلة للربح السريع، دون أي وازع إنساني أو ديني أو أخلاقي، حيث مارس هؤلاء كل أنواع الابتزاز، واستنزفوا مئات الملايين من الليرات السورية من جيوب المواطنين.
صاحبة الجلالة كانت قد تواصلت مع “أبو كريم” الشاب الذي طلب بيع كليته مقابل مبلغ ثلاثة ملايين ليرة سورية، على أن يتم التشخيص في مشفى خاص في حال رغب أحد بشرائها. وأكد أنه لم يقدم على هذه الخطوة الخطرة على حياته إلا لأمر أكبر من طاقته بكثير، رغم كل الدعم الذي حصل عليه من المغتربين حتى لا يتخلى عن كليته؛ إلا أنه لا يريد أي مساعدة من أحد.
وقال أيضاً أنه عازب وعازف عن أي فكرة للارتباط كونه لا يجد في نفسه القدرة على تأسيس عائلة في ظل هذه الأوضاع المخيفة.
وقبل أشهر قليلة؛ اقتحمت سيدة مسنة عيادة أحد الأطباء المشهورين في مدينة السويداء، ونادت بأعلى صوتها أمام المرضى أنها تريد بيع كليتها لمن يرغب غير آسفة على شيء، حيث قالت أمام أحد القضاة الذي يرافق زوجته المريضة أنها تريد التخلص من شبح الفقر، ولا تريد منة أحد من الجمعيات أو أي مخلوق على هذه الأرض.
وعلى الرغم من محاولة الطبيب تهدئة خاطرها، ووعده لها بأن يحل مشكلتها، إلا أنها ذهبت من العيادة نحو مكان آخر غير مهتمة بكل المحاولات التي بذلها الطبيب والحاضرين لمعرفة أحوالها.
وباتت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لبيع الأعضاء، كونها الأسرع وصولاً للناس، وهو ما دعا تلك السيدة المجهولة إلى المحاولة لكي تحقق هدفها بفك زوجها من الموت.
ومن وجهة نظر القانون في ذلك فقد صدر عام 2010 المرسوم التشريعي رقم 3 الذي تصدى لجرائم الإتجار بالأعضاء البشرية، وكان شاملاً لكل القضايا المتعلقة بهذه التجارة حيث أكدت المادة 25 منه على العقاب بالحبس مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد عن تسعة أشهر وغرامة مالية لا تقل عن 25 ألف ولا تزيد عن 75 ألف لكل شخص باع أو عرض للبيع عضواً أو نسيجاً من أعضاء جسمه.
كما أكدت المادة 28 من القانون أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد عن ثلاثة أشهر، وغرامة مالية لا تقل عن 25 ألف ولا تزيد عن 50 ألف لكل شخص اشترى عضواً أو نسيجاً فيما كانت المادة 30 حاسمة لجهة الطبيب ومن يساعده في استئصال عضو وزرعه في جسم آخر عن طريق البيع، حيث يعاقب الطبيب مدة لا تقل عن ثلاث سنوات لا تزيد عن عشر سنوات، وبغرامة لا تقل عن المليون ليرة، ولا تزيد عن الخمسة في حال أجرى عملية استئصال أو نقل أو زرع عضو بشري أو نسيج وهو يعلم أنه كان موضوع عملية تجارية. ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من ساعد الطبيب في إجراء العملية مع علمه بذلك.
ولكن هذه العقوبات، وأشد منها بكثير لم تعد مجدية لهؤلاء الذين قرروا بيع جزء من أعضائهم، كي يخرجوا من أزماتهم الاقتصادية المتتالية .