مرجعية الضرائب يجب أن تكون حقيقية وبعيدة عن المحسوبيات
الوطن ـ هناء غانم
دعا رئيس مجلس الوزراء عماد خميس إلى تصويب آلية جباية الضرائب، ومكافحة التهرب الضريبي الذي يعتبر في دول العالم بمثابة خيانة وطنية، ومعظم موازنات الدول يعتمد جزء كبير منها على تحصيلات الضرائب.
وخلال اجتماع عقد أمس في رئاسة مجلس الوزراء حول معالجة ملف التراكم الضريبي، أكد خميس ضرورة العمل بآلية تنفيذية حقيقية تحقق نتائج واضحة، وتحديد الأولويات، وصولاً إلى معالجة التراكم الضريبي خلال العام الجاري (2020)، لاسيما وأن هناك ملفات متراكمة وأسماء لأصحاب شركات ورجال أعمال، «ما يؤكد أن هناك خللاً معيناً، وهناك من يحميهم، وهذا أمر مرفوض قطعاً، ولا نقبل النقاش فيه، فمرجعية الضرائب يجب أن تكون حقيقية ونزيهة، وبعيدة عن المحسوبيات».
وأشار خميس إلى أن أمام الهيئة العامة للضرائب والرسوم مسؤوليات وتحديات كبيرة، وبحاجة إلى تعديل هيكلية، وتأمين كافة المتطلبات المادية والكوادر لعملها، مضيفاً «إننا بحاجة أيضاً إلى تعديل القوانين الخاصة بالضرائب، واستخدام الأنظمة الإلكترونية التي تحدّ من الفساد، كما نحتاج إلى نظام للإصلاح الضريبي يتوافق مع الاحتياجات الاقتصادية والظروف الاستثنائية، والأهم أن تكون آلية عمل الهيئة للمرحلة المقبلة ضمن إطار تصويب نظام الضرائب بما يحقق العدالة الضريبية، مع التأكيد على عدم فرض أي زيادة ضريبية، أو ضرائب جديدة حالياً، ولا في المستقبل القريب».
وفيما يخص البعثة التفتيشية المشكلة لمعالجة ملف التراكم الضريبي، دعا رئيس الحكومة إلى العمل بآلية تنفيذية «نصل من خلالها إلى نتائج ملموسة خلال العام الجاري»، لافتاً إلى وجود تهرب ضريبي بملايين الليرات السورية، حتى في الجامعات والمدارس الخاصة، والعديد من المنشآت، يجب ضبطه خلال مدة لا تتجاوز 6 أشهر، «وإننا كحكومة لابد أن نستعيد هذه الأموال».
وتم تشكيل بعثة تفتيشية للتحقيق بأسباب التراكم الضريبي لكبار المكلفين، وبناء قاعدة بيانات متكاملة حولها لوضع آلية تنفيذية لمعالجة هذا الملف بشكل كامل، وتحديد الأولويات والبدء بتنفيذها، إضافة إلى الطلب من الهيئة إعداد دراسة لكشف المطارح الضريبية المخفاة التي يمكن توظيف إيراداتها في خدمة عملية التنمية وتحسين الواقع المعيشي للمواطنين.
ضرائب الدخل المحدود!
أكد وزير المالية مأمون حمدان أن الوقت حان لحسم وتصويب موضوع الضرائب وإعادة النظر فيه، لاسيما وأن السياسة الضريبة الحالية قديمة وبحاجة إلى تحديث، كما لم يخفِ بأن وزارة المالية وهيئة الضرائب والرسوم لا تستطيعان وحدهما أن تحدا من التهرب الضريبي وتحقق العدالة الضريبية، مؤكداً أننا بحاجة إلى تعديل القوانين والتي يتم العمل عليها حالياً.
كما انتقد الوزير حمدان ما يقال حول أن أكبر نسبة للضرائب والرسوم هي على الرواتب والأجور، وأنها بحدود 20%، أو أكثر، «وأنا أجزم أنها لا تتعدى 2%».
وبين أنه يتم العمل حالياً على إلغاء الطوابع الورقية قريباً، والتي تكلف مبالغ كبيرة، والاستعاضة عنها بالصاقة الالكترونية.
وبين رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي عماد صابوني أنه يجب ألا يكون هناك ضرائب على أصحاب الدخل المحدود، خاصة وأن نسبة الضرائب فيها تصل إلى 25% للقطاعيين العام والخاص، مشيراً إلى أن الضرائب يجب أن تتركز في رؤوس الأموال وأصحاب الشركات ورجال الأعمال، وألا يكون الاعتماد في جباية الضرائب على الإنفاق الاستهلاكي وتوحيد الضريبة على الشركات.
بدوره، أكد وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية سامر خليل أن تطبيق نظام الفوترة والدفع الالكتروني سوف يحدّ من التهرب الضريبي، مشيراً إلى أنه لابد من التشجيع على الاستثمار أولاً على مبدأ الرعاية قبل الجباية، أي تشجيع على الاستثمار، ومن ثم جباية الضرائب، لافتاً إلى أن أكبر 4 مستوردين للأقمشة في سورية ليس لديهم سجلات تجارية بأسمائهم، وهذا بالتأكيد يتطلب قواعد بيانات صحيحة.
وأيد حاكم مصرف سورية المركزي حازم قرفول ما جاء به وزير الاقتصاد، مؤكداً أننا نستطيع أن نعرف نشاط أي رجل أعمال يتهرب من الضريبة من خلال قاعدة بيانات خاصة بملف التهرب الضريبي، منوهاً بأن الضريبة واجب لأنها تدفع مقابل خدمة، لذلك لابد من الحزم في التعامل مع أصحاب الشركات والمشاريع.
واقترح الحاكم أن يكون هناك نظام تعويضات كبير لمراقبي الدخل حتى لا يخضع لأي ضغط مالي، الأمر الذي أثنى عليه رئيس الحكومة، مؤكداً أهمية تقديم حوافز مجزية حتى نتوصل إلى آلية واضحة لتصويب عمل جباية الضرائب.
من جانبه، أكد الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء قيس خضر أنه كلما كبر النشاط الاقتصادي؛ زادت الحصيلة الضربية، مشيراً إلى أن العنوان العريض الذي تقوم به هيئة الضرائب لابد أن يساعد الدولة بتنفيذ سياستها، وخاصة أنه لا يؤسس لحكومة اليوم فقط، مشيراً إلى أنه بين 60 و70% من الناتج المحلي يذهب لاقتصاد الظل، وهو ما يجب تسليط الضوء عليه، لأنه يزيد من الإيرادات أضعافاً مضاعفة، لافتاً إلى أن كشف المطارح الضريبية يحتاج إلى آلية واضحة، أساسها تنظيم اقتصاد الظل، مضيفاً «اليوم، لا نتوقع من أي رجل أعمال أو تاجر أن يعطينا رقماً حقيقياً للضرائب».
لا ضرائب جديدة
أكد مدير عام هيئة الضرائب والرسوم منذر ونوس أنه لن يكون هناك أي ضرائب جديدة، بل سيتم العمل على مناقشة تطوير عمل وأدوات الهيئة، وتفعيل دورها في تحقيق العدالة الضريبية، ووضع خطة لرفع مستوى الوعي الضريبي، وإنجاز التراكم الضريبي بشكل كامل خلال العام الجاري، وإجراء الدورات التدريبية للإدارة الضريبية عل مستوى الإدارة المركزية والفروع، خصوصاً بعد أن تقرر خلال الاجتماع توفير نظام الحوافز الجديد ورفد الهيئة بالكوادر البشرية اللازمة.
وقال معاون وزير المالية رياض عبد الرؤوف «إن إنجاز أعمال التراكم الضريبي وتبسيط الإجراءات أمام المكلفين والعدالة الضريبية وزيادة فعالية أعمال الجباية والتحصيل الضريبي وجعلها بسيطة وواضحة هي محور الاجتماع، مع إظهار الدور الفعاّل للضرائب في تمويل إجراءات العمل الحكومي، وبالتالي زيادة جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، وتم تزويد الهيئة بتوجيهات العمل لكي تكون السياسة الضريبية منسجمة مع سياسة العمل الحكومي التنموي، وتوظيفها في تشجيع الاستثمارات خلال المرحلة القادمة».
قرارات
تقرّر خلال الاجتماع تشكيل لجنة من وزارات الاقتصاد والتجارة الداخلية وحماية المستهلك والإدارة المحلية إضافة لمصرف سورية المركزي والتأمينات الاجتماعية، مهمتها ربط عمل هيئة الضرائب بالوزارات المعنية، ورفع كفاءة الخدمات التي تقدمها الهيئة للمواطنين من خلال النافذة الواحدة، وتعميم خدمات التسديد على مراكز خدمة المواطن واستخدام أدوات الدفع الالكتروني وبرنامج الأرشفة الإلكترونية، وتشكيل مجموعة عمل لدراسة التحول إلى اللصاقة الإلكترونية بدلاً من الطوابع البريدية.
ومن المقرر أن يتم البدء بمشروع مؤتمت لتحديد القيمة الرائحة للعقارات وحساب ضريبة البيوع، ويكون نواة أساسية ومهمة لجميع المشاريع الحكومية اللاحقة التي لها علاقة بالعقارات، تمهيداً لمشروع قانون البيوع العقارية.
كما تم الطلب من وزارة الإدارة المحلية تكليف الوحدات الإدارية بإجراء مسح شامل للمنشآت الإنتاجية الموجودة في المحافظات، وتحديد المرخص منها وغير المرخص، وتحديد مدى وفائهم بالالتزامات الضريبية، إضافة إلى التواصل مع أصحاب المحلات المغلقة في المناطق المحررة من الإرهاب لتسوية أوضاعهم الضريبية بما يراعي ظروف الحرب الصعبة ويشجعهم على إعادة فتح محلاتهم.
وتم التأكيد على نشر الوعي الضريبي لإقامة البرامج الإعلامية حول الآثار السلبية للتهرب الضريبي على الاقتصاد المحلي وضرورة مكافحته إضافة إلى التواصل مع الاتحادات والنقابات وفعاليات القطاع الخاص وتفعيل دورهم في وضع الخطط التطويرية لعمل الهيئة.
كما تم تكليف الهيئة بإعداد مشروع للأتمتة الشاملة للإدارة الضريبية يؤسس لإدارة ضريبية ذات كفاءة عالية ويكفل فعالية الانتقال إلى نظام مؤتمت يلبي الاحتياجات الفنية للنظام الضريبي، وتوحيد برمجيات العمل المؤتمتة، وبناء قاعدة بيانات مركزية بالتعاون مع كل الجهات.
وتم الطلب من الهيئة تقديم رؤية لتطوير وتوحيد التشريعات الضريبية بما يتوافق والاحتياجات الاقتصادية لمرحلة إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات ويحقق المرونة والوضوح والشفافية في العمل الضريبي، إضافة إلى وضع خطة لإعادة هيكلة الهيئة وإقامة الدورات التدريبية لرفع كفاءة العاملين فيها وإصدار نظام حوافز وتعويضات طبيعة عمل للعاملين في القطاع الضريبي يتناسب مع الأعباء الملقاة على عاتقهم، وتوفير البنى التحتية والتجهيزات اللوجستية اللازمة من حواسيب وآليات لتحقيق الأهداف المناطة بالهيئة خلال المرحلة القادمة، كما تم الطلب من الهيئة تحديد احتياجات الهيئة في كل محافظة من الإداريين والفنيين ليصار إلى إيفادهم من الجهات العامة الأخرى لمصلحة الهيئة، وإجراء الدورات التدريبية المكثفة لهم ليكونوا قادرين على القيام بالمهام الموكلة إليهم.