هل تنتاب أصحاب مليارات دولارات السوريين في الخارج ” صحوة وطنيّة” أو حتى يقظة استثمارية ؟؟؟..
ناظم عيد – الخبير السوري:
لم تعد لغة الأرقام تفي بكامل تفاصيل المشهد المذهل المتعلّق بالأموال السوريّة التي جرى ترحيلها للخارج..فثمة تطورات لافتة على هذا المستوى تدفع من يتابع ويبحث لبلورة قناعة بأن، خلاصات التنمية في سورية قد ” سُرقت” بشكل غير مباشر، بتسهيلات من بلدان المقصد ومن حكومات مارست ما يشبه ” القرصنة” على أموال السوريين، عبر اتباع أساليب الغواية ونصب ” أفخاخ استثمارية” لاستقطاب أموال السوريين، على إيقاع ما تم وصفة بـ ” الهروب من مخاطر الحرب”.
وقد أحسنت السلطات الأردنية اللعب على هذه الورقة، فكانت الأموال السورية في المرتبة الأولى هناك على مستوى الاستثمارات العربية الوافدة إلى هذا البلد، والمفترض أنه غير جاذب استثمارياً، لكن قبل الحرب و إبّانها كان وجهة وخيار لرجال أعمال سوريين، خصوصاً الراغبين بترحيل ” علاوات الفساد والاستثمار المشبوه”..لاسيما المتهربون من الاستحقاقات الضريبية.
كما تبوأت مصر مرتبة متقدمة في مجال استقطاب الأموال السورية، قبل الحرب بالنسبة للكبار من المتمولين السوريين الذين أخرجوا أرباح استثماراتهم الضخمة..والبقيّة خلال الحرب..حتى أن بعضهم يتحدث عن رقم مذهل كحصيلة للاستثمارات السورية في مصر ” 30 ألف استثمار” يعود لسوريين..ونذكر أنه مع الانفراجات التي بدأت في سورية بعد تحرير دير الزور والغوطة والكثير من المناطق السورية وطرد الإرهاب منها، وقبل اسطوانة قانون سيزر والعقوبات الاقتصادية الجديدة، قامت السلطات المصرية بالتصريح عن نيات لإقامة مناطق صناعية – نموذجية – للمستثمرين السوريين، وكانت محاولة واضحة لثنيهم عن العودة إلى بلدهم بعد ملامح الاستقرار وعودة التعافي.
وفي دول الخليج العربي – لا سيما دبي – هناك كتل مالية هائلة تعود لسوريين مستثمرين.. كما في تركيا رقم هائل أيضاً لاستثمارات السوريين.
وأخيراً في لبنان ” أطنان” من الإيداعات العائدة لسوريين في البنوك هناك، ذهبت أدراج رياح عواصف الأزمة التي أحاقت بذلك البلد ذي الاقتصاد ” اللقيط”..وبعضهم يتحدث عن 20 مليار دولار، فيما يشير آخرون إلى 30 مليار دولار، وتجرأت بعض المصادر على الحديث عن 52 مليار ليرة سورية أودعها السوريون في البنوك اللبنانية وتبخّرت كلّها..
أي الحصيلة العامة للأموال السورية في الخارج، مخيفة رقماً – ولا نملك أن نعطي رقماً – فهي بمئات مليارات الدولارات، يكفي نصفها لإعادة إعمار سورية كاملة بعد الحرب، والنصف الباقي يتكفّل بأن يجعل من هذا البلد في مركز اقتصادي متقدم على مستوى المنطقة و إقليم الشرق الأوسط.
قبل الحرب أوضح أحد الخبراء الاقتصاديين السوريين – وهو أستاذ جامعي تولى عدّة مهام تنفيذية – أن الأموال التي خرجت من سورية تنقسم إلى قسمين: قبل الأزمة وآخر أثناءها، أما الأموال التي خرجت قبل الأزمة السورية، فتقدر بأكثر من 100 مليار دولار، مشيراً إلى أن السوريين في دول الخليج والدول الأخرى، يستثمرون أضعاف ما يستثمرونه في سورية.
أما بالنسبة للأموال التي خرجت أثناء الأزمة فمعظم ما يتم الحديث عنه، ينقسم إلى جزء خرج في بدايات الأزمة، وأخر أواسط الأزمة، ولكن لوحظ في ذروة الحرب على سورية – 2014 و 2015 – خروج أموال ليست استثمارية من سورية، وهي بصحبة المسافرين، وتتمثل ببيع الأصول والممتلكات وغيرها، وهذه المبالغ قبضت بالقطع الأجنبي وتم السفر بها إلى الخارج”.
كما لفت الخبير، إلى أنه في بداية الأزمة، كان هناك تشجيع من الدول لاستقطاب الاستثمارات السورية، لأهداف منها اقتصادية، ومنها تأجيج الوضع الاقتصادي في سورية.
ونوّه إلى أن جزء من الشركات السورية هُرِّب أو سُرِق أو أُخرِج أو خَرَج، ولا يمكن جذبها إلا بعد تغيير الظروف الحالية، وعند البدء بعملية إعادة الإعمار، فإنها ستعود تلقائياً وبالتدريج، وربما تعود أموال كانت موجودة في الخارج قبل الأزمة، بالإضافة إلى الاستثمارات الأجنبية، وهذا يتعلق بمتانة عملية الاستقرار، وتنظيم عملية إعادة الإعمار، والقوانين الشاملة لإعادة الإعمار، والتي من شأنها استقطاب الشركات، أما حالياً فلا يمكن جذب الشركات التي خرجت لأن الذي خرج بسبب الأزمة لن يعود في ظل استمرارها.
رغم كل هذا النزيف، يشير الخبير، إلى أنه يوجد أموال في سورية يمكن تحريكها وتوظيفها آنياً لإعادة الإنتاج، مثل طرح سندات الخزينة، ورفع سعر الفوائد في المصارف وغيرها من الخطوات.
وكانت تقارير ذكرت أن العدد الإجمالي لشركات السوريين المسجلة في تركيا، بلغ ألفين و827 شركة، وأوضح خبراء بأن هذه العدد يتجاوز 10 آلاف شركة عند إضافة الشركات غير المسجلة والشركات التي لديها شركاء من المواطنين الأتراك.
إذا مشكلتنا مركّبة ، جزء منها سوري بامتياز، فإن كانت مقولة ” رأس المال جبان” هي القاعدة التي بررت الوسيلة والغاية، فإنها قيلت عن الرساميل الوافدة غير الوطنيّة ..لكن في الحالات المثيلة لحالتنا في سورية، ثمة مواقف للرجال ورجال الأعمال يعرفون في كل الدول بمواقفهم..بدليل أن لدينا عدد كبير من رجال الأعمال الوطنيين الذين بقوا في سورية وبعيداً عن دوائر الضوء والاستعراض..وبعضهم – إن تكلم – يؤكد أن لا أحد له فضل على سورية بل فضل البلد على الجميع.
لكن رغم ” عقوق رأس المال الهارب” نرى أن ثمة فرصة يجب أن تعطى لعودة الرساميل المغادرة..ولعل الفرصة قائمة ليكونوا شركاء في إخراج البلد من أتون الأزمة، والمساهمة الفاعلة في الإنقاذ ثم إعمار ما دمرته الحرب..وإن لم نراهن على الوطنية والانتماء..فلنراهن على البراغماتية والنفعية، ففي هذا البلد منفعة حقيقية لكل متمول يبادر إلى العودة، وضرب الوعيد الأميركي واللوائح السوداء والعقوبات ..بعرض الحائط.
فها هو الأميركي يلملم أوراقة ..اليوم انسحب من حقول النفط السورية..ومن الكويت..وها هو يتلقى الضربات في العراق وقواعده تشتعل..