الوطن ـ علي محمود هاشم
منذ مؤتمر حلب الصناعي 2018، قلّما ترددت على لسان الصناعيين تعابير متفائلة حيال الاستجابة الحكومية لما كرسته الحرب على بنية الإنتاج الوطني.. و«قلما» هذه، تعني بلغة الضاد: «أبداً»، لكن خجولة.
أما وقد قال رئيس اتحاد الصناعيين ومعه بعض رؤساء الغرف الفرعية، ما تقوّلوه من غزل حذر عسى ألا يندموا عليه لاحقاً، عقب الاجتماع النوعي الذي جمعهم بهيئة الأركان الاقتصادية نهاية الأسبوع الفائت، فلربما لم يعد من خيار أمامنا سوى التفاؤل حيال تجديد الحكومة «جدّيتها» بالسهر على استعادة ما تيسر من المنشآت المستمرة في إغلاق أبوابها جراء الضباب الكثيف الذي يكتنف رؤية التعافي.. وبالمناسبة، فهي تناهز الـ600 ألف منشأة وفق الإحصاءات الرسمية لعام 2010، لا 150 ألفاً كما رددت المصادر الحكومية مراراً وتكراراً كيما يتسنى لها القول بعد ذلك، بأنها نجحت باجتذاب نحو نصفها إلى النشاط.
بفعل خارجي أم ذاتي، قد يكون إيمان الحكومة بالإنتاج الصناعي قد تسلّل بالفعل إلى قلبها مجدداً حتى ذهبت إلى الإنصات، وقد تكون الصعوبات التي واجهتها مؤخراً لتلبية متطلبات الكتلة السلعية جراء شحّ الموارد، مسحت بعضاً من الغبار عن يقينها المتزعزع بمكونات اقتصاد الصمود، ولربما ظهر على عيانها ما أهدرته من زمننا المحاصر بفعل الحرب المتعددة المستويات التي يتعرض لها الاقتصاد الوطني.. لم يعد كل ذلك ذي أهمية اليوم، ما دامت قدمها وجدت خطوتها الأولى إلى بلاطات الصراط الاقتصادي خلال «المؤتمر الصناعي المصغر» كما ذهبت بعض منصاتها إلى وصفه، وطالما أنها أيقنت بأنه طريق يجب قطعه مهما طال الزمن، لا قفزاً على أرصفته، ولا تسلقاً لأعمدة إنارته عبر حبال الميكروفونات، بل بلاطة.. بلاطة.
مع هذا الكم من التفاؤل، ثمة ما يدعو لتجديد صلاحية التشاؤم حيال مجريات «مؤتمرنا المصغّر».. فبالرغم من نجاحه في تحطيم الجليد «الشخصي» الذي لطالما تزحلقت على صفحته مختلف أقاويل «التشاركية» و«نحن فريق واحد في مواجهة الحرب»، إلا أن مجرياته المطلبية التي كرّرت -للمرة المليون ربما- حاجة الصناعة الوطنية إلى: «كهرباء، مكافحة التهريب، تسهيلات، إعفاءات..»، وما قابلها من تأكيدات الحكومة نياتها في «تعزيز التعافي» عبر «الصناعات التصديرية» التي قضت حولين كاملين وهي تركل الاقتصاد الوطني بمفرداته إلى أن وصل ميزاننا التجاري إلى حضيضه، و«إحلال بدائل المستوردات» المستجد، و«دفق التمويل المصرفي» و«إعفاء المتعثرين» المخضرمين وما إلى ذلك من شعارات تدفأنا على حرق أوراقها لخمس شتاءات باردة متتالية من عمر الحكومة.. كل ذلك، إنما يبعث على التشاؤم حذراً من الأسباب التي تجعل القيام بالبديهيات المعلنة أمراً مستحيلاً ما لم يتم إخضاعه لإرهاص «المؤتمرات»، مرة تلو الأخرى!.
كاد وصولنا «متأخراً» إلى لقاء القمة «الحكومي/ الصناعي» أن يضع نتائج «ألا نصل أبداً» في جيبه الصغيرة، وخاصة بعدما باتت ظهورنا إلى الجدار حقاً، وهذه حقيقة أوضحتها الأسابيع والأشهر الأخيرة عبر ما يمكن، أو لا يجدر الإفصاح عنه.
على كل حال نحن أبناء اليوم، ولأننا كذلك، فسيكون على النتائج النظرية المشجعة التي انبثق عنها «مؤتمر الحكومة الصناعي»، أن تطرح -لا أقل من- اختراق نوعي قابل للقياس على المدى القريب، وهذا أقل ما يسع قطاعنا الصناعي انتظاره طالما أن آلامه «موصوفة» بدقة، ويجدر بحلولها أن تكون كذلك.