حديث الأربعاء الاقتصادي رقم (66)
الدكتور عامر خربوطلي .
رغم أن المصطلح قد يبدو جديداً وغريباً إلا أنه أصبح من الأهمية والتداول ما يجعله محور اهتمام العديد من دول العالم، فاقتصاد السعادة هو الدراسة الكمّية والنظرية للسعادة والوجدان الإيجابي والسلبي والرفاهية وجودة الحياة والرضا عن الحياة ومفاهيم أخرى ذات صلة، وعلى عادةً ارتباط الاقتصاد مع مجالات أخرى مثل علم النفس والصحة وعلم الاجتماع عادةً ما يتعامل اقتصاد السعادة مع التدابير المتعلقة بالسعادة كأمر يتوجب تعظيمه بدلاً من التعامل مع الثروة أو الدخل أو الربح كهدف مادي، شهد هذا المجال نمواً كبيراً منذ أواخر القرن العشرين وذلك من خلال تطوير أساليبه ودراساته الاستقصائية ومؤشراته المستخدمة لقياس السعادة والمفاهيم الأخرى ذات الصلة.
عادةً ما تستخدم التدابير المالية الوطنية كالناتج المحلي الإجمالي (GDP) كمقياس لنجاح السياسة الاقتصادية للدولة وهناك ارتباط وثيق بين الناتج المحلي الإجمالي والسعادة، إذ يمتلك مواطنو الدول الأكثر ثراء معدلات سعادة أعلى من أولئك في الدول الفقيرة، قيل بأن هذه العلاقة لا تستمر بعد وصول متوسط الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للفرد إلى 15.000 دولار أمريكي إلا أنه في القرن الحادي والعشرين أحرزت العديد من الدراسات نتائج معاكسة.
اعتقد الاقتصاديون تاريخياً بأن الرفاهية وظيفة بسيطة من وظائف الدخل، ومع ذلك وُجد أنه بمجرد وصول الثروة إلى حد الكفاف، تضاءلت فعاليتها كعامل في تحقيق الرفاهية، ويطمح اقتصاديو السعادة إلى تغيير منظور الحكومات للرفاهية وكيفية التحكم في الموارد إضافة إلى توزيع الموارد وفقاً لهذه المفارقة.
يمتلك العاملون رفاهية أعلى عموماً من العاطلين عن العمل، قد لا يتسبب التوظيف بحد ذاته في زيادة الرفاهية الشخصية، إلا أنه ييسر الأنشطة التي تزيد من الرفاهية (مثل إعانة الأسرة والعمل الخيري والتعليم) بينما يزيد العمل من مستوى الرفاهية من خلال توفيره للدخل، لا يدل مستوى الدخل على الرفاهية الشخصية مثلما تفعل الفوائد الأخرى المرتبطة بالعمل، حيث تُعد مشاعر الاستقلالية والتفوق الموجودة في معدل عالٍ لدى العاملين قياساً بغير العاملين مؤشراً قوياً على الرفاهية الشخصية مقارنةً بالثروة.
كما يرتبط التخفيف من حدة الفقر بمستويات سعادة أكبر لدى السكان، ووفقاً لآخر المؤلفات الاقتصادية المتعلقة بالرضا عن الحياة يؤثر التضخم العالي أو المتقلب بشكل سلبي على رفاهية السكان.
وتتمتع المجتمعات الفردية بمستويات أعلى من السعادة كما يرتبط وجود مؤسسات الاقتصاد الحر بزيادة في تفاوت مستويات الثروة إلا أنها لا تسهم بالضرورة بانخفاض معدلات الرفاهية الكلية أو الرفاهية الشخصية على المستوى السكاني. في واقع الأمر يعزز عدم المساواة في الدخل من الرفاهية العالمية هناك بعض الجدل حول ما إذا كان العيش بين الجيران الفقراء يزيد من مستوى سعادة الفرد، وما إذا كان العيش بين الجيران الأغنياء يقلل من مستوى السعادة الناجم عن الثروة. يُزعم بأن هذا الأمر قابل للتحقق من خلال تأثير المقارنة التصاعدية والتنازلية (تنافس الجيران) تؤيد محصلة الأدلة الفرضية القائلة بأن العيش في الأحياء الفقيرة يجعل المرء أقل سعادة، وأن العيش في الأحياء الغنية يجعل المرء أكثر سعادةً حقاً.
اعتقد الاقتصاديون تاريخياً بأن النمو الاقتصادي غير مرتبط برفاهية السكان إذ أطلق على هذه الظاهرة اسم مفارقة (ايسترلين)، حيث أشارت البحوث الأكثر تعمقاً إلى وجود صلة بين التنمية الاقتصادية ورفاهية السكان حتى وصل البعض إلى تعريف علم الاقتصاد بنتائجه وأهدافه النهائية إلى أنه علم رفاهية المجتمع ولكن يبقى التساؤل دوماً هل الرفاهية هي السعادة بالمطلق أم أن السعادة هي المشاركة أو الاستغراق في الحدث والتمتع فيه لأكثر وقت من اللحظات، وهي أمور نسبية في جميع الأحوال.
ما يهمنا في هذا الحديث أن النمو والتنمية والإنفاق الحكومي والتوظيف والاستقرار والحرية الاقتصادية جميعها عوامل تساهم في تحقيق السعادة أو على الأقل تخفف من حدة التوتر والكآبة والتشاؤم.
فهل نسعى في سورية لتحقيق مستويات أفضل من السعادة بتحقيق أقصى ما يمكن للشروط الموضوعة.
العيادة الاقتصادية السورية .