لأن الحدث جلل، ولحلب مكانتها في قلبه، وقلب السوريين جميعاً، ولأن ثمن أمنها وأمانها لم يكن سهلاً، توجه الرئيس بشار الأسد، ولأول مرة منذ تسلمه سدة الرئاسة، بخطاب متلفز للشعب السوري، لتهنئته على تحرير كامل الريف الحلبي، وليهنئ الحلبيين خصوصاً، على صمودهم وتحديهم للإرهاب، آملاً بأن تعود حلب كما كانت بل أقوى.
وأمس، تحولت أنظار السوريين في كل مكان إلى أجهزة التلفاز، وشبكات التواصل الاجتماعي لمتابعة كلمة الرئيس بشار الأسد، التي وجه فيها الشكر لأبطال جيشنا العظيم، ومن خلفهم قواتنا الرديفة، كما وجه التحية لأشقائنا وأصدقائنا وحلفائنا، الذين كانوا مع الجيش، كتفاً بكتف على الأرض ونسوراً حامية بالسماء، فاختلطت دماؤهم بدماء جيشنا، ورووا جميعاً أرض حلب.
الرئيس بشار الأسد، أكد أن حلب انتصرت، وسورية انتصرت، وانتصرنا جميعاً على الخوف الذي حاولوا زرعه في قلوبنا وعلى الأوهام التي حاولوا غرسها في عقولنا، وعلى التفكك وعلى الحقد وعلى الخيانة، وعلى كل من يمثل هذه الصفات ويحملها ويمارسها.
وأوضح الرئيس الأسد أنه «عندما تحررت مدينةُ حلب في نهاية العام ألفين وستة عشر، قلت بأن ما قبلَ تحرير مدينةِ حلب لن يكون كما بعدها، انطلقت في ذلك من معرفتي إلى أين يسدد أبناءُ قواتنا المسلحة بقلوبهم وعقولهم، انطلقت في ذلك من يقيني بأن وطنيةَ أهلِ حلب ووفاءهم لوطنهم ولجيش الوطن ستقلب حساباتِ الأعداء، وهذا ما حصل، وكان لا بد أن تدفع حلب ثمناً كبيراً يعادل عظمة شعبها ووطنيةَ موقفها».
وأضاف الرئيس الأسد: «مع كل قذيفة غدر سقطت، كان أمل الأعداء يزداد في أن تصبح حلب ذاتُها، حلب غيرَها، حلب أخرى لم تكن موجودة عبر التاريخ، حلب التي لا تشكّل مع توءمها دمشق جناحين يطير بهما الوطن، بل تلك التي يصطف أبناؤها في صف الخونة أمام الأسياد، يركعون لهم ويسجدون، ويستجدون القليل من الدولار والكثير من العار، هذا ما كان في أحلامهم، أما في عالمنا الحقيقي، فمع كل قذيفة سقطت سقط معها الخوف وازدادت الرغبة بالتحدي، ومع كل شهيد ارتقى، سمت الروح الوطنية وتجذر الإيمان بالوطن، في عالمنا الواقعي بقيت حلب الحقيقية، حلب التاريخ والعراقة والأصالة.
وتابع الرئيس الأسد: ومع ذلك بقيت هذه المدينة تسهم ولو بحدود دنيا في الاقتصاد الوطني، وأنا على ثقة بأن هذا النوع من الصمود، الذي يعكس الإرادة الصلبة والانتماء العميق المتجذر، هو الذي سينهض بحلب من تحت رماد الحرب ليعيد لها موقعها الطبيعي والرائد في اقتصاد سورية.
الرئيس الأسد أكد أن هذا التحرير لا يعني نهاية الحرب، ولا يعني سقوط المخططات، ولا زوال الإرهاب، ولا يعني استسلام الأعداء، لكنه يعني بكل تأكيد، تمريغ أنوفهم بالتراب كمقدمة للهزيمة الكاملة، عاجلاً أم آجلاً، وهو يعني أيضاً ألا نستكين، بل أن نحضر لما هو قادم من المعارك، وبالتالي فإن معركة تحريرِ ريفِ حلب وإدلب مستمرةٌ بغض النظر عن بعض الفقاعات الصوتية الفارغة الآتية من الشمال، كما استمرارُ معركة تحرير كلِ التراب السوري وسحق الإرهاب وتحقيق الاستقرار».
وأكد الرئيس الأسد أن جيشنا العربي السوري لن يتوانى عن القيام بواجباته الوطنية، ولن يكون إلا كما كان، جيشاً من الشعب وله، فالتاريخُ لم يعرفْ جيشًا انتصر، إلا عندما توحد معه الشعبُ في معركته، وعندما توحد هو مع الشعب في رؤيته وفي قضيته، وهذا ما رأيناه في حلب وغيرها من المدن السورية، وحين احتضنتم الجيش حماكم ودافع عنكم وضحى من أجلكم».
الـرئيس الأسد استذكر قوافل الشهداء التي سقطت على طريق إنجاز النصر، وقال: «ونحن نعيش أوقاتِ الفرح علينا أن نتذكر أن هذه اللحظات حققتها سنواتٌ من الألم واللوعة والحزن، لغياب عزيز ضحى بروحه من أجل حياة وسعادة الآخرين، وإذ ننحني إجلالاً أمام عظمة شهدائنا وجرحانا، فإنه من واجبنا أن نقف احتراماً أمام عظمة عائلاتهم الجبارة، وإذا كان النصر يهدى، فلهم، وإذا كان لأحد فضلٌ فيه، فهم أصحاب الفضل. فتحيةً لهم على ما ربوا، وتحية لأبنائهم على ما قدموا».
الوطن .