وطنية – فجرت الازمة الاقتصادية والمالية الهيكل المهترىء للدولة اللبنانية نتيجة الفساد والحروب وغياب المحاسبة وعدم وضع خطط استراتيجية تسمح للبنان ان يكون على السكة الصحيحة لبناء دولة قوية قادرة على انتشاله من تشوهاته لمصلحة المواطن بعيدا من اي حسابات شخصية او فئوية او طائفية.
يواجه لبنان اليوم أزمة مالية كبيرة بسبب خدمة الدين العام الذي تجاوز 152% من حجم الناتج المحلي للبلاد، ما يعني ان الدين يفوق حجم الاقتصاد، ويجعل البلد يواصل الاستدانه ويراكم الديون عليه. كما يواجه لبنان أزمة في قطاع الكهرباء والتي تكلف الدولة 270 ل.ل. عن كل كيلو واط، في وقت يدفع المواطن بين 80 و100 ل.ل. ما يعني ان الدول تتحمل جزءا من التكلفة. أضف الى ذلك عدم تنظيم الجباية والتعديات على شبكة الكهرباء وازدياد حجم السوق.
جابر: الوضع سيء وصعب
وعن الازمة المالية وهل ستنجح الخطط والمقاربات الرسمية في معالجتها، وصف النائب ياسين جابر، في حديث الى “الوكالة الوطنية للاعلام”، الوضع المالي في لبنان بـ”السيئ والصعب”، وقال: “تبين من خلال الموازنة الاخيرة ان الوضع المالي سيئ، فالدولة تعاني من عجز كبير في المالية العامة، ولديها مستحقات غير قادرة على تلبيتها”.
وأشار الى “ان سبب الازمة المالية يعود الى أمرين: الاول هو خدمة الدين العام التي تجاوزت قيمتها 9 الاف مليار في السنة. اما السبب الثاني فهو العجز في قطاع الكهرباء، خصوصا في السنوات الاخيرة عندما ارتفع العجز بشكل جنوني، ما يحتم على الحكومة الجديدة ان تتخذ اجراءات سريعة وعملية لمعالجة الثغرتين لتحسين المالية العامة”.
واقترح حلولا عدة لتحسين خزينة الدولة، وذلك من خلال “الحماية الجمركية والضريبية، وضع الدولة يدها على المداخيل كإيرادات قطاع الاتصالات الذي سيطر عليه بعض الوزراء فأنفقوا اكثر مما يجب ان ينفقوا، كشراء واستئجار مبان بأسعار خيالية”.
وقال: “ان الجهات الخارجية حاضرة لمساعدة لبنان كالبنك الدولي وغيرها، وهناك قروض يعمل على تنفيذها، فالجهات الدولية جدية لمساعدة لبنان لانتشاله من وضعه المالي القائم، ولكن بشرط اساسي هو ان تقوم الدولة باصلاحات جدية وكبيرة. الدول العشر المانحة اجتمعت منذ عشرة اشهر وطالبت الدولة اللبنانية بتعيين مجلس ادارة او هيئة ناظمة لكهرباء لبنان ولكن دون اي نتيجة. من هنا على الدولة ان تقوم باصلاحات بنيوية تثبت للمجتمع الدولي اننا جديون بالاصلاحات لنثبت لهم اننا دولة قانون ومؤسسات”.
من ناحية اخرى، دعا جابر الحكومة الجديدة الى “ان تشكل فريقا اقتصاديا تقنيا يضم محامين دوليين واختصاصيين لاعداد خطة تخرج لبنان من أزمته”، كما دعا الى “ملء الشغور في المؤسسات الرسمية كتعيين نواب لحاكم مصرف لبنان وتعيين مجلس ادارة لكهرباء لبنان وتعيين هيئة ادارة النفط كي يتجنب لبنان شروطا قاسية يمكن ان يفرضها صندوق النقد الدولي في المستقبل”.
وانتقد خطة الكهرباء التي أقرت في الحكومة السابقة، عازيا السبب الى “عدم تأمين خطوط نقل كافية لجميع المناطق اللبنانية وخصوصا النبطية”. واستشهد بخطة كهرباء زحلة “كحل موقت ريثما يتم انشاء محطات ثابتة لتوليد الكهرباء، خصوصا وان القانون 462 ينص على تقوية وتحويل المؤسسة الى شركة مساهمة كشركة طيران الشرق الاوسط تملك أسهمها الدولة اللبنانية”.
قرداحي
من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي شربل قرداحي “ان لبنان في نصف الزلزال الاقتصادي، نتيجة 45 سنة من التشوهات الهيكلية والبنيوية والنظامية التي تسببت بها الحرب من هدم لقوى الانتاج واختلال في الحسابات التجارية والحسابات المالية والتجارية للدولة اضافة الى غياب الحوكمة بشكل كامل”.
وقال: “كل هذه التراكمات أوصلت الى نتيجة 17 تشرين الاول وكانت الصدمة قوية، ومن ثم دخلنا الانهيار بسبب معضلتين: الاولى مالية والثانية تتمثل في ضعف النمو الاقتصادي ففرص العمل نادرة والبنى التحتية متردية، وواردات الدولة من العملة الصعبة تكاد تختفي”.
وعن الواقع الذي خلفه سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الاميركي على المواطن، اعتبر “ان المواطن يشعر بشكل كبير بأثر الاحداث من خلال ارتفاع سعر صرف الدولار على التجار والمواطنين ما تسبب بغلاء الاسعار في المواد الاستهلاكية عموما والمستوردة خصوصا. حتى السلع ذات الاسعار المحددة من وزارات الصحة، الاقتصاد والطاقة”.
ورأى “ان خطوة حاكم مصرف لبنان تثبيت سعر صرف الدولار فاشلة من أساسها”، مستبعدا عودة سعر الصرف الى ما كان عليه قبل 17 تشرين الاول.
وحذر قرداحي من “أزمة جديدة تلوح في الافق، وهي انخفاض فرص العمل”، وقال: “هذا الامر سيؤدي الى حالات من الفقر، والى تخلف المواطنين عن سداد قيمة القروض للمصارف ما سيجعل المصارف في حالة تعثر عن تسديد الاموال للمودعين، وكذلك سيؤدي الى عدم دفع الضرائب للدولة وخفض ايراداتها، وبالتالي عدم تمكنها من دفع المستحقات المتوجبة عليها من رواتب وأجور والتزامات اخرى. كما يمكن في هذه الحال الا تتمكن الدولة من سداد ديونها للمصارف والتي بدورها لن تتمكن ايضا من سداد أموال المودعين”.
واعتبر ان “لبنان يواجه تهديدا جديا بالوصول الى التعثر عن سداد دين يستحق لحاملي السندات اللبنانية بالدولار الاميركي في 9 آذار المقبل”، وقال: “من الافضل الا يدفع لبنان هذه الديون لانها ستكون من أموال المودعين، وعليه ان يحتفظ بهذه الاموال لتأمين احتياجات الناس كالمواد الاساسية”.
وازاء الوضع الراهن، قال: “الامل موجود اذا وضعت الحكومة الجديدة خطة انقاذية مالية شاملة تعالج الاختلالات البنيوية والهيكلية ويكون لها احتضان ودعم من جميع القوى السياسية ومن الشعب”.
ونصح قرداحي المواطنين اللبنانيين عموما والمودعين بالدولار خصوصا “الاستثمار في العقارات لانقاذ أموالهم العالقة في المصارف من خلال ايجاد مطور عقاري يقبل البيع مقابل شيكات مصرفية ونصحهم ايضا بعدم بيع ممتلكات الا لفك قروض معينة”. كما تمنى الاحتفاظ بالسيولة اللبنانية لانه في الاسابيع المقبلة سيشهد اللبنانيون تقنينا على السحوبات بالعملة الوطنية”.
لبنان يقف أمام سيناريوهات عدة لحجم المخاطر، فهو بين انهيارين، الاول يتمثل في المزيد من التدهور بسعر الليرة والثاني في توقف لبنان عن سداد مستحقاته. لذلك يبقى السؤال، هل من المعقول ان يتبدل المشهد مع الحكومة الجديدة وتبدأ بالاصلاحات المنشودة؟ الايام المقبلة ستكون كفيلة للرد على تلك الاسئلة.