الرئيسية / تجارة / 15 مليون رغيف تتلف في المنازل يومياً بسبب سوء التصنيع!

15 مليون رغيف تتلف في المنازل يومياً بسبب سوء التصنيع!

تشرين ـ سامي عيسى .
أسئلة كثيرة تثير قلق ملايين المواطنين المستفيدين من الدعم الحكومي للمواد الأساسية اللازمة لمعيشتهم اليومية، أهمها: مَنْ المستفيد فعلاً من هذا الدعم، وما سر الازدحام والفوضى والطوابير على المواد المدعومة.. الدقيق التمويني، ومخابز الرغيف، والغاز ومشكلاته التي تغيب وتظهر فجأة، والمازوت وما أدراك بمعجزاته، المواد الغذائية المدعومة سكر ورز وغيرهما، وما نشاهده من حالات ازدحام كيفما اتجهت على مراكز «السورية للتجارة».
لكن أكثر الأسئلة قلقاً ما يحدث لرغيف الخبز وسرقته وهذه حجمها لا يقتصر على بضعة ملايين من الليرات، بل يتجاوز سقفها عشرات المليارات من حجم الدعم..! وبالتالي من المستفيد منه هل المواطن، أم القائمون عليه، أم مجموعة من التجار وفق شبكة تحكمها أساليب ووسائل تبدأ من باعة الخبز، مروراً ببعض مسؤولي الأفران وصولاً إلى تجار العلف؟.
والأهم من يتحمل مسؤولية سرقة 36 مليار ليرة من حجم الدعم لرغيف الخبز والبالغة قيمته 360 ملياراً، جميع هذه الأسئلة بحاجة إلى إجابة واضحة وصريحة، ليس من القائمين عليها فحسب، بل من الحكومة ذاتها التي تعرف الخفايا قبل الحقائق عن سلة المواد المدعومة، وحجم الأموال التي تنفق عليها، والصعوبات التي تعانيها لتأمينها، سواء من السوق المحلي، أم عبر استيرادها في ظل حصار اقتصادي جائر، وعقوبات اقتصادية ظالمة، طالت البشر والحجر، الأمر الذي يفرض على أهل القرار والحساب إعادة النظر في طريقة تقديم الدعم، والفئات التي يستهدفها، وخاصةً أن قسماً كبيراً منه يذهب إلى جيوب بعض التجار، على اختلاف شرائحهم (شقيعة السوق) واستهدافهم السلة المدعومة، ولاسيما رغيف الخبز الذي يشكل الكتلة الأكبر من الدعم..؟
واقع
(تشرين) حاولت استطلاع بعض الآراء عن ظاهرة الازدحام على الأفران من جهة، وظاهرة الباعة -التي استعصت على الحل- أمام أغلبية الأفران يستغلون حالة الازدحام، ويبيعون ربطة الخبز بأضعاف سعرها، وهنا (لب القصيد) ما فائدة الدعم ومن المستفيد منه.. هل المواطن بالفعل..؟ أم خزينة الدولة، أم الاتجار به كمادة علفية.. أم حفنة من التجار؟
باب الهدر
والسؤال الأهم يبقى عن ماهية الحل للوصول بالدعم إلى مستحقيه، ومعالجته تبدأ من باب الهدر، وهذا يأخذ أشكالاً متعددة في المعالجة وفق مصادر خاصة لدى «السورية للمخابز»، الأول باتجاه الهدر الذي تؤكد أن نسبته ضمن الحدود الطبيعية في الأفران والمسموح بها عالمياً لهذا المنتج، والبالغة 3 في الألف وهو ما يسمى التالف الصناعي، وهذا يختلف بين فرن وآخر، ويظهر جلياً بين مخابز الآلية والاحتياطية وما يعانيه من نقص في الكوادر الفنية المختصة، من عجان وفنيين وآلات، وبالتالي جودة الرغيف مرتبطة بها، وهنا حسابات التالف الصناعي تختلف من موقع لآخر، لكنه لا يشكل أرقاماً ضخمة، كما هو الحال في مجالات الهدر الأخرى، التي تشكل الباب الثاني للهدر وتكمن في إنتاج مادة الدقيق التمويني التي تختلف من مطحنة لأخرى، وهذا الاختلاف يظهر في إنتاجية الرغيف في المخابز، وبالتالي يرفع من نسبة التالف الصناعي إلى جانب كميات كبيرة من هدر الرغيف في المنازل، والتي تقدر كميتها حسب مصادر «السورية للمخابز» وبالاستناد إلى عدد العائلات المستفيدة والبالغة خمسة ملايين أسرة، وإذا كان استهلاك أسرة ربطة واحدة في اليوم يتلف منها (3 خبزات) نتيجة سوء التصنيع أي إن هناك 15 مليون رغيف يومياً تذهب إلى حاويات القمامة وهذا أشد الهدر خطورة، فهو لا يذهب كخبز علفي، أو حتى الاستفادة منه في صناعات أخرى (كالحلويات) وهذه النسبة تشكل 10% من كمية الإنتاج، وبحسبة بسيطة يتضح هذا الهدر من خلال معرفة حاجة البلد من الدقيق التمويني والمقدرة بنحو 1.5 مليون طن سنوياً، تصل قيمته الإجمالية لنحو 360 مليار ليرة، وإذا كانت نسبة الهدر تشكل 10% فإن قيمتها تقارب سقف 36 ملياراً، تذهب في معظمها لجيوب البائعين والتجار والمخابز السياحية، لكن أخطرها الذي يذهب إلى حاويات القمامة، وبالوجه الآخر من جوانب الهدر الذي يذهب كمادة علفية من خلال تهريب كميات كبيرة من رغيف الخبز بطرق مختلفة، منها ما يتعلق بالأفران، ومنها من خلال الباعة أمام الأفران، وتعدد حالات الشراء من الفرن وتجميعها وبيعها للتجار واستخدامها علفاً للحيوانات، مستغلين فارق السعر ما بين سعر كيلو غرام الخبز البالغ 35 ليرة والسعر العلفي 100 ليرة.
وما يؤكد ذلك جولة (تشرين) على بعض الأفران منها آلية وأخرى احتياطية، لتجد فيها حالات ازدحام كبيرة من المواطنين على نوافذ البيع في الأفران، والتي تكرس بطبيعة الحال ظاهرة الباعة، وتجار العلف الذين يحاولون سرقة كميات كبيرة من الخبز، منها للبيع بأسعار مضاعفة، وأخرى يتم تجميعها وبيعها لتجار العلف، وهذه أخطر ظواهر الهدر للمادة.
وخلال لقاء مع بعض الباعة ظهرت الحالة الاجتماعية واضحة من تدني مستويات الدخل للأسرة التي فرضت هذا النوع من العمل، والمتاجرة برغيف الخبز، من دون أن ننسى فعل المتاجرة بالرغيف، وبيعه لتجار العلف، وهذا لن يتم إلا بالتعاون مع بعض العاملين في الأفران مقابل عمولات مادية متفق عليها مع الباعة للحصول على كميات كبيرة، وبيعها، كما أسلفت. والوجه الذي تحدث عنه بعض مديري الأفران صعوبة معالجة هذه الظاهرة لأن المشكلة خارج نطاق المخبز، وهي من اختصاص الجهات الرقابية المعنية التي طلبنا منها مراراً ضرورة معالجة المشكلة لكن من دون جدوى، بل الظاهرة في تفاقم مستمر..!
الكيل بمكيالين..!
وفي رأيهم أن المشكلة لا تقتصر على ذلك بل هناك قضايا أخرى مرتبطة بجودة الرغيف بين مخبز وآخر، والتي تتحكم بها طريقة التصنيع، وقدم الآلات المنتجة للرغيف، وطريقة العجن، والتمييز بين المخابز الآلية والاحتياطية، لجهة الإصلاح وتحمل فاتورتها، والتي تشجع على السرقة، وخاصة في الأفران الاحتياطية التي يتحملها المشرف، والتي يلجأ هنا للسرقة للتعويض عما دفعه من فاتورة الإصلاح كلها أسباب مشجعة للسرقة والهدر في المادة المدعومة، وبالتالي سياسة الكيل بمكيالين هذه من أهم الأسباب المشجعة لسرقة فاتورة الدعم، إلى جانب الأسباب التي تم ذكرها سابقاً..
وبالتالي الحل هنا لا يحمل وجوهاً متعددة لمعالجة المشكلة من أساسها، مادامت المادة تحمل قانون العرض والطلب الذي يحكم قانون السوق، وعلى اعتبار أن مادة الرغيف من سلة المدعومات، وهي استهلاك يومي بامتياز، فكلما تساوى العرض مع الطلب قلّ الازدحام على المادة، أي توفير المادة في السوق، وذلك من خلال معتمدين من القطاع الخاص، أو في المراكز الحكومية التابعة لـ«السورية للتجارة»، على أن يتم مراقبتهم بصورة مباشرة من الجهات الرقابية، وفعاليات المجتمع المدني في كل حي أو حارة شعبية، وفق المخصصات الممنوحة لكل معتمد، مع دراسة حاجة كل حي من المادة، ويبقى هذا أحد الحلول. لكن الحل الأمثل لهذه المشكلة في رأينا يكمن في اتخاذ خطوة جريئة من الحكومة بتعديل سعر الرغيف بما يتماشى مع التكلفة الفعلية لإنتاجه، وتوفيره بصورة مباشرة للمواطن، مقابل توزيع مبلغ الدعم للعائلات وفق برنامج شهري، يستطيع المواطن الاستفادة منه بصورة فعلية، عندها نتخلص من كميات الهدر في المنازل، ونتخلص أيضاً من الباعة أمام الأفران، وقبلهم تجار الرغيف الذين يستخدمونه علفاً للحيوانات، وغير ذلك ستبقى المشكلة وتتفاقم أكثر، ويزداد هدر الرغيف في المنازل التي لا يستفيد منها البشر ولا حتى الثروة الحيوانية، ويبقى الخاسر الأكبر الخزينة العامة للدولة. وحتى لا نُفهم أننا نشجع على رفع سعر الرغيف.. إنما من باب تخفيف الهدر الذي يذهب لجيوب حفنة من تجار العلف، ومَنْ يستفيد مِن خلفهم..!.

شاهد أيضاً

الموافقة على إدراج بعض الأنشطة الزراعية ضمن أحكام قانون الاستثمار

استعرض المجلس الأعلى للاستثمار خلال اجتماعه اليوم برئاسة المهندس حسين عرنوس رئيس مجلس الوزراء واقع …

Call Now ButtonCall us Now