خاصّ – الخبير السوري:
لو لم يكن المزاج الاستهلاكي قد تغيّر لدى المواطن السوري نحو الاسترخاء والاستسهال لما غزتنا بضائع ” الجيران” وخصوصاً تركيا..؟؟
هي حقيقة علينا أن نسلّم بها، بعد أن اعتاد المستهلك السوري على السلعة التركيّة، في ظل حقبة الانفتاح والعلاقات الدافئة بين البلدين، والتي استغلّها التركي لممارسة سياسة إغراق سلعي، تكفّلت – بالتدرّج – بإغلاق المصانع والمنشآت السورية بسبب عدم قدرتها على منافسة سلع مدعومة تجارياً لأغراض أبعد من اقتصادية، وهذا ما ثبت خلال سنوات الحرب وانكشاف ما لم يكن بالحسبان.
” أدمن” المواطن السوري السلعة التركيّة من كل الأنواع والأصناف ” مثلاً أقلع السوريون في الريف عن صناعة البرغل و تكوين العدس والحمص والمجففات الغذائية التي كانت تحضّر في البيوت، لأن ثمة بديل تركي رخيص بات متاحاً “..والأمر ينسحب على كل المنتجات الزراعية ومنتجات الصناعة التحويليّة.
إدمان تكفّل بتأمين ديمومة للسلع التركية في الأسواق السورية حتى بعد قرارات منع دخول البضائع التركية، ومقاطعتها رسمياً في سورية، فالتهريب كان هو البديل..والمستهلك جاهز في رحلة البحث عما هو ” حلو ورخيص”.
من هنا انتعشت الممارسات التجارية التركية التي توازي الإرهاب أثراً تخريبياً..فالإرهاب ليس أمني بل يكون سياسياً أحياناً، و أحياناً أخرى اجتماعياً، لكن “الإرهاب الاقتصادي” هو الحلقة التي تستهدف كل مكونات المجتمع في لقمة عيشه ويوميات أفراده.
في مصطلح ” الإرهاب الاقتصادي”، حلّ وتفسير للغزٍ يتعلّق بحقيقة السلع التركيّة المهرّبة إلى سورية..والتي تركت ألف سؤال وسؤال عن أسباب تهاود سعرها إلى حدود أدنى بكثير من العتبات السعرية الدنيا للمنتج المحلّي..رغم الدعم الحكومي والتسهيلات المجزية التي يجري تقديمها للقطاع الإنتاجي في سورية.
ففي المسألة بعدين طويل وقصير الأمد..وفي كليهما ما يستحقّ الوقوف مطولاً وإطلاق السؤال الملح الذي هو إلى أين نحن ذاهبون..أو إلى أين تحاول تركيا الذهاب بنا؟؟؟
على المدى الطويل..لا يمكن لعاقل أبداً أن ينفي أن ثمة سياسات تركيّة ممنهجة، تجتهد لنسف البنية الإنتاجية السوريّة، ليس اليوم بل منذ سنوات طوال..أي منذ سنوات إشراع أبواب الأسواق السورية أمام المنتج التركي بشكل مقونن، ولجوء تركيا إلى سياسات إغراق حقيقية للأسواق السورية، عبر الدعم المفرض لبضائعها المتوجهة نحو أسواقنا، حتى باتت البضائع تركية المنشأ في الأسواق السوريّة، أقل سعراً بكثير من أسعارها هناك في الأسواق التركية..وقد لاحظ ذلك السياح والزائرين السوريين، الذين كانوا يعودوا ليتسوّقوا السلعة التركية من أقرب سوبر ماركت لبيوتهم..في دمشق العاصمة أو في أقاصي الريف السوري.
اليوم ومنذ بضع سنوات، ارتفعت وتيرة السّعار التركي، تجاه إجراءات الدولة السورية الهادفة إلى تعزيز البنى الإنتاجية، ودعم الاقتصاد الحقيقي، و الاجتهاد بإجراءات وقرارات مكثّفة لإحلال بدائل محليّة للسلع المستوردة ” قانوناً وتهريباً”..فمثل هذه الإجراءات تتوعد الأتراك بإلقاء سلعهم في سلال القمامة هنا في أسواق دمشق..عندما يتوفّر منتج محلّي سوري بديل، لذلك كان الخيار بإغراق الأسواق السوريّة بالسلع التركية، عبر منافذ التهريب بعد صدور قرارات رسمية في سورية تمنع استيراد البضائع من تركيا.
هنا نصل إلى المدى القصير والمباشر في سياق أسباب إصرار الأتراك على الدفع ببضائعهم إلى الدخل السوري مهما كانت الوسيلة..وبأسعار لا يمكن أن يتصوّرها عقل لتهاودها وانخفاضها..
الواقع أن أحد العارفين ببواطن الأمور..يتحدّث بما يشبه الفانتازيا التجارية، عن ممارسات الأتراك والأساليب التي يلجؤون إليها لترويج بضائعهم المهرّبة في الأسواق السورية..مختصرين كل الحلقات والأدوات التقليديّة، في الحلقة الأخيرة وهي المستهلك، الذي يجد نفسه مباشرة أمام سلعة رخيصة الثمن، قد لا يملك مقاومتها خصوصاً في ظل الضائقة المعيشيّة التي تسببت بها الحرب القذرة على سورية والسوريين.
فلماذا وصلتنا السلع التركية رخيصة إلى هذا الحد؟؟؟
سؤال طالما حاولنا التحري عن إجابة له..لكننا لم ننسى خلال مسيرة بحثنا أن تركيا ليست جمعيّة خيرية لتوزع المساعدات على السوريين المأزومين..ولم نعتد لا نحن ولا سوانا من جوار ” بلد صفر الأصدقاء” أن يعمل هذا الجار وفق أدبيات إنسانيّة..منذ مذابح الأرمن وحتى سلخ لواء اسكندرون وإلى اليوم.
المعلومات المؤكّدة – التي أوردناها في مادّة سابقة – تقول: إن الأتراك يقومون بتجميع مرتجعات كامل الشركات التركية من مختلف أشكال و أنواع البضائع ..والتي جرت التقاليد بإتلافها على حساب الشركات المنتجة والمصانع.
تجميع بقصد إعادة التهيئة للتصدير..إلى أين…إلى سورية، وقد جرى تحضير مستودعات كبرى لتجميع هذه البضائع، ليقوم عمال متخصصون بعملية ” الفتل” ..والفتل يعني إعادة تدوير مدّة الصلاحية ووضع تاريخ إنتاج جديد “طازج” ومدة انتهاء مديدة، بعدها يتم التوضيب وتحضير شحنات البضائع المعدّة للتهريب إلى سورية..أي بضائع كان مصيرها الحتمي الإتلاف، أُعيدت إلى الحياة و إلى أسواق الاستهلاك لتتحول أسواق السوريين وبيوتهم إلى مطارح للتخلص من نفايات الأتراك.
الآن انكشف حل اللغز الطويل الذي حيّرنا بالفعل نحن السورين.
وقبله انكشف سبب تهاود سعر الفروج التركي المهرّب..المتمثّل بلجوء الأتراك إلى التخلّص من الدواجن النافقة والممنوعة من التصدير بسبب مقاطعة أسواق 68 دولة كانت تستوردها، بسبب إصابتها بجائحة نيوكاسل، فكان الخيار إعادة الصعق والتجميد ومن ثم التصدير تهريباً إلى سورية ..وللأسماك حكاية مشابهة، الأسماك النافقة على شواطئ البحار التركية “المتوسط وقزوين و إيجة والأسود” بسبب الصرف الصناعي والصحّي الناتج عن كثافة المنشآت السياحيّة هناك..كلّها تجمع وتُرحّل إلى سورية تهريباً.
كل هذه المنتجات من بضائع ودجاج و أسماك..تجري معالجتها في الأراضي السورية “الساخنة” وقد ذاع اسم “سرمدا” المدينة السورية التي احتضنت كل عمليات التدليس والغش والتفخيخ و إعداد “السم في الدسم” ودفعه إلى الداخ السوري..؟!!
الآن يمسي السؤال هو..ما الحل ؟؟؟
لن نتحدّث عن إعادة إقلاع المنشآت الصناعية السورية المتوقفة، ودعم الإنتاج وتقديم تسهيلات، وسلسلة معززات يمكن استطلاعها من خلال المطالب الدائمة التي يدفع بها الصناعيون نحو أروقة القرار بل في أمرين..الأول: هو مقاطعة المواطن السوري للبضائع التركية.
والثاني: هو عودة السوريين إلى ” رشدهم الاستهلاكي” القائم على التدبير والادخار- أي المونة – مما ننتج ونذرع، ونتحدث هنا عن المنتج الغذائي، وهذا يعني أن علينا أن نذرع..فالسابقون لم يكونوا سذّجاً بل حاذقون في إدارة حياتهم ويومياته. هل يعقل أن تبقى ” الأرض ” عدو لمعظم العاطلين عن العمل الذين يأنفون استثمارها تحت عناوين واهية، أهمها الحق في الحصول على فرصة عمل حكوميّة ” وظيفة” رغم أننا جميعنا أيقن أن الوظيفة ” تمنع عنا الفقر لكنها تمنع عنّا الغنى أيضاً” كما قال: جاك ما رجل الأعمال الصيني الشهير ؟؟
أراضينا بائرة، وبيوت الريفيين استبدلت الحيوانات الأليفة المنتجة، بأخرى للهو والتسلية من كلاب وقطط وطيور لأصحاب الهوايات والتسلية !!
باختصار وبدون إطالة..علينا أن نضع أمامنا خارطة التحول من الاقتصاد الإنتاجي إلى الاقتصاد الاستهلاكي، ونعكسها ونسير فيها بشكل راجع لنصل إلى سنين الكفاية والنعمة والبحبوحة..عندها نتخلص مما هو مهرّب تركي كان أم غير تركي.