رغم اعتبارها من أدوات السياسة النقدية والمالية وحصر طرحها بالشق الاستثماري، نالت سندات الخزينة لغطاً كبيراً وهواجس فيما لو صرفت باتجاه مغاير لما تم التصريح عنه، حيث ظهر اختلاف كبير بين نظرة الاقتصاديين الأكاديميين ونظرائهم في المواقع التنفيذية، والذين يستندون إلى الأرقام والإحصائيات التي توجه البوصلة إلى أولوية تطبيق ما يلزم حسب احتياجات المرحلة التي نمر بها واحتياجات مشاريع القطاعات العامة الاستثمارية، فقد ظهر تخوف من انحراف بوصلة سندات الخزينة إلى مطارح غير استثمارية، بسبب ارتفاع نسب التضخم وعجز الموازنة، الأمر الذي أوجب بعض الإيضاح ورسم الملامح الصحيحة والآثار الإيجابية لمختلف طرق التوظيف لتلك السندات وما هي المعايير التي تم اعتمادها في الطرح الأول لها.
لا مخاوف
تتنوع خيارات توظيف سندات الخزينة فمنها الاستثماري أو الإنفاق الاستثماري أو الجاري أو الثابت، وكل منها له آثر إيجابي على الاقتصاد بحسب مدير وحدة الأوراق في وزارة المالية أنس علي الذي شدد بداية على أن الوزارة اتخذت خيارها لجهة الاستثماري الذي من شأنه دعم الإنتاج بشقيه السلع والخدمات والتي توفر جزءاً من قيمة المستوردات ويمكن أن ترفع حجم الصادرات إن كانت ذات جودة عالية، وتم التوجه إلى الشق الاستثماري بعد دراسة معظم المشاريع الاستثمارية للجهات العامة في موازنة العام الحالي وتحديد مبلغ 300 مليار في الاكتتاب الأول والثاني يمثل مبلغاً كافياً لهذه المشاريع الاستثمارية لعام 2020، وبالتالي يمكن تحفيز المشاريع الاستثمارية لدى القطاع العام والتي تساعد في الإنتاج وتعتبر أفضل طريقة للتوظيف وبالتالي الحصول على أعلى أثر إيجابي على الاقتصاد الكلي.
وبين علي أنه بعيداً عن الطرح الحالي لسندات الخزينة الذاهب باتجاه الاستثمار، فإن الخيارات الأخرى تحمل آثاراً إيجابية أيضاً على الاقتصاد، التي تستهدف الإنفاق الاستثماري أو الثابت، نافياً أن تحمل في طياتها أي تخوف في حال تنفيذها، وذلك كون السندات التي لم توظف وبقيت كتلة ثابتة ستكون بمثابة ورقة مالية تشبه شهادات الإيداع تم سحبها من السيولة الموجودة في السوق التي تشكل عبئاً على الاقتصاد وتؤثر بشكل سلبي على التضخم رغم أنه يتم دفع فوائد مالية عليها، لكن في هذه الحال تكون التكلفة المالية صغيرة على هذه الأموال قياساً بالأثر الايجابي الكبير على الاقتصاد من خلال الحد من التضخم حيث تساهم في خفض جزء من التضخم قد يصل إلى 10% وبالتالي تكون لعبت دوراً في السياسة النقدية.
لا يعول عليها..
سبق وأن ذهب بعض الخبراء الاقتصاديين إلى أولوية طرح سندات الخزينة للاكتتاب العام، لكن واقع الحال يبين أن الكتلة الأكبر من السيولة متواجدة في المصارف العامة، وبالتالي قد تكون عملية الاكتتاب العام على السندات غير مجدية في الوقت الراهن، كون السيولة الأكبر متراكمة في المصارف العامة، ونوه علي إلى أن شهادات الاستثمار التي تستهدف الأفراد مطروحة منذ زمن وبقيم مالية تتناسب مع قدراتهم – تبدأ بقيمة ألف ليرة تتجاوز قيمة السند مليوني ليرة- إلا أنها بالمجمل لا تشكل مبالغ ضخمة ولا يمكن التعويل عليها ورغم أن فائدتها تصل إلى 10%، ليكون من الأجدى استهداف السيولة المتراكمة في المصارف ولاسيما العامة وبالتالي فإن الأفراد المالكين لسيولة عالية ستكون سيولتهم بشكل طبيعي في المصارف، وبين علي أن القانون أتاح التوجه إلى أربع جهات رئيسية بدءاً من المصارف العامة والخاصة تليها شركات التأمين ثم المصرف المركزي وتنتهي بالأفراد، لذا كانت المصارف العامة والخاصة الوجهة الأولى كونها ذات سيولة أكبر وتستطيع تمويل سندات بقيمة 300 مليار، ودحض مزاحمة المصارف على توظيف سيولتها في القطاع الخاص كون السندات فسحت المجال الاكتتاب بنسبة 30% فقط، في حين يبقى ما يقارب 70% من السيولة موجهة للقطاع الخاص الراغب في الاستفادة منها، كما نفى ربط الطرح الثاني للسندات في الشهر الثامن بضعف الرؤية التمويلية للاستثمار أو عدم وضوح ماهية المشاريع المراد تمويلها، ولكن تم اعتماد طرحين كي لا يتم امتصاص كمية كبيرة من السيولة دفعة واحدة، إلى جانب عدم وجود توظيف كافي للمبلغ الكلي حالياً كونه لم يتم تحويل الآلية التنفيذية لهم، وبالتالي إيجاد توازن بين التكلفة المالية على وزارة المالية والتكلفة الاقتصادية الأهم بأقل تكاليف على وزارة المالية، وتم مخاطبة الجهات مرة أخرى كون السندات أمنت قناة تمويلية جديدة لتمويل مشاريع استثمارية قد تكون تأسيسية أو قائمة.
أدوات أخرى
وبين علي أن هناك أدوات أخرى هي أذونات الخزينة، ولكن لكونها قصيرة الأجل لم يتم التوجه إليها بالتوازي مع التوجه للاستثمار، بالإضافة إلى الصكوك الإسلامية التي تلبي فلسفة المصارف الإسلامية، وبين أنه هناك قوانين تدرس في المصرف المركزي لتهيئة البيئة التشريعية التي تساهم في تصدير الصكوك الإسلامية في حال التوجه إلى إصدارها، كما يسمح القانون بالمشتقات والتي تعتمد على قيمة العقود وهي نوع متقدم من الأوراق المالية ويمكن تنفيذها في الأفق البعيد.
فاتن شنان