أشار تقرير أعدّته لجنة القطاع المالي لدى الهيئة العليا للبحث العلمي بوضوح، إلى “أن النظام المالي والتمويلي ازداد تعقيداً وتشابكاً بتبعية المصارف العامة لوزارة المالية، وهذا يؤدّي إلى الازدواجية في القطاع المصرفي، إضافة إلى عدم تناسق وتكامل السياسات النقدية والمالية والتنموية بالشكل المطلوب، كما أنه وعلى الرغم من نمو المنتجات الائتمانية وخاصة في فترة ما قبل الأزمة إلا أنه لم يكن توجّه الائتمان نحو القطاعات التنموية وكان أغلبها يتجه نحو التجارة والقروض الفردية الاستهلاكية”..!.
تدفعنا هذه الإشارة إلى الحديث مجدّداً عن ضرورة إعادة المصارف إلى كنف وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية كما كانت في السابق، لاعتبارات عدة لعل أبرزها أن قيادة دفة القطاع النقدي والمصرفي تتطلب إمكانيات خاصة نظراً لما يضطلع به هذا القطاع من دور رئيس في تنمية الاقتصاد الوطني من خلال أداة السياسة النقدية، وتمويل الاستثمار والتشغيل في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وما يعنيه ذلك من تأمين فرص عمل جديدة وامتصاص البطالة التي تمثل عبئاً ثقيلاً على النمو الاقتصادي وخاصة بعد الدمار الذي حل بالاقتصاد الوطني بموارده البشرية والمادية والنقدية خلال سنوات الأزمة. ولا شك أيضاً أن الحاجة الملحة لإعادة بناء وتنمية الاقتصاد السوري تتطلب العمل على تطوير القطاع النقدي والمصرفي ودعم البحوث التطبيقية لتطوير هذا القطاع وتعميق دعمه لعملية التنمية بهدف الوصول إلى إطار اقتصادي معرفي معاصر..
بمعنى أنه وعلى اعتبار أن وزارة الاقتصاد معنية –وفق المهام المنوطة بها – برسم السياسات الاقتصادية للدولة، وتنسيقها مع السياسات النقدية والمالية بما يحقق التوازن الاقتصادي الكلي، وتعزيز دور القطاع العام في الصناعات الاستراتيجية والبنية الصناعية الارتكازية، وفي القطاعات الرئيسية ليكون لاعباً أساسياً في البنية الإنتاجية الوطنية، فيعني ذلك أن المصارف يجب أن تكون أبرز أدواتها الفعلية لتفعيل العملية الإنتاجية، ويأخذ هذا الطرح أهمية كبرى إذا ما علمنا أنها أنيطت بمهمة سياسة إحلال بدائل المستوردات، وبدأت بالفعل العمل بهذا الاتجاه..
وتجدر الإشارة أيضاً إلى ضخامة عمل وزارة المالية ولاسيما المتعلق بقضايا التحصيل الضريبي، ومكافحة التهرب الضريبي، إضافة إلى قطاع التأمين، والجمارك، وقضايا الرسوم المالية..إلخ، ما قد يجعل المصارف عبئاً إضافياً عليها، مع الإشارة هنا إلى أن المصارف مرتبطة إدارياً فقط بوزير المالية، أما فنياً فإنها تحت متابعة وإشراف مصرف سورية المركزي..!.
لذلك نقترح إعادة النظر بتبعية المصارف لوزارة المالية، وإعادتها كما كانت منذ عقود إلى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com