طالما تساءلنا: لماذا لا نستطيع استغلال (ونشدّد على كلمة استغلال بكل معانيها..) الظرف العالمي وتحديداً في جانبه الاقتصادي، لتحقيق تخفيض في فاتورتنا المالية والنقدية (القطع الأجنبي)، التي ندفعها سنوياً، وخاصة فاتورة استيراد المشتقات النفطية؟.
حالياً تشهد أسعار النفط انخفاضاً حاداً، يُقدّر بنحو الثلث، ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية فإن الطلب العالمي على النفط يتجه للانكماش في عام 2020 للمرة الأولى منذ عام 2009.
وعليه فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة هو: ألا يمكننا إجراء عقود عاجلة أو آجلة، لاستيراد ما نحتاج إليه من مشتقات نفطية، مستغلين الأوضاع الحالية للانخفاض الحاد في الأسعار، المتوقع انخفاضها أكثر؟.
وإذا سلّمنا، وهذا حقيقي، أن هناك عقوبات وحصاراً على سورية، وأن هناك صعوبة في التحويلات المالية، تحدُّ كثيراً من إمكانية الاستيراد “المريح”، وتأمين احتياجاتنا من المشتقات في الوقت المناسب، فهنا يأخذ تساؤلنا منحى آخر وهو: أيعقل ألاَّ يكون بإمكاننا التخفيف من مفاعيل وآثار الحظر المفروض علينا بعد كل هذه السنوات من عمر الأزمة، وخاصة أن لدينا دولاً حليفة وصديقة، تعدّ من أهم الدول المنتجة والمصدّرة للنفط، واستطاع بعضها إجهاض العقوبات الأمريكية على صادراته النفطية، إلى حدّ كبير؟!.
أما إذا كان المعيق لما نبتغيه هو عدم قدرة الدولة على تأمين الكتلة المالية اللازمة لعقود توريد المشتقات، فإننا نطرح مقترحاً مفاده: “الدفع المسبق”، أي أن يقوم المواطنون بتسديد قيمة تلك العقود للدولة بشكل مسبق، وبذلك يكون التمويل متوفراً، ومن مختلف الشرائح الاجتماعية والاقتصادية، سواء من ذوي الدخل المحدود أم من الصناعيين أو التّجار..إلخ.
إن واقع حال الأسواق النفطية وما تشهده من تراجع في الطلب، والصراع من الدول المنتجة على حصصها التصديرية في سوق الطاقة العالمي، وما تلجأ إليه لتحقيق ذلك، سواء من خلال زيادة إنتاجها أم تخفيض أسعارها، لا شك سيكون عاملاً مهمّاً يجب استغلاله إلى أبعد حدّ لإحداث خروق واختراقات في جدار الحظر النفطي المفروض على سورية والشعب السوري.
ولأن الدول المصدّرة للنفط ستتأذى من انخفاض أسعاره، فهي ستعمد بغية الحفاظ على حصتها السوقية، لا إلى عدم خفض الإنتاج فحسب، بل إلى زيادته من أجل تعويض إيرادات انخفاض الأسعار، فتنخفض الأسعار أكثر، وعلى هذا يجب أن يكون الاشتغال، ويبقى الرهان علينا، حيث يُعرف عن السوريين أنهم لا يعدمون الوسيلة.
والوسيلة هنا قد تكمن في السعر الأعلى، الذي علينا أن ندفعه، بحكم واقع الحصار والمقاطعة والحظر، لكنه سعر سيكون أقل مما كنّا ندفعه قبلاً، ما يعني توفيراً للمشتقات في الأوقات المناسبة غير الحرجة، وبالتالي تشتيتٌ لزمن الاختناقات والأزمات التي كانت تحدث، وخاصة بداية كل شتاء.
ولا بد أن يعني خفضاً لفاتورة الاستيراد، وخفضاً لفاتورة التكاليف والدعم (انخفاض فاتورة الدعم لنحو النصف وفقاً لتأكيدات خبراء..)، وصولاً إلى تحقيق خفض محلي للأسعار، ستكون له آثار إيجابية مهمة على كل الشرائح والقطاعات الاقتصادية ومخرجاتها.
قالوا: “مصائب قوم عند قوم فوائد”، فهل نستطيع أن نستفيد للتخفيف من “المصيبة” المدبّرة التي حلّت بسورية؟.
الجواب نعم نستطيع.
البعث ـ قسيم دحدل .