ناقشت الحكومة مؤخراً تقييم عمل معامل تجميع السيارات من حيث حجم الإنتاج المحقق، ومدى مناسبة أسعار البيع في السوق المحلية، والعوائد المتحققة لصالح الخزينة العامة للدولة، وجدوى هذه التجربة على صعيد الاقتصاد الوطني.
وحصلت «الوطن» على مذكرة تتضمن الاتفاق الذي دار بين كلٍ من وزراء الصناعة والاقتصاد والمالية، وفي التفاصيل نجد أنه تم دراسة واقع هذه الصناعة وفق البيانات المتوفرة، وبعد عقد عدة اجتماعات مع ممثلي كل من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية والصناعة والنقل ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ومديرية الجمارك العامة تبين أن إجمالي الطاقة الإنتاجية السنوية لمعامل تجميع السيارات في السوق المحلية يزيد على 65 ألف سيارة، تعود لثماني شركات، في حين بلغ إجمالي شهادات المنشأ الممنوحة للسيارات المجمعة محلياً من العام 2017 وحتى الربع الثاني من العام 2019 نحو 7709 سيارة.
وعن مدى مناسبة أسعار البيع في السوق المحلية، بينت المذكرة أنه تم إجراء مقارنة لأسعار بعض أنواع السيارات المحلية مع الدول المجاورة بالاعتماد على الأسعار المتوفرة على شبكة الإنترنت، وهي بحاجة إلى مزيد من التدقيق والتوسع، وقد اتضح ارتفاع أسعار السيارات المجمعة محلياً بالمقارنة مع الدول المجاورة وبأنها لا تتناسب مع دخول الشريحة الأكبر من المستهلكين، وخاصة ذوي الدخل المحدود وذلك لعدة أسباب أولها الارتفاع الفعلي لبعض تكاليف قطع التجميع بسبب ارتفاع سعر الصرف، وبالتالي ارتفاع تكلفة استيراد المكونات.
ومن جهة أخرى ارتفاع أجور النقل للمكونات وهي أعلى من أجور نقل السيارة كاملة، إضافة إلى استيفاء رسم الانفاق الاستهلاكي عند دخول المكونات وعند التسجيل أول مرة لدى مديريات النقل، وارتفاع أرباح المنشآت المحلية.
وأوضحت المذكرة أن الشريحة المستهدفة من قبل شركات التجميع عند وضع سياسة التسعير هي شريحة المستهلكين من ذوي الدخل العالي لتحقيق أرباح عالية وسريعة، مستغلين الظروف الحالية وانخفاض مستوى الدخول وعدم مقدرة أصحاب الدخل المحدود وهم الشريحة الأكبر على التفكير بشراء سيارة، ولو كان ذلك عن طريق الأقساط التي تفوق دخلهم الشهري بأضعاف، إضافة إلى الانخفاض الشديد بعدد السيارات المنتجة مقارنة مع الطاقة الإنتاجية وحجم الطلب في السوق المحلية.
وأوضحت المذكرة أنه لا يوجد رقابة حكومية على سياسة تسعير السيارات المنتجة محلياً، وكان لابد من إلزام المنتجين بضرورة أن يعكس السعر التكلفة الحقيقية مع تحقيق هامش ربح معقول، وتم تشكيل لجنة في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بهدف تحديد الأسعار المحلية والرقابة عليها، لكن اللجنة لم تتمكن من إنجاز المهمة الموكلة إليها وتوقف عملها لمعوقات من قبل المنتجين الرئيسيين.
أما فيما يخص العوائد المحققة لمصلحة الخزينة العامة للدولة، فقد بيّنت المذكرة أن إجمالي الرسوم الجمركية على مكونات السيارات المستوردة لمصلحة معامل التجميع والمحصلة لدى أمانتي جمارك طرطوس واللاذقية من العام 2017 وحتى نهاية الربع الثاني من العام 2019 قد بلغت 8.6 مليارات ليرة سورية، في حين بلغ إجمالي رسوم التسجيل المتوجبة على السيارات المنتجة محلياً لدى تسجيلها لأول مرة لدى مديريات النقل بالمحافظات وذلك وفقاً لعدد السيارات التي تم استيراد مكوناتها من العام 2017 وحتى نهاية الربع الثاني من العام 2019 مبلغ 4.26 مليار ليرة.
أما ضريبة الدخل على الأرباح الحقيقية المحققة لدى معامل التجميع وفق ما جاءت به المذكرة من العام 2011 وحتى العام 2018، فقد بلغت 600 مليون ليرة.
وعند دراسة جدوى التجربة على صعيد الاقتصاد الوطني لتقييم تجربة معامل تجميع السيارات، فكان لابد من التركيز على عدة نقاط، أبرزها عدد العمال الذي بلغ في شركات تجميع السيارات 819 عاملاً حسب ما هو وارد بالسجلات الصناعية العائدة لهذه الشركات، وعلى الأغلب ممكن أن يزداد عدد العاملين في حال قامت هذه المعامل بالعمل بطاقتها القصوى خلال الفترات، علماً بأن الواقع الفعلي يشير إلى أن عدد العمال في كافة الشركات أعلى بكثير من هذا العدد.
وحول إجمالي القطع الأجنبي اللازم لاستيراد مكونات السيارات من العام 2017 وحتى نهاية الربع الثاني من العام 2.19 فقد بلغ 71.4 مليون دولار، ما يؤكد أن هناك استنزافاً للقطع الأجنبي.
صناعة ناشئة
وأشارت المذكرة إلى أن أصحاب الشركات قدموا تبريرات توضح أن هذه الصناعة ناشئة، وقد بدأت في عام 2008 وتوقفت في عام 2011 بسبب ظروف الحرب، وتكبد المنتجون خسائر كبيرة، ومن ثم عادت للعمل في عام 2017 من الصفر حيث تم تخريب ما تم تأسيسه، ويعتبر عام 2019 عام الإقلاع الفعلي لهذه المعامل علما أن هناك رغبة من الجميع لتوطين هذه الصناعة وتطويرها.
والأهم أن الشركات العاملة حالياً (عدا شركة سيامكو) لم تصل إلى نقطة التوازن الكفيلة بالانتقال إلى نظام الصالات الثلاث بسبب عدم العمل بالطاقة الإنتاجية وضعف السوق المحلية، وارتفاع الرسوم الجمركية على الاستيراد حيث يتطلب الانتقال إلى ثلاث صالات وضع خطة إنتاجية سنوية ورفع الإنتاج بشكل تدريجي للوصول إلى الإنتاج الكافي، وإن الانتقال إلى ثلاث صالات مكلف مالياً ويتطلب أكثر من 50 مليون دولار أميركي، والمنتج سوف يصبح محكوماً بموديلات قليلة ومحددة من السيارات، ولن يتمكن من تجميع جميع الموديلات لأن خطوط الإنتاج في الصالات الثلاث لا تصلح لتجميع كل الموديلات، وفقط صالة الدهان «الصالة الثالثة» يمكن استخدامها للعديد من الموديلات، كما أن الانتقال إلى ثلاث صالات بحاجة لدعم حكومي متمثل بتقديم ضمانات بعدم فتح الاستيراد أو رفع الرسم الجمركي بعد تحقيقهم شرط الانتقال مع منحهم امتيازات تفضيلية من خلال تغطية جزء من حاجة المؤسسات الحكومية من السيارات من خلال شركات التجميع.
وأكدوا أن إيقاف منح إجازات الاستيراد بشكل مفاجئ يعرض الشركات لخسائر كبيرة لأنهم مرتبطون بعقود واتفاقات وتعهدات مع الشركات الخارجية، وعادة تثبيت الطلب مع هذه الشركات يتم لمدة سنة، إضافة إلى توقف المعامل عن الإنتاج مما يؤدي إلى تسرب العمالة الخبيرة من هذه الشركات، وهناك تخوف من تكرار إيقاف إجازات الاستيراد وعدم السماح بتعديل إجازة الاستيراد.
ولم يخف أصحاب الشركات هواجسهم حول ما تشهده السوق المحلية من انخفاض كبير في مبيعات الشركات بسبب ارتفاع سعر الصرف وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن.
ونتيجة المناقشة بين الجهات الحكومية وممثلي الشركات تم تأكيد ضرورة أن تتوافر الرغبة والإمكانية المادية لدى جميع شركات تجميع السيارات للانتقال من الصالة الواحدة إلى ثلاث صالات.
ولم يتوافر لدى أي من الشركات أي خطة مباشرة أو غير مباشرة للانتقال إلى نظام ثلاث صالات لعدم توافر الجدوى الاقتصادية في الظروف الحالية من وجهة نظرهم.
وفي النتيجة وبعد الاطلاع على واقع العمل لدى جميع الشركات تبين أن سيامكو هي الوحيدة التي تعمل بنظام ثلاث صالات، والشكل الغالب على هذه الصناعة في التجربة السورية هو صناعة ذات الصالة الواحدة وهو ما يخفض بشكل واضح من القيمة المضافة المحققة والميزات التنافسية باستثناء شركة واحدة تعمل بنظم الصالات الثلاث.
والأهم أن ارتفاع الأسعار وعدم قناعة المستهلكين بالجودة الكافية لم يساعدا هذه الشركات على العمل بطاقتها الإنتاجية المتاحة وتلبية السوق المحلي الذي في أغلبه طلب غير فعال لضعف القوة الشرائية.
اقتراحات.. ولكن
بناء على ما جاء في المذكرة تم تقديم عدة مقترحات، تبدأ بالعمل على تقريب مهلة الانتقال إلى نظام الصالات الثلاث إلى أقرب وقت ممكن، بدلاً عن 8/2/2022، نظراً لعدم وجود ما يشير إلى واقع الانتقال إلى ثلاثة صالات حتى 18 شهراً من تاريخه، وفي حال لم تقدم الشركات ما يشعر بالمباشرة بالإجراءات التنفيذية للانتقال إلى نظام الصالات الثلاث يتم وقف منح إجازات الاستيراد لمكونات السيارات لشركات التجميع على أساس الصالة الواحدة، مع الإشارة إلى تحفظ ممثل وزارة الصناعة وطلبها الاستمرار بالمهلة لغاية 8/2/2022 حسب التوصية السابقة للجنة السياسات.
وتضمنت المقترحات أيضاً السماح للشركات القائمة حالياً باستكمال خطة عملها المبرمجة مع الشركات الخارجية لاستيراد مستلزمات الإنتاج الخاصة بها، ومنحها إجازات الاستيراد اللازمة بالحد الأدنى، مع الاستمرار حالياً بتوصية اللجنة الاقتصادية لجهة حصر الاستيراد والتخليص في المرافئ السورية حصراً.
ونظراً لأهمية السيارات الكهربائية، تم اقتراح تشكيل لجنة متخصصة في وزارة الصناعة لدراسة الشروط والضوابط والمعايير لإشادة معامل صناعة وتجميع السيارات الكهربائية، علماً بأن هذه الصناعة تشهد حالياً انتعاشاً عالمياً ملحوظاً، وهي صناعة تحتاج لفنيين متخصصين لتقييم الجدوى الاقتصادية الفنية منها في ظل عملية تطورها المتسارع.
وبالنسبة لطلب بعض الشركات تعديل الغاية من المشروع لتصبح صناعة وتجميع السيارات السياحية والبيك آب بأنواعها والميني فان والباص والميكروباص وسيارات الشحن، تم تأكيد توصية لجنة متابعة البرامج والسياسات رقم 6/16 تاريخ 21/2/2018 لجهة إيقاف منح تراخيص جديدة لإنشاء شركات تجميع سيارات تعمل بنظام الصالة الواحدة بشكل نهائي.
أما بالنسبة إلى طلب بعض الشركات السماح بوضع مقاعد السيارات بشكل مؤقت ضمن هيكل السيارات بدلاً عن شحنها في حاويات خاصة لتخفيف تكاليف وأجور الشحن، تم اقتراح الاستمرار بالتعليمات الحالية، وفي حال الضرورة يمكن تشكيل لجنة من وزارة الصناعة ومديرية الجمارك العامة للدراسة والتدقيق في إمكانية المراقبة والضبط، شرط أن تكون المقاعد غير مثبتة بالكبين الداخلي، إضافة لإعداد دراسة حول طلب الشركات الذي اقترن بعدم الموافقة من مديرية الجمارك العامة؛ لإمكانية السماح بإدخال مستلزمات الإنتاج بقصد التصدير وفق شروط وقيود دقيقة تكفل عدم الخروج عن الغاية المرجوة، توضع بالتنسيق مع جميع الجهات الوصائية ذات العلاقة.
مع الإشارة إلى أنه تم الوصول إلى مسودة بيان تكلفة أولية للشركات العاملة على تجميع السيارات قدمت من إحدى الشركات، سيتم العمل على تدقيق بيان التكلفة تمهيداً لاعتماده ودراسة إمكانية معالجة الملاحظات والمعوقات المتعلقة به.