كتب وزير الاقتصاد السابق منصور بطيش في “الجمهورية”: تَتَكَشَّفُ الأرقام لتُؤَكِّد الحَقيقة المُوجِعَة: إنَّ مَجموع الدَين العام يَتجاوزُ في الواقِع ٣٠٠٪ من إجمالي الناتِج المَحَلّي، وهو أعلى مُعَدَّل في العالَم لم يَسبِق له مَثيل. هيَ الأزمَة تَتَجَلّى بأشَدِّ صوَرِها بؤساً وتؤَشِّرُ الى التَداعيات الكُبرى على حياة اللبنانيّين واستِقرارِهم الاقتِصادي والاجتِماعي. اخيراً، بدَأت الأرقام تَخرُج الى العَلَن وأمكَنَ تَجميعُها وتَحليلُها والإرتِكازُ علَيها لمَعرِفة ما ستَؤولُ اليه أحوالُ البِلاد والعِباد. ولأنَّ مِن حَقِّ الناس الوصول الى المَعلومات والحقائِق، ولأنَّ أيّ اجراءات أو حُلول للخُروج مِن الأزمة تستَدعي الإستِناد الى الوقائِع والأرقام الدَقيقة، أعرِضُ في ما يلي بَعضَ ما إتَّضَحَ الى الآن، مِن ارقامٍ ومؤَشِّرات.
وفقَ ما صَدَر رسميّاً عن وزارة الماليّة، بَلَغ حَجمُ الدَين العام ٩١،٦٤٢ مليار دولار لغاية ٣١ كانون الأول ٢٠١٩، يُضاف الَيه الإلتِزامات المُتَرِتبّة على الدَولَة، غَير المَدفوعَة، لِصالِح الضَمان الاجتِماعي (ما يُعادل حَوالي ٢،٢ مليار دولار )، ولِصالِح مؤَسَّسَة ضَمان الوَدائِع ولصالِح المُتَعهِّدين والمُستَشفيات، وتَعويضات إستِملاكات و … والمُقَدَّرة كُلّها بِحَوالي ٥ مليار دولار .
كما تُضاف خِدمَة الدَين العام للفَصل الأوَّل من العام ٢٠٢٠ بِما فيها الكُوبّونات (فوائِد نِصف سَنويّة) على مِحفَظة اليوروبوندز .
استِناداً الى كُلِّ ذلك، يُمكِن تَقدير حَجم الدَين العام راهِناً بِما لا يَقِلّ عن ١٠٠ مليار دولار، هوَ الدَين الحُكومي.
وعلى مُستوى موازٍ ، فإنَّ الأموال “المُتَبَخِّرة” مِن مَصرِف لبنان أو ما اصطُلِحَ على تَسميَتِه الفُجوَة في حِساباتِ المَصرِف المَركزي، تَبلُغ بحَسَب المُعطَيات المُتَوَفِّرة حوالي ٥٠ مليار دولار، قَد تَزداد مَع ظهورِ كامِل الأرقام الحقيقيّة ومَع مُساءَلة الحاكِم الذي لَمْ يَكشُفْ لغاية الآن عن كُلِّ الحِسابات. مَع العِلمِ أيضاً بأنَّ مُفوَّضي المُراقَبة تَحَفَّظوا عَن إبداءِ رأيٍ إيجابي (Disclaimer) بالمبادِئ المُحاسَبيَّة المُعتَمَدَة في مَصرِف لبنان مُنذ بِضعِ سَنوات.
تَكوَّنَتْ هذِه الفُجوَة، نتيجَةَ الهَندَساتِ الماليّة الإستِنسابيّة وعمَليّات السواب التي قامَ بها مَصرِف لبنان، وتَشجيعِه دَفعَ فوائِدَ بمُعَدَّلاتٍ مرتفِعَة على إيداعات الدولار، خُصوصاً لغَيرِ المُقيمين وعلى الودائِع الإئتِمانيّة، وتَغطيةً لِكُلفَةِ الكَهرَباء ولصافي العَجزِ في الميزان التِجاري.
في هذا السياق، كان مُلفِتاً للإنتِباه ما صَرَّحَ به حاكِم مَصرِف لبنان مُؤَخَّراً بأنَّه يُسَجِّل في دفاتِره حِساب overdraft بِقيمة ١٥،٥ مليار دولار يَعتَبِر بأنَّه دفَعَها عَن الدَولة ومؤسَّسَاتها، لَكِنْ مِن دونِ أن يَظهَر لهذا المبلغ مِقابِلٌ واضِح counterparty في حِسابات الدَين العام في وزارة الماليّة، ومِن دونَ أن يُصَرِّح بِها مَصرِف لبنان كَدَينٍ على القِطاع العام Loans to the Public sector حيثُ أنَّ رَصيد هذا البَند في دفاتِره هو صِفر.
ما تَقَدَّم يوصِلُنا الى الحَقيقة المُرَّة بالأرقام: إجمالي الدَين العام حاليّاً هو بِحُدود ١٥٠ مليار دولار بِما فيها فُجوَة مَصرِف لبنان !!! .
مِن حَقِّ اللبنانيّين أن يَعرِفوا كَيفَ وصَلَتْ الامورُ الى هُنا. مِن حَقِّهِم أن يسألوا ويُحاسِبوا، كَي لا تَتَكَرَّر خطيئَة إنتهاءِ الحَرب مِن دونِ مُصارَحة ومُصالحَة عَميقة حقيقيّة، ومِن دونِ تَحَمُّل المَسؤوليّات.