قبل محنة الـ”كورونا“، وقبل الأزمة المالية كان الدولار الأميركي في السوق اللبنانية موازيًا للعملة الوطنية، وكان اللبنانيون يتداولون به في أغلب الأحيان أكثر من تعاملهم بالليرة اللبنانية، وهذا ما لم يكن نجد مثيلًا له في أي بلد آخر، حيث أن التعامل لم يكن يتمّ إلاّ بعملة البلد، وكان السياح الذين يقصدون أي بلد وفي حوزتهم دولارات أميركية أو أي عملة أخرى كانوا مضطرّين لإستبدالها بعملة البلد المقصود، وهذا هو الأمر الطبيعي على عكس ما كان يحصل عندنا، إذ لم يكن السائح مضطرًّا لإستبدال دولاراته بالليرة اللبنانية، لأنه كان يدفع ثمن الخدمات التي كان يحصل عليها بالدولار، سواء في الفنادق أو المطاعم أو السوبرماركات أو حتى الدكاكين الصغيرة، وهذا ما لم يكن طبيعيًا.
وعليه فإن التأثيرات السلبية لأزمة الـ”كورونا“وقبلها للأزمة المالية التي عصفت بالبلاد كانت كبيرة على الوضعين الإقتصادي والمالي الحاليين. ويقول كثيرون أن ما بعد هاتين الأزمتين لن يكون كما قبلهما على كل الصعد، وبالأخص على الوضع المالي في البلاد، وعلى المالية العامة وعلى وضع المصارف، التي وجدت نفسها بين ليلة وضحاها خارج سياق إطارها الصحيح ولجأت إلى ما يُعرف بالكابيتال كونترول غير المقونن لإفتقادها إلى الدولارات الكافية، في هجمة غير مسبوقة من قبل المودعين، الذين خافوا على ودائعهم وأصبحوا يكدّسون ما يمكن الحصول عليه، ولو بالقطارة، في منازلهم، بعدما فقدوا ثقتهم بالقطاع المصرفي، الذي كان حتى الأمس القريب يشكّل العمود الفقري للإقتصاد اللبناني الحر والقائم على المبادرات الفردية. أما اليوم فإن كثيرين، عن حق أو عن باطل، يعتبرون أن هذا القطاع بات جزءًا من المشكلة بعدما كان هو الحل، ولفترة طويلة من الإزدهار النسبي، قبل أن تتراكم الديون على كاهل كل مكلف لبناني.
ولأن البعض يعتقد أن سياسة مصرف لبنان هي التي أدّت إلى الأزمة التي نحن فيها نتيجة السياسات المالية الخاطئة، فقد شنوا حملات مبرمجة وممنهجة على المصارف اللبنانية، وعلى حاكم مصرف لبنان، من حيث الأهداف والخلفيات والإتهامات، ومع هذه الهجمة ضاع المواطن بين ما هو صواب وما هو خطأ، وقد جاء طرح تعيين نواب الحاكم وفق منطق المحاصصة، بغض النظر عن الأسماء التي تمّ سحب فتيل تعيينها، فإن منطقًا جديدًا سيسود السياسة العامة لمصرف لبنان، بعد أن يكون قد تمّ تطويق الحاكم بنواب له يمثّلون أهل السلطة، وهذا يعني وضع اليد السياسية على السياسة المالية التي كان يتبعّها مصرف لبنان.
فعدم دفع لبنان مستحقات “اليوروبوند” أدخله في المحظور وفي لعبة خطرة، بعدما إعُتبر في التصنيفات العالمية بلدًا متعثرًا وسائرًا بقوة نحو الإفلاس، إذ لم يعد أمامه سوى السير بخطى متسارعة نحو صندوق النقد الدولي لمساعدته وفق شروط هذا الصندوق، بالتوازي مع حملة بدأها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله على المصارف وهي مستمرة، وإن خفتت بعض الشيء من ضمن تكتيك “خذ وطالب”، على أن تأخذ في المستقبل أشكالًا عدّة، ولن تقتصر هذه الحرب على سلاح واحد، بل سيتم إستعمال كل أنواع الأسلحة، كجزء من معركة الحزب على النظام الرأسمالي المتبع في لبنان، وفق ما يراه من يخالف الحزب في نظرته إلى كيفية إدارة الأمور.
وعليه، فإن الدولار الأميركي اصبح بالفعل عملة صعبة ونادرة الوجود، ويبقى على اللبنانيين الإعتياد على التعامل بالليرة اللبنانية في التبادل التجاري الداخلي، إذ لم يعد الدولار موجودًا بين ايديهم بوفرة كما كانت عليه الحال قبل الأزمات.