إذا ما حاولنا التحدث بهدوء ورويّة عن واقع الأسواق وتمردها، فإن أبسط ما يتبادر للذهن من أسباب ومسببات، في هذه الفترة بالذات، هو “جشع التجار”، بعد أن كان المتهم في فترات سابقة هو “سعر الصرف”!

وإذا ما تساءلنا عن دور وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بهذا الخصوص، فسوف نقف عند سيل من الإجابات المتعلقة بقلة عدد الكوادر، وعدم كفاءتها، وافتقادها لأبسط آليات التعاطي مع ما يكتنف الأسواق من تجاوزات لم تعد تحتمل، لا من قريب ولا من بعيد، ناهيكم عن الفساد الذي ينخر أغلب مفاصلها المتواطئة مع كبار التجار!

نعم.. التجار جشعون، لكن ما عزز هذا الجشع هي الوزارة ذاتها، من حيث تدري أو لا تدري؛ والشواهد على ذلك كثيرة جداً وسبق أن تناولنا عدداً منها في هذه الزاوية، ومنها حلقة أسواق الهال التي لم تستطع الوزارة حتى هذه اللحظة كسرها، فلا يعقل أن تتضاعف أسعار المنتجات الزراعية المنتجة محلياً بين ليلة وضحاها، دون أن يكون هناك عوامل منطقية تدفع بهذا الاتجاه؛ فسعر الصرف لم يطرأ عليه ذلك التغيير الجوهري منذ بداية العام الجاري، ومؤشر الطلب على الخضار والفواكه لم يشهد صعوداً لافتاً، والأهم أن هذه المنتجات مكدسة في حقول الفلاحين، أي أنها متوفرة وبأمس الحاجة للتصريف!

لا نعتقد أن موضوع ضبط الأسعار معقد للغاية، وتحديداً للمواد المنتجة محلياً، والتي لا تتأثر كثيراً بسعر الصرف مثل نظيراتها المستوردة، فربما يكفي – وبكل بساطة – تكثيف الرقابة الجادة، وليس “الصورية”، على أسواق الهال، والوقوف على تجاوزات سماسرته بحق الفلاح والمستهلك؛ فلا يعقل أن يصل الكغ الواحد من الليمون إلى 2000 ليرة، والثوم إلى 5400 ليرة، والبصل إلى 1500 ليرة.. إلخ.

المضحك المبكي في هذا المشهد أن مخرجات معالجة الوزارة تتجلى بمحاسبة صغار التجار، فلا يكاد يمر يوم إلا وتطالعنا الوزارة بحجم هائل من ضبوط لمخالفات وإغلاقات وإحالات للقضاء بحق المحلات المتناثرة في أصقاع الجغرافيا السورية، وكأنها هي أس البلاء، لصالح كبار الموردين لها، والذين غالباً ما يكونون بمنأى عن أية ملاحقة، مع الإشارة هنا، ومن خلال اطلاعنا على بعض فواتير عدد من المحلات الصغيرة، إلى أن أسعار المواد الموردة إليها من كبار التجار مرتفعة بالأصل!

مصدر الخبر ـ البعث .
البعث