نشرت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية تقريراً عن تعميم مصرف لبنان الأخير الذي يحمل الرقم 13221 والعنوان التالي: “إجراءات استثنائية حول السحوبات النقدية من الحسابات بالعملات الأجنبية”، معتبرةً أنّه يندرج في خانة العلامات التي تشير إلى أنّ لبنان يفك ربط الليرة بالدولار، أي سياسة تثبيت سعر الليرة عند 1507.5 مقابل الدولار.
وأوضحت الوكالة أنّ التعميم يتيح لأصحاب الحسابات المودعة بالدولار سحب أموالهم بالليرة، وفقاً لسعر السوق. وينص التعميم على أنّه “في حال طلب أي عميل لا يستفيد من أحكام القرار الأساسي الرقم 13215 تاريخ 3/4/2020 إجراء أي سحوبات أو عمليات صندوق نقداً من الحسابات أو من المستحقات العائدة له بالدولار الأميركي أو بغيرها من العملات الأجنبية، على المصارف العاملة في لبنان، شرط موافقة العميل المعني، أن تقوم بتسديد ما يوازي قيمتها بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر السوق، وذلك استناداً إلى الإجراءات والحدود المعتمدة لدى المصرف المعني… وعلى المصرف المعني أن يبيع من مصرف لبنان العملات الأجنبية الناتجة عن العمليات المشار إليها”، مضيفاً: “تبقى سائر العمليات بالدولار الأميركي التي تقوم بها المصارف مع عملائها خاضعة للسعر الذي يحدّده مصرف لبنان في تعامله مع المصارف”.
من المستفيد من تعميمَيْ “مصرف لبنان”؟
سعر الدولار سيرتفع في الأيام المقبلة.. لهذا السبب
وفي تحليلها، اعتبرت الوكالة التعميم بمثابة الإشارة الأخيرة الدالة إلى أنّ السلطات اللبنانية تتخلى عن سياسة تثبيت الليرة المتبعة منذ عقود، مشيرةً إلى أنّ الدولار يُباع بـ3200 ليرة في السوق السوداء.
وفي السياق نفسه، ذكّرت الوكالة بتعميم المصرف المركزي الذي استهدف أصحاب الحسابات التي يبلغ أقصاها 3 آلاف دولار، معتبرةً أنّ مصرف لبنان اتخذ آنذاك خطوته الأولى في مسار فك ربط الليرة بالدولار؛ فبموجب التعميم المذكور أتيح للمصارف إغلاق الحسابات التي تقل عن 5 ملايين أو 3 آلاف دولار بسعر السوق (2600 ليرة للدولار). يُذكر أنّ المركزي منع المؤسسات المالية غير المصرفية التي تستقبل تحويلات إلكترونية من أن تدفع بالدولار، إذ فرض عليها دفعها بالليرة، استناداً إلى سعر السوق أيضاً.
من جهتهم، يحذّر الخبراء من خطورة تعاميم المركزي، إذ يتخوفون من حصول تخضم مفرط “hyperinflation” من شأنه أن يودي بقيمة الليرة الشرائية إلى الحضيض. وينبّه الخبراء أيضاً من ارتفاع الطلب على الدولار، وبالتالي ارتفاع سعره أكثر.
وعلى مستوى الـ”هيركات”، يؤكد الخبراء أنّه بموجب التعاميم الأخيرة سيخضع اللبنانيون لـ”هيركات”، موضحين أنّ الفجوة بين سعر الصرف المعمول به لدى مصرف لبنان والمصارف والمقدّر بـ1515 ليرة، وبين السعر الفعلي في السوق السوداء المقدّر بـ3200 ليرة تفوق الـ 115%؛ باتت ورقة المئة دولار تساوي 320000 ليرة لبنانية بعدما كانت تساوي 150 ألف ليرة فقط.
وفي هذا الإطار، حذّر الصحافي الاقتصادي محمد وهبة من تجاوز سعر صرف الليرة في السوق السوداء “3 آلاف ليرة أو 4 آلاف ليرة أو 5 آلاف ليرة أو ربما أكثر”، متوقعاً أن يعمل المصرف المركزي على “طبع المزيد من الليرات لإمداد المصارف بسيولة تكفي لتسديد الودائع”. ويضيف وهبة في تحليله: “المودع سيدفع الثمن مباشرة عبر “هيركات” مباشر على وديعته يمثّل الفرق بين سعر الصرف السوقي المحدّد من مصرف لبنان بقيمة 2600 ليرة، وسعر الصرف الفعلي في السوق البالغ 3250 ليرة. نسبة الهيركات ستبلغ 20% وربما تزداد مع الوقت، بما أن الليرات المسحوبة من المصارف ستشكّل طلباً إضافياً على الدولار، ما يؤدي إلى ارتفاع إضافي في سعر الصرف”.
بدوره، اعتبر الاقتصادي ورئيس مجلس إدارة FFA Private Bank، جان رياشي، عملية تحويل الودائع بالدولار إلى الليرة أو “لولرة الودائع” أسوأ طريقة لحل مشكلة الخسائر؛ يتضمن “برنامج الإصلاح الحكومي” توزيعاً لخسائر إجمالية بقيمة 83 مليار دولار سيتحملها مصرف لبنان والمصارف ودافعو الضرائب. وتُقدّر الخسائر المتراكمة في ميزانية مصرف لبنان بالعملات الأجنبية بـ 42.8 مليار دولار، بحسب اللجنة الحكومية والمستشار المالي “لازار”. وتوقع رياشي أن يتأثّر المجتمع اللبناني ككل بهذا القرار، منبهاً من أنّه “سيحول دون حصول تعافي اقتصادي فعلي”. وأكّد رياشي أنّ السياسيين اللبنانيين يرفضون الحلول الحقيقية، مشيراً إلى أنّهم يدّعون حرصهم على أموال المودعين. وشدّد رياشي على أنّ “لولرة” الودائع تعني أن نسبة الـ”هيركات” ستكون مرتفعة جداً وتقضي على فرص تعافي الاقتصاد.