عالمياً ومحلياً تم البدء بإجراءات عودة العمل الاقتصادي بعد أزمة (كورونا المستجد) وهو ما يمكن ان نسمية الاستيقاظ الاقتصادي وهو تعبير جديد يعاكس ما سبقنا أن تحدثنا عنه في حديث سابق وهو (السُبات) الاقتصادي الذي مرَت فيه أغلب دول العالم نتيجة الجائحة الاخيرة إلا أن الاقتصاد السوري ستكون متطبات الاستيقاظ مضاعفة بعد أزمة سابقة مر بها منذ عام 2011 وأزمة مستجدة منذ ثلاثة وينبغي أن يكون الانتعاش المرتقب سريعاً ومستحدثاً وبادوات جديدة غير تقليدية. هذه الأزمات أدت لحالة غير مسبوقة من التضخم الركودي ولتراجع كبير في الناتج المحلي الإجمالي ولمعدلات نمو سلبية ولحدوث ارتفاع كبير في الأسعار ولتراجع في الدخل الفردي ولتقلص للطبقة الوسطى الحامل الرئيسي للتنمية. ويبرز اليوم الحاجة الملحة لإعادة تحريك مفاصل الاقتصاد السوري والاعتماد بصورة أكبر على المحركات الذاتية للنمو الاقتصادي من خلال تفعيل السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية وتعظيم القيم المضافة للقطاعات الاقتصادية الرئيسية. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال التركيز على السياستين المالية والنقدية وتفعيل أدواتهما الرئيسية المتمثلة في تمويل عملية التعافي والانتعاش الاقتصادي التي بدأت تشهدها أغلب القطاعات الإنتاجية. والملاحظ حتى الآن عدم الاستفادة من الحجم الهائل للإيداعات المصرفية في تحقيق تمويل المشاريع الاستثمارية وتمويل مشاريع البنية التحتية بجميع أشكالها، ويمكن وصف الحالة السورية بالسياسة الانكماشية الحذرة رغم الحاجة الملحة لتحريك العمل الإنتاجي والخدمي، وتلعب أسعار الفائدة الدور الأكبر في تحقيق معدلات خصم مشجعة للتدفقات النقدية بحيث تكون القيم الحالية في حالتها الموجبة. إن الدور السلبي الذي يلعبه تأرجح سعر الصرف والتراجع الكبير لقيمة العملة المحلية يجعل من المضاربة في العملة الجانب الأكثر ربحية للاسف في الوقت الحالي واستمرار هذه الحالة سيؤدي مع تراجع الاستثمار في أسهم الشركات المدرجة في البورصة إلى توجه الاستثمارات نحو العملة الأجنبية وإلى العقارات والأراضي والمعادن الثمينة وهي حالة غير مجدية بالنسبة للاقتصاد السوري ونضرة أيضا . ولكسر هذه الحلقة المفرغة المتزايدة مع كل تراجع في قيمة العملة المحلية فإن اعتماد أسعار فائدة مشجعة لتسليف الاستثمارات المنتجة سيكون الحامل الرئيسي لعملية الانتعاش المطلوبة. إن الدور الذي سيلعبه الاستثمار المنتج في قطاعات الاقتصاد الحقيقي (زراعة – صناعة- خدمات-تصدير- …) سيغطي جميع الخسائر الناجمة عن فروقات أسعار الفائدة الدائنة عن المدينة. إن معادلة النمو الاقتصادي الجديدة تعتمد في صورتها الأساسية على الاستغلال الأمثل لرأس المال مع إدخال عامل الريادة والتقانة في هذه المشاريع وسيؤدي مضاعف الاستثمار لتحقيق فورة تنموية غير مسبوقة. إن استمرار وجود كتلة كبيرة من رؤوس الأموال المدخرة والمجمدة في الأقنية المصرفية وغير المصرفية بمثابة تعطيل لدورة العمل الاقتصادي وإلى حدوث حالة مستمرة من الركود لدى أوساط الأعمال والمنتجين. ومن هذا المنطلق التحليلي فإن التمويل الذي يجب أن تلعبه جميع المصارف العامة والخاصة والإسلامية سيكون المحرك الأساسي لعملية الانتعاش وفق الاتجاهات التالية: 1. تشجيع تأسيس الشركات المساهمة العامة التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام لامتصاص فائض الادخارات الفردية التي يملكها الأفراد والتي تذهب حالياً للاكتناز والمضاربة في الذهب والدولار والعقارات. 2. التركيز على تمويل المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة التي تتناسب مع نسيج المجتمع السوري والتي لا تلقى حالياً أي دعم تمويلي أو ضريبي رغم قدرتها على خلق قيم مضافة سريعة المردود وربحية مرتفعة ومرونة كبيرة على صعيد التكاليف المتغيرة. 3. البدء الفوري بطرح مشاريع البنية التحتية التي تحتاجها عملية إعادة الاعمار للاكتتاب العام على شكل شركات مساهمة عامة (مرافئ – مطارات- طرقات سريعة- سكك حديدية- طاقات متجددة- …). 4. رفع معدلات الفائدة على القروض الاستهلاكية غير المنتجة لتغطية الدعم المطلوب للتمويل الإنتاجي. 5. خلق بيئة تشريعية ومصرفية ومالية داعمة لعملية التمويل المطلوبة لجميع فروع الاقتصاد السوري. 6. التركيز على إنشاء صناديق ومؤسسات للإقراض الصغير ومتناهي الصغر لتمويل المشروعات الصغيرة بضمانة الفكرة. 7. تحويل المعونات والهبات الإغاثية الدولية لمشاريع استثمارية ذات استمرارية وحضور في الساحة الاقتصادية. 8. تنشيط ودعم التمويل التأجير أو الإجارة المنتهية بالتمليك عبر شركات ومؤسسات جديدة. 9. تشجيع إنشاء صناديق استثمارية ومؤسسات تمويل رأس المال المبادر أو المخاطر وملائكة الأعمال. 10. إيجاد الآلية المناسبة لتشجيع البنوك الإسلامية على تمويل عمليات الاستصناع والاستزراع والمضاربة ووقف النقود بالإضافة للمرابحة. 11. استثمار فوائض مؤسسات التأمينات الاجتماعية والنقابات والغرف في إقامة شركات مساهمة تطرح أسهمها للاكتتاب العام في مشاريع صناعية وخدميةوطاقات متجددة. 12. إعادة هيكلة هيئة دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتكون الحاضن الأساسي لهذا النوع من المشروعات. 13. الإسراع بتشغيل مؤسسة ضمان قروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتكون الحامل الأساسي لهذه المشروعات. 14. المساهمة في إنشاء صيغ جديدة للمشاركة الأهلية عبر جمعيات تعاونية استثمارية مجتمعية. 15. الاستفادة من استثمارات شركات التأمين العامة والخاصة وتحويل ودائعها إلى مشاريع استثمارية حقيقية. إن الفرص الكبيرة التي سيخلقها مضاعف الاستثمار على مستوى الاقتصاد السوري ستفوق بكثير نقاط الفائدة المشجعة التي ستمنحها الأدوات المصرفية. إن إطلاق حركة الدماء الجديدة للاقتصاد السوري عبر التمويل الداخلي والاستفادة من الكتلة النقدية التضخمية سيكون صمام أمان حالة الانتعاش الاقتصادي المطلوبة لما بعد الأزمة.
دمشق في 6/5/2020.
كتبه: د. عامر خربوطلي العيادة الاقتصادية السوري
شاهد أيضاً
الموافقة على إدراج بعض الأنشطة الزراعية ضمن أحكام قانون الاستثمار
استعرض المجلس الأعلى للاستثمار خلال اجتماعه اليوم برئاسة المهندس حسين عرنوس رئيس مجلس الوزراء واقع …