في خضم ليلٍ حالكٍ مظلم متلبد بغيوم التخلف الداكنة كان لابدَّ أن ينقشع السحاب وتذهب ريحه وتتسلل من وراءه خيوط شمس الحضارة والتنمية الذهبية.
أذكر تماماً هذه المقدمة ومازالت أحفظها وهي التي كانت مقدمةٌ لإحدى وظائف مواضيع التعبير في المرحلة الثانوية منذ ما يقارب (الأربعين عاماً).
هل الاقتصاد بعيد عن جماليات اللغة العربية ولماذا لم نشهد نظريات اقتصادية من مفكرين عرب ولم تشهد أدب اقتصادي مثلاً أنه تساؤل يبدو غريباً وجديداً ولعل الإجابة عليه تكمن في التاريخ والجغرافيا فالتاريخ كان في مصلحة دول الغرب عندما بدأت الثورة الصناعية الأولى وصعود نجم البرجوازية الأوروبية وبدء تبلور النظام الرأسمالي وما واجهه لاحقاً من أدبيات ونظريات الفكر الاشتراكي ومن الجغرافيا نجد أن أغلب بلداننا العربية كانت غير مستقلة في مرحلة سطوع عصر الصناعة ونظريات الاقتصاد الحديثة وكانت أسواقها رغم عراقتها وقدمها أقرب للأساليب البدائية القديمة في البيع والشراء فعلم الاقتصاد علم اجتماعي يسعى إلى تحليل ووصف الإنتاج والتوزيع والاستهلاك والثروة وكلمة (اقتصاد) مشتقة من الكلمة اليونانية (اوكيوس) (okios) وتعني الأسرة والعائلة والحوزة ومن ثم أصبحت بمعنى إدارة شؤون الدولة وذلك قبل (400) عاماً قبل الميلاد.
أما في معاجم اللغة العربية فإن كلمة (اقتصاد) فهي مصدر (اقِتصد) أي يحاول الاقتصاد في معيشته أي الادخار وعدم التبذير.
(واقتصد) فعل اقتصد اقتصاداً فهو مُقتصِد والمفعول مُقتصَد.
اقِتَصَدَ في نفقته، صرف بحسابٍ ودقة، ووفرّ، وادخرَّ ويقتصد في أمره لا يفرط فيه واقتصَدَ فلانٌ، كان غير نحيف وغير جَسِم، واقتصَدَ الشاعر واصل عمل القصائد.
وقصَدَ الشيء قطعه قِصَداً.
وقصَدَ المكان توجه إليه عامداً.
وقَصَدَ من حديثه عنى.
ما نستنتجه أن كلمة اقتصاد في اللغة العربية احتوت جميع أهداف وغايات علم الاقتصاد وتنوعاته.
ولكن هل يقبل علم الاقتصاد فنون وزركشات اللغة العربية بالطبع يقبل كل ذلك إذا كان محل الهدف والغاية وإلا لكان ذلك طائل مالا طائل له، وإدخال العام في الخاص والخروج عن الأحكام والمعاني المستهدفة.
شمس التنمية لابد أن تشرق على بلدنا الغالي وغيوم الأزمة القاسية عبرَتْ إلى غير رجعةٍ، ودِفء مرحلة التعافي والانتعاش الاقتصادي قادمة بلا شك، وثمار الزراعة والصناعة والتجارة أينعت وحان قطافها وستملأ بلدنا الغالي خيراً فوق خيرات ونعمةً فوق نعم، وينابيع مستمرة في الموازين التجارية والخدمية وعملة محلية محبوبة وأكثر استقراراً.
إنها لغتنا العربية التي نعتز بها ونفتخر وأنه اقتصادنا الوطني الذي به ننمو ونتطور.
دمشق في 17/6/2020.
كتبه: د. عامر خربوطلي
العيادة الاقتصادية السورية