الوطن
إن استمرار سياسة الدولة بدعم سلعة كمادة القمح مثلاً هو نتيجة طبيعيـة لاضـطلاع الدولـة بتوفير هذه السلعة مـن خـلال سياسـات زراعيـة شـجعت الإنتـاج المحلـي بشكل كبير عن طريق تسعير القمح المنتج محلياً، والـذي تقـوم بشـرائه مـن المـزارعين بسعر مجز، بـل إن الدولـة أقامت مطـاحن لإنتـاج سـلعة الـدقيق للمستهلك بشكله النهائي، ولا شـك أن تلـك السياسـات أدت خـلال سـنوات ماضية إلى الاكتفـاء المحلـي مـن القمـح، لكن تغيرات الظروف المناخية وما تركته الحرب على سورية وخروج مساحات من دائرة الزراعة قد أثرت سلباً في الإنتاجية ومقدارها، وهنا تم الاتجاه نحو الاستيراد لتعويض النواقص من المادة والبقاء في الاستمرار في سياسة الدعم بتأمين مادة الخبز للمواطنين بأقل التكاليف الممكنة على أن تتحمل الخزينة أي فوارق سعرية مستجدة على أسعار شراء مادة الدقيق، وهذا ما حصل ويحصل، حيث استوردت الدولة عن طريق المؤسسات المختصة كميات كبيرة من القمح لزوم الخطط الإنتاجية للمطاحن ومن ثم توفير الدقيق التمويني للمخابز العامة والخاصة، والتي تشغلها لمدة سنة من تاريخه حسبما أفصحت عنه المؤسسات المعنية مؤخراً.
خلال الموسم الزراعي الحالي رفعت الحكومة أسعار استلام القمح من المزارعين إلى 900 ليرة للكيلو غرام الواحد، بعد أن كانت 475 ليرة للكيلو الواحد وجاءت هذه الزيادة تشجيعاً للفلاحين لتوريد كل حبة قمح، ومع ارتفاع الأسعار القمح في البورصات العالمية وقلة الإنتاج المحلي، فالخزينة العامة تتحمل أعباء ثقيلة في ظل ارتفاع الأسعار عالمياً، فمثلاً تكلف الربطة الواحدة من الخبز نحو 1065 ليرة سورية، وحسب المؤشرات الرسمية فإن استهلاك الشريحة الكبرى من الأسر السورية من مادة الخبز يتراوح بين ربطة واحدة إلى ربطتين يومياً، ما يعني أن معظم الأسر السورية تدفع بين 3000 إلى 6000 ليرة شهرياً ثمناً للخبز العادي المدعوم من الدولة، وتصل تكلفته على الدولة بين ٣0 ألفاً إلى ٦0 ألف ليرة سورية شهرياً ثمناً للخبز المدعوم، للأسر التي تستهلك فقط ربطتين وأقل. وتبين الأرقام الصادرة عن الإدارات المعنية بالخبز أن تكلفة إنتاج الربطة الواحدة من الخبز تصل اليوم إلى 1065 ليرة، وبهذا فإن خزينة الدولة تدعم الربطة الواحدة حالياً بحوالي 965 ليرة سورية، وبما أن الإنتاج اليومي ما بين القطاعين العام والخاص يبلغ 5 ملايين ربطة خبز فهذا يعني أن الدعم اليومي المقدم من الدولة يبلغ 4,8 مليارات ليرة يومياً. وقد تصل القيمة الإجمالية للدعم المخصص لمادة الخبز هذا العام بعد ارتفاع الأسعار للأقماح المستلمة محلياً وأسعار البورصات في الأسواق العالمية إلى ١٣٠٠ مليار ليرة سورية بدلاً من ٧٠٠ مليار كانت معتمدة في موازنة عام ٢٠٢١.
وتأتي هذه الزيادة الكبيرة نتيجة ارتفاع أسعار القمح المستلم من الفلاحين هذا الموسم من 475 ليرة للكيلو الواحد إلى 900 ليرة ما يعني زيادة في تكلفة تصل إلى 89.4 بالمئة، وهي زيادة ناجمة فقط عن تغير تكلفة بند واحد من أصل 15 بنداً تدخل في تكلفة انتاج الخبز، إلا أن ارتفاع الأسعار وكلف الإنتاج نتيجة الحصار الاقتصادي.
وبمقارنة بسيطة مع أسعار الخبز السياحي الذي قدر سعر الكيلو الواحد منه بـ1700 ليرة و2250 ليرة لكيلو الصمون يتبين بشكل واضح العبء الكبير الذي تتحمله الدولة في دعم الرغيف التمويني المقدم للمواطن ناهيك عن الارتفاع الكبير الذي شهدته أكياس النايلون أيضاً.