تحقيق منال صافي – سيرياستيبس
ارتفع سعر الدواء، ووقفت وزارة الصحة بين أمرين أحلاهما مرّ، فإما الموافقة على مطالب أصحاب المعامل الدوائية بزيادة الأسعار مقابل استمرار الإنتاج، وإما اللجوء إلى البديل المستورد وهو الذي يقصم ظهر الخزينة من جهة نظراً لاستنزاف القطع الأجنبي، ويرهق كاهل المواطن الذي بالكاد يؤمن احتياجاته المعيشية ضمن ظروف الحصار الاقتصادي المفروض على بلادنا من جهة أخرى .
لضمان الاستمرار
يشرح الصناعي زياد أوبري واقع الحال قائلاً: لا يمكن للمعامل أن تستمر بإنتاج أصناف دوائية خاسرة، وحتماً سيكون البديل هو المستورد، لذلك فالتعديل الأخير على الأسعار كان ضرورة لضمان استمرار توفر الأصناف المقطوعة، لافتاً إلى أن هناك أدوية مستوردة يصل سعرها لحوالي 10000 ليرة ولكن عندما تتوافر محلياً ومهما بلغت الزيادة الأخيرة على أسعارها تبقى أقل بـ5-7 أضعاف من قيمتها فيما لو كانت مستوردة.
وأضاف: في بداية جائحة كورونا، كان المرضى يخضعون لحقن لمعالجة الالتهابات وصل سعرها لما يقارب 200 ألف ليرة وكانت متوافرة عن طريق التهريب حصراً وليس لها بديل محلي، و لكثرة أعداد المهربين انخفض سعرها لما يقارب 40 ألف ليرة ثم توفرت عن طريق الاستيراد النظامي بسعر 30 ألف ليرة، لافتاً إلى أنه في حال تم تصنيعها محلياً فلن يتعدى ثمنها 8000 ليرة، مرجحاً أن سبب وصول أسعار بعض الأدوية في التعديل الأخير لما يفوق 50 ألف ليرة هو دخول أصناف دوائية مكتشفة حديثاً.
صعوبات الحصار الجائر
وأشار أوبري إلى الصعوبات التي تواجه معامل الأدوية وهي الحصار الأمريكي الجائر وتبعاته المتمثلة بصعوبة تحويل الأموال إضافة إلى أن بعض الشركات أحجمت عن البيع لسورية وحرم المستوردون من تسهيلات الدفع والميزات التي كانت تمنح من قبل هذه الشركات وتم اللجوء إلى الوسطاء فأصبحوا يتحكمون بالمصنّعين من خلال فرض عمولات تتراوح ما بين 5-7%.
وأوضح أن المصرف المركزي يقوم بتمويل المستوردات ويقدم التسهيلات ضمن الإمكانات المتاحة ولكن نسبة تمويله للمنتج الدوائي بشكله النهائي لا تتجاوز 15% من قيمته الحقيقية فهو يغطي استيراد المادة الفعالة وبعض المواد المساعدة والسواغات فقط، أما الغلاف الخارجي لعلبة الدواء المصنوع من الكرتون فيتم شراؤه محلياً بالليرة لكن صاحب معمل الكرتون بدوره يستورد المواد الأولية الداخلة في صناعته ويحتسب السعر حسب سعر الصرف كذلك الأمر بالنسبة لأكياس النايلون.
وبيّن أوبري أن آلية التمويل وربط التاجر والصناعي مع شركات الصرافة تسببت برفع سعر المنتج، إذ تتقاضى هذه الشركات عمولة تصل إلى 45% من القيمة الإجمالية لتكلفة المواد المستوردة، ما يضطر صاحب المعمل لتغطية هذا الفارق من السوق السوداء. لافتاً إلى أن الحرب على سورية أفرزت فئة منتفعة تسلقت على أكتاف الصناعي والتاجر الذي يرغب باستمرار الإنتاج من جهة، والمواطن الذي صمد وتحمّل تبعات الحرب من غلاء معيشة وصعوبات حياتية، مطالباً وزارة الصحة باتخاذ قرارات جريئة لمعالجة هذا الواقع.
لا مبرر للانقطاع بعد الآن
بما أن الصيدليات على تماس مباشر مع المريض، فقد عدّوا أن هذا القرار له أثار إيجابية وسلبية، يقول الصيدلاني يوسف زمزم: ارتفاع الأسعار له أثر إيجابي يتمثل بتوفر الأصناف الدوائية المقطوعة و لم يعد هناك أي مبرر لأصحاب المعامل الدوائية بعدم إنتاجها بعد التجاوب لمطالبهم برفع أسعارها تحت ذريعة الخسائر التي يتكبدونها، أما الجانب السلبي فيتمثل بضعف القدرة الشرائية للمواطنين، لافتاً إلى أن نسبة أرباح الصيادلة ثابتة وتمثل 20% و الارتفاع الأخير سيشكل مردوداً مادياً للصيادلة لكنه لا يذكر قياساً بصعوبة الأوضاع المعيشية في البلاد.
وأشار إلى أن الأدوية التي انقطعت خلال الفترة الماضية هي أدوية الاكتئاب والصرع والأدوية الهرمونية إضافة إلى بعض أصناف المضادات الحيوية و البدائل الوطنية حين توفرها تبقى أقل سعراً بكثير من الأجنبية.
أما الصيدلانية تسنيم العودات فأشارت إلى أن ما يهم الصيدلي هو توافر الأدوية لديه وبأن أدوية الصادات الحيوية التي شهدت شحاً خلال الفترات الماضية كانت تباع في بعض الصيدليات بسعر حر أكثر من سعرها النظامي بـ 3 أضعاف، لكن بعض الصيادلة رفضوا شراءها بالسعر الحر وأضافت أن هذا الأمر مزعج بالنسبة للصيدلي والمواطن.
مشاهدات
في اليوم ذاته الذي صدر فيه قرار تعديل الأسعار، على الفور أغلقت عشرات الصيدليات ريثما يتم توزيع نشرة الأسعار الجديدة، وذلك في نية لدى البعض بتحقيق مكاسب مادية من فارق أسعار بين الأصناف المتواجدة على رفوف هذه الصيدليات منذ أشهر والأصناف الجديدة حيث يتم احتسابها على السعر الجديد، كذلك دخل مواطنون لشراء أدوية لكنها لم تكن متوافرة وأكدوا أنهم بحثوا عنها بأكثر من 10 صيدليات ولم يجدوها.
المتضرر الوحيد
يبقى المواطن هو الحلقة الأضعف في هذه السلسلة، فارتفاع الأسعار الجنوني الذي تشهده المواد الغذائية ومتطلبات الحياة والذي يتزامن مع انخفاض الدخل الشهري لم يجعله يتلقى نبأ ارتفاع أسعار الأدوية بارتياح، يقول المواطن هيثم حمود: راتبي التقاعدي لا يتجاوز الـ 50 ألفاً واحتاج شهرياً إلى أدوية بقيمة 120 ألف ليرة و تحتاج زوجتي لأدوية بـقيمة 40 ألف ليرة متسائلاً: عندما تتخذ قرارات الرفع هل يغيب عن ذهن المعنيين هذا الأمر؟
أما سهام دلول فأكدت أنها توجهت إلى الطبيب بسبب شكوى في العمود الفقري وكتب لها وصفة طبية وتفاجأت في الصيدلية أن ثمنها يتجاوز 30 ألف ليرة فمزقتها ولجأت إلى الطب الشعبي ووصفات الإنترنت.
من زاوية أخرى
البعض رأى في تهديد أصحاب المعامل ووعيدهم بالإغلاق في حال لم توافق الصحة على مطالبهم بزيادة الأسعار وسيلة ابتزاز لزيادة أرباحهم، فأصحاب المعامل طالبوا برفع الأسعار ولم يطالبوا بإجراءات تخفض من تكلفة إنتاجهم كإعفاء المواد الأولية لتلك المعامل من الجمركة وتخفيض الضرائب، مؤكدين أن زيادة الأسعار لن تحل المشكلة بل ستفاقمها، وعلى الصحة مراقبة أصحاب هذه المعامل من خلال طلب الكشوفات الحقيقية لتكلفة المنتج وجودته، بينما تحدث آخرون عن عدم الرضوخ لمطالبهم خاصة أنهم قبل الأزمة حصلوا على امتيازات وتسهيلات وحققوا- ولايزالون – مرابح خيالية.
في المقابل يدافع البعض عن هذا القرار ويرى أن الأهم هو توافر الدواء لأن الأدوية المستوردة تستنزف القطع الأجنبي، وأن سعر أي مادة غذائية منذ بداية الحرب على سورية حتى اليوم ازداد عشرين ضعفاً على عكس الأدوية التي لم تشهد هذه الزيادات الكبيرة وإن المشكلة في تدني الأجور وليس في سعر الدواء الوطني.