سورية الآن
صحيح أن سنوات الحرب على سورية فعلت فعلها القاسي في مختلف القطاعات، لكن الصحيح أيضاً لم نحسن أبداً في “زمن البحبوحة” هيكلة وإدارة تلك القطاعات، حيث غابت الخطط والاستراتيجيات الفاعلة، وخاصة خطط طوارئ للطارئ من أزمات متوقعة قد تحصل وحصلت، فكانت النتيجة أن أصبحنا أمام تحديات كبرى لم نقم بالواجب الاستعداد له، وبالقدر الذي تتطلبه منا المسؤولية الوطنية.
أمن الطاقة وتحديداً الكهربائية هو اليوم أمام تحد قاس جداً، وفقاً لما سمعناه وفهمناه من مصدر مسؤول في وزارة الكهرباء، فهناك تخوف كبير من عدم قدرة القطاع على تلبية متطلبات الطلب على الكهرباء ولو في الحدود الدنيا، نتيجة لواقع عدد من محطات التوليد التي انتهى عمرها الاستثماري وبالتالي جدواها الاقتصادية، حيث تعني محاولات الإبقاء عليها حية كلفا تشغيلية وصيانة وتعمير باهظة ومكلفة مادياً تصل إلى مليارات الدولارات..!؟
تشغيل جائر
وعلى حد تأكيد مصدرنا، فإن وضع محطة توليد بانياس – مثلاً – كارثي، ولو كان القرار بيده لما صرف على عمليات الصيانة فيها دولاراً واحد، إذ تجاوز عمرها الـ 44 عاماً، ناهيكم عن وضع من وصفهم بالأبطال من العمال الذين يعملون في ظروف عمل ضاغطة، نتيجة لما آلت إليه تجهيزاتها من وضع تشغيل مترد..!.
كذلك وضع محطة تشرين الحرارية العاملة على الفيول، والتي أكل الدهر عليها وشرب، ومهما كانت محاولات صيانتها فلن ترجع بأدائها إلى الحد الذي يمكن قبوله، مقارنة بالكلف الكبيرة التي تنفق على ذلك والمقدرة بـ 50 مليون دولار..!.
واقع محطات توليد يرثى له، وما يفاقم وضعها سوء التشغيل الجائر لها، الأمر الذي قد يؤدي لخروجها من منظومة التوليد ويفقدنا إياها، وبالتالي يفقدنا إنتاجا من الكهرباء نحن في أمس الحاجة أليه مهما بلغ..!.
فعلا خطيرة
ولفت المصدر إلى قضية خطيرة جداً برأينا، وتتمثل في أننا وعندما عملنا على إعداد كوادر متخصصة في الصيانة، لم نقم بإعدادهم وتدريبهم على الصيانات الأساسية والكاملة، بل كان الديدن الصيانة وفق طريقة “تسكيج بتسكيج”، ما حرم هذا القطاع من أن يمتلك كل المؤهلات التي تمكنه من القيام بما يجب إجراؤه على أكمل وجه..!؟
حقيقة مظلمة
ويضيف أن محطة التوليد بحاجة لعمرة كاملة كل خمس سنوات (أي كل 60 ألف ساعة عمل)، أما الصيانة فتحتاج لمدة شهرين كل سنة، وعليه نسأل: إذا كان حال احتياج المحطات الجديدة نسبيا من العمرة والصيانة هكذا، فماذا نقول في حالة المحطات المستنفذ عمرها الاستثماري؟ وكم هي كلف تعميرها مجدداً وصيانتها؟ ناهيكم عما يعنيه وضعها الفني من انعكاس سلبي على الكلف التشغيلية نتيجة لقدمها وانتهاء عمرها الاستثماري..؟!
لن نخوض في حساب التكاليف وما تحتاجه مثل تلك المحطات من مبالغ وبالقطع الأجنبي، لدرجة كدنا لا نصدق عند سماعنا لأرقامها، لكن السؤال الذي يلح بالطرح هو: ما الحل في ظل تلك المتطلبات المالية الباهظة التي يحتاجها قطاع هو حقيقة عصب الحياة والاقتصاد والصناعة.. إلخ ؟!.
كلف باهظة
بالمجمل، يحتاج قطاع الكهرباء لـ 15 مليار دولار (توليد ونقل وتوزيع) حتى عام 2030، كي يكون قادراً على تأمين الطلب على الطاقة الكهربائية، وهذه الـ 15 مليار دولار، هي كلف تأسيسية، غير مُتضمنة للتكاليف التشغيلية..!.
فعلى سبيل المثال، حالياً وإذا أردنا توليد 3000 ميغاواط، من عنفات بخارية تعمل على الفيول لا الغاز، سنحتاج لـ 3 مليار دولار ككلفة تأسيسية، وفي الآن نفسه يستدعي ويرتب تأمين كلفة تشغيلية كبيرة وأكبر من الجدوى، وهذا غير الزمن اللازم لتركيب العنفات البخارية لتوليد الثلاثة ألاف ميغازاط، والبالغ 3 سنوات !.
الأمل بالمتجددة..
ومع ذلك فالأمل بالولوج إلى قطاع الطاقات المتجددة، لا يزال بحاجة إلى إعداد خطط استثمارية محددة ببرنامج زمني، إضافة إلى تسهيل ودعم إقامة مثل تلك المشاريع التي يعول عليها تأمين جزءاً من الطاقة الكهربائية النظيفة، خاصة وأن هناك مناطق أمل هامة وآمنة أشبعت دراسة للكمون الريح والشمسي الذين حبتنا الطبيعة بها، لكننا لم نصل للاستثمار الأمثل لها..!؟
لا بد من حل
بالمختصر، ووفقا لما سمعنا، فنحن في مواجهة أزمة كهرباء حقيقية لا تقتصر على تأمين التمويل اللازم، لا بل تأمين التجهيزات أيضاً، وعلى الحكومة أن تجد الحلول العاجلة غير الآجلة، خاصة وأن شفافية وصراحة وزير الكهرباء الحالي كشفت المستور، ووضعتنا أمام ما كان وما سيكون، وعلى هذا يجب البناء لا على ما كان ولم يتم، وندفع ثمنه باهظاً حاليا..!؟