من المهم أن تتصدى وزارة الأشغال العامة والإسكان لمحاسبة الإدارات المقصّرة في القطاع السكني التعاوني، لكن الأكثر أهمية اجتثاث أسباب التقصير!.
المشكلة المزمنة للجمعيات السكنية كانت ولاتزال عجزها عن تأمين الأرض، وهنا تتحمّل الوزارة لا الجمعيات مسؤولية التقصير بتأمين المقاسم المعدة للسكن على مدى أكثر من أربعة عقود!.
حسناً، من حق وزارة الأشغال بل من واجبها أن تحل الجمعيات التي ليس لديها مشاريع، ولكن في حالة واحدة فقط هي أن الوزارة خصصت جمعية ما بمقسم جاهز للبناء، وتقاعست إدارة الجمعية ببناء المقسم للمكتتبين!.
أما أن تهدد الوزارة الجمعيات التي لم تتمكن من شراء مقاسم بناء من التجار بالحلّ، فهذا ليس إقراراً بتقصير الوزارة فقط، وإنما أيضاً وضع إدارات الجمعيات أمام خيارين: إما الحل أو التعامل مع تجار البناء!.
الوزارة هنا كأنها تشجع إدارات الجمعيات التعاونية على الانخراط في الفساد!.. نعم، هي تفعل ذلك عندما لا تؤمن الأرض للجمعيات، ولا تلزم الشركات الحكومية ببناء مشاريع الجمعيات بهامش ربح ضئيل!.
لقد بدأ الفساد ينخر بمجالس عدد كبير من الجمعيات عندما دفعها الأعضاء المقتدرون مالياً إلى شراء الأراضي من تجار البناء، وعملية البيع هنا قد تكون أقل بكثير من المسجل في وثيقة البيع!.
ويستمر الفساد في عمليات إنجاز مشاريع السكن طالما أن المنفذين من القطاع الخاص، ودائماً على حساب السوية الفنية، ولا يمكن كشف أي فساد رغم إشراف مندوبين من وزارة الإسكان على جميع اجتماعات ومراحل عمل الجمعيات إن لم ينشب خلاف بين الفاسدين والمفسدين!.
الملفت هنا أن وزارة الأشغال هددت بـ “دمج جمعيات ليست لديها مشاريع مع جمعيات أخرى لديها مشاريع”، والسؤال: هل تدعم وزارة الأشغال جمعيات دون أخرى بمشاريع سكنية، أم أن هذه الجمعيات تعتمد على التجار لتأمين المشاريع لأعضائها؟.
وإذا كانت وزارة الأشغال مقتنعة فعلاً أن “قطاع التعاون السكني يخدم شريحة واسعة من المواطنين مع وجوب ضمان عودته لألقه”، فلتكشف لنا عن خططها في هذا المجال، لأن القطاع التعاوني لن يعود إلى ألقه دون دعمه بالأرض والقروض، وبآليات الشركات الإنشائية؟.
لقد سبق لحكومات سابقة أن وعدت بتأمين المقاسم للجمعيات، ولكن ما من محافظة ولا بلدية إلا وكانت بالمرصاد، وعرقلت عمل الجمعيات ومنعتها من الحصول على أية قطعة أرض صالحة للبناء.
بالمختصر المفيد: قبل محاسبة المقصرين والفاسدين، وقبل حل أكثر من 200 جمعية سكنية، على وزارة الإسكان تدارك تقصيرها المستمر منذ أربعة عقود، أي تأمين الأرض الجاهزة فوراً للبناء، والتوسط لدى المصارف لمنح القروض العقارية ودعم فوائدها، وإلزام الشركات الإنشائية بتنفيذ مشاريع الجمعيات وفق مدد محددة.
علي عبود –
سيرياستيبس