هناك حاجة دوماً في أي اقتصاد عالمي وفي الاقتصاد السوري على وجه الخصوص لاختبار سيناريوهات اقتصادية مختلفة والتعرف على النتائج المتوقعة والمنعكسات على مجمل القطاعات الاقتصادية.
ويبدو أن التغير الكبير الذي طرأ على بنية الاقتصاد السوري بعد الأزمة التي مرَّ بها وتزايد الاختلالات الاقتصادية على حساب قواعد التوازن المطلوبة يتطلب وضع اختبارات لخيارات متعددة، إلا أن الأهم في هذا المضمار يتركز على تحليل الأثر الاقتصادي لأي قرار إداري يتم اتخاذه وتحليل العائد والتكلفة للمشاريع الخدمية والحكومية والتنبؤ بأحوال الأسواق الرئيسية وبخاصة للسلع الأساسية وتقييم المخاطر المتوقعة نتيجة التأخر باتخاذ إجراءات أو قرارات أو تأمين مواداً أو خدمات ضرورية ولا شك أن هذه الأساليب أصبحت ضرورة لاتخاذ القرار الاقتصادي الأفضل توقيتاً ومكاناً وعائداً.
وهذا ما تقوم به عادةً النمذجة الاقتصادية فما هي هذه النمذجة؟
النمذجة الاقتصادية وتحليل الأثر: هي أدوات تزود واضعي السياسات والخطط والمحللين الاقتصاديين وصانعي القرار في القطاع الحكومي وغير الحكومي بمعلومات وبيانات غاية في الأهمية حول المدخلات المقترحة والنتائج والعوائد المتوقعة من الخطط والسياسات والقوانين والقرارات التي سيتم تطبيقها.
يتم تطوير النموذج ليمثل نظام أو مسألة أو مشكلة اقتصادية أو إدارية أو علمية ويصاغ النموذج في الغالب بصيغ رياضية ويأخذ شكل معادلات أو متباينات أو توابع ليكون بمثابة شكل مبسط للمشكلة وليمثل العلاقة التي يمكن قياسها كميا لمختلف العوامل والظروف المحيطة وبشكل يمكننا من إيجاد حل للمشكلة أو المسألة بالطرق الرياضية المعروفة وبالتالي اتخاذ القرارات المثالية.
من فوائد النمذجة الاقتصادية عادةً:
– تعريف المشكلة ووصفها بالشكل الذي يجعلها مبسطة ومستندة على نظرية لتسهيل تصوير الواقع الحقيقي.
– التنبؤ بظروف المستقبل.
– تلافي مخاطر التغيير ومخاطر إجراء تعديلات غير مدروسة.
– معرفة سلوك الأنظمة والحالة المستقبلية لها واتجاهاتها وتقييم كفاءتها في الوصول لأهداف محددة.
– إمكانية استعمال النموذج في التعرف على القيود والعوامل التي تحد من فاعلية بعض الحلول.
– توفير الوقت والمال.
وهناك مجموعة واسعة من تقنيات النمذجة الاقتصادية توضع وتطبق لحل المشكلات الاقتصادية وتحليل السياسات المعقدة وقياس التأثيرات على الاقتصاد وإجراء دراسات تحليل الأثر الاقتصادي بما في ذلك تحليل العائد والتكاليف والتنبؤ وتخطيط السيناريو ونمذجة السوق وتقييم الأصول والمتطلبات القانونية وتقييم المخاطر ونمذجة التوازن العام الحاسوبي وتحليل الخيارات الحقيقية والتحليل الديموغرافي وتحليل سوق العمل وتوقيت التطورات الجديدة وتقييم آثار التطوير القطاعي وتقييم المشروع وتحليل تأثير السياسات والقرارات التجارية.
والنموذج الاقتصادي لا يشترط أن يكون نموذجاً رياضياً وفي حالة كان رياضياً سيمثل صياغة رياضية لعلاقة نظرية بين عدد من المتغيرات ترتبط ببعضها البعض وتختلف النماذج الاقتصادية وفقاً لطبيعة بناء وتوصيف النموذج إلى نماذج رياضية ونماذج قياسية ويتم بناء النموذج الرياضي عادةً من خلال:
– تحديد المشكلة: التعريف بالمشكلة التي يراد حلها وتحديدها تحديداً واضحاً دقيقاً ومن المهم استبعاد العوامل التي ليست لها علاقة بالمشكلة والابتعاد عن الغموض.
– وضع الأهداف: يتم هنا وضع المعيار الذي سيتم من خلاله تقييم البدائل المتاحة واختيار أفضلها وقد يكون المعيار هو تحقيق أقصى عائد في المدى القصير أو تعظيم العوائد في المدى الطويل أو غيرها من الأهداف والمعايير المنشودة ويتم في نموذج البرمجة الخطية تحديد الهدف وصياغته ببناء دالة للهدف ويوجد نوعين أساسيين للأهداف في النمذجة هما الأهداف المنضبطة والتي تعني بمدخلات النموذج والأهداف المكتسبة والتي تعني بمخرجات القرار.
– جمع البيانات: بعد الانتهاء من تحديد الهدف والمعايير يتم تحديد نوعية البيانات التي ينبغي جمعها والتي تمثل المتغيرات التي يحتويها النموذج ويتعين ترتيب وتبويب هذه البيانات.
– تحديد المتغيرات والثوابت: والمتغير هو الظاهرة التي يمكن أن تتغير قيمتها ويتم تمثيلها في النموذج برموز بدلاً من قيمة محددة أما الثوابت فيقصد بها الظواهر ذات القيمة الثابتة أي عكس المتغير ويعطي في النموذج قيمة محددة.
– بناء النموذج: يتم صياغة المشكلة في شكل رياضي من خلال بناء دالة للنموذج ويقرر القائم ببناء النموذج إذا كانت المشكلة يمكن تمثيلها بعلاقة واحدة أو عدد من العلاقات الرياضية وفي حالة البرمجة الخطية توضع دالة الهدف والقيود المفروضة عليها.
فهل نبدأ بمنذجة الاقتصاد السوري وتحليل أثر القرارات على مجمل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ….
دمشق في 12/8/2021.
كتبه: د. عامر خربوطلي
العيادة الاقتصادية السورية
فيسبوك
Syrian Economic Clinic
٥