قال رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال جمال القادري في تصريح خاص لـ«الوطن» حول آخر وأهم المستجدات التي تتعلق بإصلاح القطاع الاقتصادي، إن القطاع العام الصناعي يرفد الخزينة العامة للدولة بمئات المليارات من الأرباح السنوية وليس كما يسوق البعض أنه قطاع خاسر ويستنزف موارد الدولة، مؤكداً أن هناك العديد من القطاعات التي يعمل بها القطاع العام الصناعي رابحة وبتفوق مثل المؤسسة العامة للصناعات الغذائية بكل ما تحويه من معامل وشركات، إضافة إلى مؤسسة الصناعات الهندسية ومؤسسة التبغ وغيرها من المؤسسات التي تقدم أرباحاً جيدة رغم كل الظروف الصعبة، إضافة إلى أن هناك صعوبات تقانية وإدارية وصعوبات تتعلق بالبيئة التشريعية التي يعمل بها القطاع العام الصناعي في ظلها ونحن كاتحاد للعمال مع الأجهزة الحكومية المختصة لمعالجة هذه الصعوبات وتذليلها.
الطرح الأخير لا ينسجم مع توجهاتنا!
القادري أكد أن لجنة إصلاح القطاع العام الاقتصادي والتي نحن مشاركون فيها ممثلين عن العمال عقدت عشرات الاجتماعات وتمخضت عن آلية جديدة لإدارة هذا القطاع تتمثل بتأسيس شركات مساهمة عمومية بحيث يكون هناك فصل في معالجة القضايا الإدارية وفصل بين رأس المال والإدارة، وأن يعمل هذا القطاع على أساس قانون الشركات وقانون التجارة.
ونحن كاتحاد لدينا بعض التحفظات فيما يتعلق بالشركات المساهمة باعتبار أن هذا الموضوع مقدمة للخصخصة ولا ينسجم مع توجهاتنا كاتحاد للعمال لأسباب طبقية ووطنية وخاصة أن هذا القطاع إحدى ركائز الصمود السوري خلال فترة الحرب وأن إنهاء هذا القطاع أو تضييعه يؤثر أيضاً حتى في القطاع الخاص لأنه تاريخياً القطاع الخاص في سورية كان يعيش على أطراف القطاع العام.
لكل قطاع قانون وتشريع خاص!
ومن وجهة نظرنا نرى أن إصلاح القطاع العام الاقتصادي يقتضي أن يكون لكل قطاع قانون وتشريع خاص به، مثل المصارف يكون لها تشريع خاص والصناعة التحويلية كذلك…إلخ وأن يكون هناك نظام عمل وعاملون لكل قطاع يتناسب مع خصوصية كل قطاع، لافتاً إلى أننا أعضاء باللجنة ولا نستطيع أن نفرض كل ما نراه على الجميع.
نسعى لتطوير القطاع العام
وأشار القادري إلى أن لجنة إصلاح القطاع العام الاقتصادي لديها ميل لهذا التوجه، لافتاً إلى أن الناحية الأهم أننا حافظنا على الكثير من الثوابت التي تتعلق بهذا القطاع والتوجه العام هو نحو خلق شركات مساهمة عمومية. إن رؤيتنا لإصلاح هذا القطاع تعتمد على إقرار تشريعات قطاعية تناسب كل قطاع وخصوصيته ومتطلباته مع الخبرات والكفاءات التي يتطلبها للعمل.
وأضاف: نحن بالمحصلة نبدي وجهة نظرنا كعمال بهذا القطاع ونسعى للحفاظ على مكتسبات العمال وحقوقهم، ورغم أن هناك تبايناً في وجهات النظر إلا أننا مع الإصرار على بقاء القطاع العام وتعزيزه وتقويته بالنظر إلى دوره الكبير الذي قدمه في الماضي والحاضر والذي نعول عليه كثيراً في المستقبل لإعادة بناء سورية.
القادري أكد إننا نبدي ملاحظاتنا من خلال أوراق عمل تقدمنا بها إلى اللجنة تهدف في مضمونها إلى التخفيف مستقبلاً من أي احتمال باتجاه خصخصة هذا القطاع لكننا لا نستطيع إيقاف القرار لأن اللجنة هي حصيلة حوار، وإذا أخذ القرار بالتصويت، ونتمنى ألا يتم المضي في هذا التوجه حفاظاً على استمرارية القطاع العام، علماً أنه كان هناك رد على مخاوفنا بأن هذه المؤسسات هي عمومية مملوكة بالكامل للدولة ممثلة بوزارة المالية باعتبارها تدير المال العام وما نأمله أن يتم العمل بالمقترح الذي تقدمنا به باعتباره يحقق الغرض المطلوب بإعطاء المرونة لشركات القطاع العام ضمن بيئة عمل مرنة لا يشوبها التقيد والروتين والبيروقراطية لأنه بالمحصلة هو قطاع تجاري واقتناص وانتهاز الفرص في هذا القطاع مسألة مهمة للحفاظ عليه.
ركيزة أساسية
وأشار القادري إلى أن القطاع العام الصناعي قطاع مهم جداً باعتباره ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد السوري واتضحت أهمية هذا القطاع بكل تخصصاته على وقع الحرب العدوانية والحصار الاقتصادي الذي حصل في سورية من السنوات العشر الماضية إلا أنه رغم المصاعب التي يواجهها هذا القطاع استطاع أن يؤمن احتياجات المواطن السوري ولو بالحدود الدنيا ولاسيما في الوقت الذي كان فيه الحصار بهدف تجويع الشعب السوري إلا أنه رغم كل الظروف الصعبة وقدم الآلات استطاع أن يقدم عوامل الصمود من خلال تأمين احتياجات المواطن.
وحول مشاكل القطاع العام الصناعي أكد أن هناك العديد من المشاكل التي يواجهها هذا القطاع وهي مشاكل مزمنة أي إن القطاع العام يعاني منها قبل الأزمة، والمشكلة الأهم التي يعاني منها – حسب القادري – هي تقادم وقدم الآلات خطوط الإنتاج وتأخر سياسات التجديد والاستبدال قبل الحرب إضافة لذلك كانت هناك قضايا تتعلق بالتمويل اللازم لعمليات التجديد والاستبدال وجاءت الحرب، والحصار لتعمق مشاكل القطاع، مع عدم الإمكانية لتأمين قطع غيار لخطوط الإنتاج إما بسبب الحصار وإما بسبب أن الآلة نفسها المستخدمة قد مضى عليها فترة زمنية وأصبحت غير مجدية ومع ذلك تفوق القطاع العام في مفاصل كثيرة رغم كل الظروف والعمال كذلك تفوقوا على الحصار وعلى كل الظروف القاسية والاستمرار بتأمين العملية الإنتاجية بمبادرات خلاقة عن طريق تصنيع قطع الغيار بشكل محلي وهناك مبادرات مجدية في هذا الاتجاه.
الواقع المعيشي صعب
وحول الواقع المعيشي للعمال أضاف القادري: إن الواقع المعيشي اليوم لا يخفى على أحد وهو واقع صعب هذا الواقع نشأ خلال الحرب من ضعف وسرقة للموارد وأصبحت هناك فجوة كبيرة بين الرواتب والأجور ومتطلبات المعيشة، وتحاول الدولة بين الفترة والأخرى تقديم بعض الزيادات والمنح لتضييق الفجوة، لكن بالحقيقية السوق سباق لاقتناص الزيادات ودائما تمويل هذه الزيادات عن طريق رفع أسعار سلع أساسية تتعلق بمعيشة المواطن، وبالتالي تفقد هذه الزيادات قيمتها وقدرتها على تحسين الوضع المعيشي بسبب الارتفاع الهائل بالأسعار الذي يرافقها عدم قدرة وجدية الأجهزة المعنية على ضبط الأسواق، لذلك موضوع الرواتب والأجور في سورية اليوم يحتاج إلى مقاربة مختلفة تماماً عما يتم ودراسة متطلبات معيشة الأسرة بشكل دقيق، وبالتالي يجب أن يغطي راتب الموظف الحد الأدنى الحقيقي لمعيشته وحسب مستوى الأسعار السائدة.
القادري جزم أن تحسين الوضع المعيشي هو مطلب أساسي عند كل لقاء مع الحكومة، مشيراً إلى أننا بالحقيقة نلمس تجاوباً من الجهات الوصائية وفق ما تسمح به الإمكانيات أي نعمل بتصميم وثبات للدفاع عن حقوق العمال في هذه الظروف الصعبة التي لا يمكن أن ننكر أننا أمام واقع صعب ولا نملك خياراً آخر إلا العمل وأن تحسين الوضع المعيشي من أولويات مطالبنا في كل اجتماع مع الحكومة ونحن على أبواب اجتماع المجلس العام للاتحاد وهناك رزمة من المطالب يتصدرها تحسين الوضع المعيشي ومعالجة الواقع الخدمي والأهم هو موضوع النقل الذي يكبد العاملين أكبر فاتورة من راتبهم.
8 آلاف عقد سنوي
وحول تثبيت العمال أكد أننا لم ندخر جهداً في هذا الإطار وتم وضع جميع الدراسات والإحصائيات اللازمة التي تطالب بتثبيت العاملين سواء على مستوى تثبيت العقود السنوية حيث تم إعداد مشروع مرسوم وتم إعداده بالحكومة ونحن بانتظار صدوره، ولا نعرف ما العائق لإصداره وسيتم الاستفسار من الحكومة عن أسباب عدم صدوره كذلك تحويل عقود المياومين إلى عقود سنوية تم أيضاً البدء بالمشروع وتقديم إحصائية تؤكد أن هناك نحو 14 ألف عامل أنجزنا تحويل العقود لنحو 8 آلاف منهم إلى عقود سنوية والباقي بانتظار الإفراج عن مسابقة وزارة الصناعة التي كان من المفترض أن تغطي عدد العمال المتبقي، نحن مستمرون بمتابعات قضايا العمال على جميع المستويات ونحن نسير مع الحكومة حسب توافر الإمكانيات خاصة أن اقتصادنا تراجع عند فقدان مورد النفط الذي يعتبر الأساس وكان يمول جميع النشاطات الاقتصادية بما فيه تمويل دعم السلع الاستهلاكية هو واقع لن يدوم ونحن كعمال وفقراء متفائلون.
الوطن