| علي محمود هاشم – الإقتصادية .
رغم تمظهرها كـ (دق على الصدر) استدعاه الشعور بالخذلان من رجال الأعمال بعدما اكتفوا بالوجدانيات الخطابية خلال اجتماعات الحكومة (الاستنهاضية) مع اتحادات الصناعة والتجارة والسياحة والزراعة الشهر الماضي!.. تبدو مبادرة (الـ 10 مشاريع لكل محافظة) التي طرحها رئيس مجلس الوزراء الأسبوع الماضي ممكنة إلى الدرجة التي يتطلب معها انغماس فكري عميق في أروقة الاستشارات لتمييز قدرتها على تحقيق تنمية مكانية تُحشد عبرها الميزات المحلية ضمن بوتقة الاقتصاد الوطني وتدعيم القدرتين التشغيلية والشرائية على المستوى الأفقي، وخاصة في المحافظات المتدهورة من حيث المؤشرات الاقتصادية عطفاً على تدهور مماثل لمؤشراتها السكانية.
القليل الذي نقل عن الاجتماع، أظهر تباينات واضحة –ومنطقية- بين الرؤى التنموية لرئيس المجلس، والجدوى الاستثمارية المتمترسة خلف قوائم دفترية وجداول (العمليات الأربع) التي يتمسك بها وزير المالية عادة لـ (قبول/ رفض) أي مبادرة يترتب عليها انتزاع أموال من خزانته.
اختلاف وجهات النظر يتوازى مع الاختلاف بين مهام صاحبيها، فرغم أن (عدسات) وزير المالية هي في الحياة الواقعية أكثر سماكة بشكل ملحوظ من تلك التي يضعها رئيس المجلس على عينيه، إلا أنها صُنعت –مهنياً- لترمق كل (مشروع استثماري) من نافذة (الربح والخسارة) المغايرة تماماً لتلك التي يفضل رئيس المجلس إطلالتها الاجتماعية والتنموية.
الأكثر لفتاً خلال الاجتماع، سجله رئيس هيئة تخطيط الدولة بذهابه لاستعارة (الكُزلك المهني) لوزير المالية، وكما هو متوقع، فقد شاهد انعكاساً مقلوباً لتقاليد مؤسسته التي عادة ما ترتدي عدسات أكثر شبهاً بتلك التي يرتديها رئيس المجلس! أما وقد سار الأمر على ما سار عليه، فلربما يجد المرء تفسيراً لذلك بأن وجهة نظر (تخطيط الدولة) لا تزال عالقة في زوبعة (مشروع إصلاح القطاع العام) الذي عملت عليه مؤخراً، وبالرغم من فشلها الذريع، إلا أن بعض أدرانه ما زالت تتدلى من مفهوم (الربح) الذي تم اعتماده كمحدد نهائي لمصيرها!
عملياً، ورغم انسجامه الظاهري مع نواميس الاستثمار، قد لا يكون (الربح) المقياس الأجدى لتحديد مطارح (التوقف/ الاستمرار) لشركات القطاع العام، ولا للآمال التي تحدو مبادرة الـ (10 مشاريع) لتحرير الاقتصاد الوطني من بعض حمولاته الراهنة، فهذا الرأي، وزيادة على خلطه بين الجدويين الاستثمارية والتنموية، إنما يتجاهل دور (الدولة) التقليدي في إقامة البنى التحتية التي لا تتمتع بجدوى (استثمارية) مباشرة على سبيل المثال، إلا أن إنشاءها يتم وفقاً لجدوى (اقتصادية تنموية) في المدى المنظور، تجر وراءها ربحاً مؤكداً المدى الأبعد، لذلك لربما نحتاج اليوم إلى ومضة وبعضاً من الشعر كالذي جسّده رئيس المجلس في مبادرة (المشاريع الـ 10) كمدخل محتمل نحو إعادة تركيب بنى اقتصادنا الاجتماعي المفككة.
إلى جانب ذلك، ومع كل التمنيات بألا تتشارك مثواها الأخير مع معلقتي (الصناعات التصديرية) و(إحلال المستوردات) وغيرهما.. قد تكون مبادرة الـ (10 مشاريع) أرضية لكلتيهما، ونقطة ارتكاز لتعافٍ متسلسل شرط تعظيم منحاها الإنتاجي عبر الاستعانة بالسلع ذات المدخلات المحلية التي أعلنت وزارة الاقتصاد عن ترشيحها للدعم في برنامج (إحلال المستوردات)، كما يمكن لها أن تشكل قفزة فوق (عنوسة) هيئة الاستثمار تخرج بها من قمقمها الاختياري، عبر إحداث خلخلة في البيئة الاستثمارية قوامها مشاريع (قائدة) تساعد على رفع عتلة عطالتها القائمة.
مبادرة (الـ 10 مشاريع) باتت براءة اختراع مسجلة لرئيس مجلس الوزراء، وفيما لو نجحت أو فشلت، فسيُنظر إليها على أنها بصمته في مستقبل الاقتصاد الوطني، ولربما هذا السبب ادعى لجعلها محطّ اهتمامه البالغ.