تحت عنوان «إستراتيجية الحكومة 2021 والمشاريع الصغيرة» قدم الباحث الاقتصادي شامل بدران دراسة بحثية في المركز الثقافي بالميدان أمس أكد خلالها أن الحكومة السورية الجديدة وضعت إستراتيجيتها للمرحلة القادمة ضمن مجموعة أولويات، تم الإعلان عنها عبر الموقع الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء، وتضمنت هذه الإستراتيجية الأهداف الرئيسية الرامية إلى تحسين الواقعين الخدمي والمعيشي، وزيادة الإنتاج واستثمار الموارد الذاتية بالشكل الأمثل، وتهيئة البيئة المناسبة للاستثمار في مختلف القطاعات.
وجاء في أبرز النقاط التي ركزت عليها الإستراتيجية العمل على تشجيع الاستثمار وتقديم التسهيلات اللازمة لذلك وتذليل العقبات، وتوسيع قاعدة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع مشاريع الطاقة البديلة وتوفير البيئة التشريعية المناسبة لها، وتكثيف الجهود لمراقبة الأسواق وضبط الأسعار، وتعزيز عمل مؤسسات التدخل الإيجابي والتوسع الأفقي فيها، واستجرار كامل إنتاج المؤسسات العامة لتوفيرها في منافذ السورية للتجارة، وتعزيز العدالة الضريبية كنتيجة لإصلاح النظام الضريبي ومعالجة التهرب الضريبي، والاستمرار بتصويب آلية الدعم وضمان وصوله إلى مستحقيه، وتعزيز دور الإعلام الوطني كصلة وصل بين المسؤول والمواطن، وتعزيز اللامركزية ودور المجالس المحلية بما يحقق التنمية المتوازنة، ومتابعة مكافحة الفساد وفق ضوابط محددة، واستكمال مشروع الإصلاح الإداري واختيار الكوادر التنفيذية المناسبة، والاستمرار بالتوسع بالخدمات الإلكترونية، ومتابعة شكاوى المواطنين وإيجاد الحلول المناسبة لها وفق الإمكانيات المتوافرة، وتحديد الأولويات واستثمار الموارد الذاتية بالشكل الأمثل، وتوسيع التعاون والتشاركية مع الاتحادات والنقابات والمنظمات والمجتمع المحلي.
أهم دعائم التنمية
وتناولت الدراسة توسيع قاعدة المشاريع الصغيرة والمتوسطة حيث اعتبرت أن دعم وتطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتشجيع إقامتها وضمان ديمومتها من أهم دعائم عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وذلك لما تلعبه هذه المنشآت من دور مهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي بشكل عام والحد من تفاقم مشكلتي الفقر والبطالة بشكل خاص مع تأكيد وجود علاقة وثيقة بين هذه المنشآت من جهة والتوظيف الذاتي من جهة ثانية والحد من مشكلتي الفقر والبطالة من جهة ثالثة.
تخلق فرص عمل
وعن تأثير المنشآت الصغيرة والمتوسطة على الاقتصادات وذلك من خلال نتائج تجارب الدول بينت الدراسة أن هذه المنشآت تعتبر أداة تنموية فاعلة تمثل عصب الاقتصاد، وأداة تعمل على خلق الملايين من فرص العمل، وعلى زيادة الطاقة الإنتاجية القائمة، ورفع إنتاجية العمل، ورفع المستوى المعيشي لأصحابها وللعاملين فيها، وزيادة القدرة التصديرية للاقتصاد مما ينعكس إيجاباً على رفع معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي وميزان المدفوعات والموازنة العامة، وتحقق التوازن التنموي الجغرافي داخل البلد.
وبالنسبة لتحليل واقع المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر في سورية عام 2021 اعتبرت الدراسة أنه على الرغم من استمرار الحرب على سورية منذ عام 2011 حتى تاريخه وإن تغيرت أشكال تلك الحرب إلى أن وصلت إلى حرب اقتصادية تمثلت في تزايد حجم العقوبات والحصار الاقتصادي الجائر، إلا أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة لا تزال تعمل على الرغم من كل المعوقات الاقتصادية والتمويلية وصعوبة تأمين مستلزمات الإنتاج وارتفاع جامح في نسب التضخم الاقتصادي، وإن كانت تعمل بطاقات إنتاجية منخفضة.
تراجعات بالناتج المحلي
واعتمدت الدراسة تحليل مؤشرات الاقتصاد الكلي في سورية بدءاً من 2010 وذلك لضرورات البحث، حيث تراجع حجم الناتج المحلي الإجمالي في سورية من 1.494.595 مليون ل.س في عام 2010 إلى 724.614 مليون ل.س في عام 2015 أما في عام 2019 فقد بلغ 714.675 مليون ل.س.وتراجع معدل النمو من 2.9 بالمئة في عام 2011 إلى سالب 26.3 في عام 2012 وأيضاً في عام 2013 وهي السنوات الأسوأ من حيث تراجع معدلات النمو الاقتصادي.
وبدأ معدل النمو الاقتصادي بالتحسن وبقيت قيمته سالبة 0.7 بالمئة لعام 2017 وفي عام 2018 تحول معدل النمو إلى 1.6 بالمئة وفي عام 2019 بلغ 3.7 بالمئة، وذلك وفق البيانات الرسمية المنشورة في المجموعة الإحصائية السنوية.
31 بالمئة معدل البطالة
أما فيما يتعلق بمعدل البطالة فقد كشفت الدراسة أنه وصل إلى ذروته في عام 2015 إلى 48.5 بالمئة ثم بدأ بالتراجع في الأعوام اللاحقة حتى وصل إلى 31.4 بالمئة في عام 2019، كما بلغت قيمة العجز في الميزان التجاري في عام 2014 ما يقارب 7.1 مليارات دولار مقيمة بسعر الصرف الرسمي للبنك المركزي، وبدأ التراجع في عجز الميزان التجاري حتى وصل إلى 4.5 مليارات دولار.
وتتركز المستوردات السورية بنسبة 45 بالمئة تقريباً حوامل طاقة و10 بالمئة قمح وغيرها من المستلزمات الضرورية، وزادت نسبة القروض الداخلية والخارجية حيث بلغت 1.8 مليار دولار مقيمة بسعر الصرف الرسمي للبنك المركزي، ووصلت نسبة القروض إلى الناتج المحلي الإجمالي 118 بالمئة.
وبخصوص الصعوبات التي يعاني منها قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة كان أبرزها وفقاً للدراسة التي قدمها الباحث الاقتصادي عدم معرفة مدى مساهمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي وإشكالية القطاع غير المنظم (اقتصاد الظل) التي تعتبر السمة الغالبة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في سورية ولاسيما المشروعات المتناهية الصغر العاملة في القطاع غير المنظم، فقد بلغت قبل الأزمة نسبة القطاع غير المنظم نحو 34 بالمئة ، وخلال الأزمة تزايدت تلك النسبة لحدود مرتفعة جداً مما يؤثر بشكل سلبي عمل المشروعات وفي زيادة نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، ويقلص فرص التوظيف وفرص التدريب والتمويل، إضافة لعدم القدرة على التمويل بسبب عدم وجود آليات تضبط عمل القطاع غير المنظم من جهة ونقص الوعي المصرفي والتمويلي لأصحاب تلك المشاريع، وعدم القدرة على تأمين الضمانات التقليدية الكافية للبنوك.
ووفقاً للدراسة تأتي أهمية إصدار السيد الرئيس بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم /8/ لعام 2021 الذي يسمح بتأسيس «مصارف التمويل الأصغر» بهدف تأمين التمويل اللازم لمشاريع شريحة صغار المُنتجين وأصحاب الأعمال الصغيرة ومحدودي ومعدومي الدخل عبر منحهم قروضاً تشغيلية وذلك من أجل تأمين دخل إضافي لهذه الشريحة وخلق فرص عمل وتحقيق التنمية المستدامة.
وعن الواقع الحالي لمؤسسات التمويل الأصغر لغاية 2020 بينت الدراسة أن مشكلة التمويل في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة «حصة الإقراض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة تعتبر 4 بالمئة من إجمالي التسهيلات المصرفية».
المصارف التقليدية لا تتعامل
وبخصوص الصعوبات أوضحت الدراسة أن المصارف التقليدية في سورية لا تتعامل مع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بحجة ارتفاع نسبة المخاطرة، كما أن الضمانات التي تطلبها المصارف كبيرة بالنسبة لأصحاب المشروعات، وتشترط هذه المصـــارف ألا تقل نسبــة مســاهمـة المســتفيد (50 بالمئة) من التكلفــة الاســتثماريــة، وهذا أمر متعذر لدى القسم الكبر من أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة كما تدخل مؤسسة ضمان مخاطر القروض المحدثة بالقانون رقم (12) لعام 2016 في مصرف سورية المركزي حيز العمل حتى الآن.
الوطن