لا يخلو حديث الشارع هذه الأيام من تصور حال المستقبل في ظل رفع أسعار الغاز والكهرباء وغلاء الأسعار، وصعوبات الحياة، وثمة موجة كبيرة من التشكيك والشعور بتجاهل الجهات الوصائية لحل مشكلة الغلاء، ما يؤكد أن هناك خللاً جلياً واضحاً أصبح لا يمكن التغاضي عنه. كل ذلك يجري عبر موجة الصمت وغياب الشفافية والمصارحة وتناقض التصريحات والرهان على صبر المواطن. تأويلات كثيرة رشحت نفسها لتفسر ما يحدث! ولكن الأمر هذه المرة، زاد عن الحد المعقول والمحتمل وأصبحت الأسعار بورصة مرتفعة دوماً والفوضى قائمة والأسعار تسير يومياً باتجاه الارتفاع.. المواطن اليوم في واقع صعب.
وحول هذا الواقع «الوطن» تواصلت مع الاقتصادي د. عابد فضلية لتوضيح الرؤية الاقتصادية باعتبار أن أهل مكة أدرى بشعابها.
فضلية أكد أن ارتفاع أسعار السلع والمواد لم يعد مسالة أو قضية اقتصادية فقط لأن ما يحدث حالياً هو ظهور نتائج الحرب الإرهابية على سورية التي استمرت عشر سنوات والخسائر التي منيت بها سورية من سرقة المواد الأولية والطاقة والبترول وتواطؤ بعض التجار مع المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، كل ذلك أوصلنا إلى ما نحن عليه حاليا.
وأوضح أن ثمة قلة في الموارد والسلع وما يقل عرضه يرتفع سعره بالسوق وفق قانون العرض والطلب لافتاً إلى أن الدولة والجميع يعرف أنها اليوم بحاجة للأموال الناتجة عن رفع الأسعار، لكن في الوقت نفسه هناك شريحة كبيرة من المواطنين بحاجة إلى القوة الشرائية ورفع الرواتب والأجور، أو إيجاد عمل لشريحة كبيرة عاطلة عن العمل أي إنه لا يكفي أن تقوم الحكومة برفع الأسعار» وهو أمر مبرر «بل يجب أن يترافق هذا الارتفاع مع التفكير بمسارين متوازيين والعمل على زيادة الاستثمارات بمشروعات بالتعاون مع القطاع العام وتحريض القطاع الخاص أو عن طريق التشاركية وزيادة عدد المشروعات الجديدة.. وإعادة البناء لبعض الأماكن وخاصة إذا كانت منطقة إنتاجية سلعية تخدم الاستهلاك المحلي، وأضاف فضلية إنه بما أن الحكومة تخسر فهي بحاجة إلى تقليص الدعم كما هي بحاجة ملحة جداً جداً إلى هذه الزيادة على الأسعار كل ذلك نتفهمه، لكن لا نتفهم لماذا لا تفكر بالمستوى نفسه وبنفس الوتيرة بإقامة مشروعات إنتاجية تتيح فرص عمل ونحن لا ننكر ذلك لكن يجب ألا يبقى تفكيرها فقط بتغطية العجز، بل يجب العمل على زيادة دخل المواطن ويكون ذلك عن طريق تشغيل شخص إضافي في العائلة لزيادة المردود وبالتالي يتم العمل على تخفيض نسبة البطالة وزيادة المردود، والأهم إعادة بناء البنى التحتية في بعض الأماكن حتى تسهل عودة المواطنين إليها.. هذا يحمل أكثر من إشارة استفهام؟! ولدى سؤاله هل الحكومة تسير في سيناريو إلغاء الدعم على المدى المنظور، أكد فضلية أنه ما دامت الحكومة مستمرة بالدعم رغم رفع أسعار السلع والمواد فلا يحق لأي أحد من خارج الحكومة أن يدعي ذلك وبالتالي ما يحدث حالياً هو تقليص للدعم «وهي بداية لمرحلة العمل بمشروع تقديم الدعم إلى مستحقيه بشكل فعلي أي إلى الشريحة الأكثر فقراً وألا تحصل عليه الشرائح الغنية، وأنا مع هذه الفكرة باعتبارها منطقية ولكن ما نأمله من الحكومة هو التريث وعدم التسرع في قرارات رفع الأسعار قبل أن تبدأ عجلة إنتاج مشروعات عمل إنتاجية جديدة أو حتى قديمة بحيث تتم إعادة تأهيلها كي تستطيع أن تستوعب فرص عمل أكثر، لافتاً إلى أن هذا مطلوب قبل أن نستثني من لا يستحق الدعم. وأشار فضلية إلى أن الحكومة تعرف جيداً أن الرواتب والأجور قليلة وهي لا تنكر ذلك، لذلك تعمل حالياً على إيجاد حلول لتضيق الفجوة بين القوة الشرائية للدخل أو قيمته الاسمية وبين ارتفاع أسعار ومستوى التضخم. وذكر فضلية أن شرائح المجتمع مختلفة وجميعها وبمختلف المستويات لا يمكن أن تغطي تكاليفها المعيشية بالحدود الدنيا سواء لـ500 ألف أو 600 ألف ليرة سورية علماً أني لا أؤيد زيادة الرواتب وأنا مع زيادة مدخول الأسرة عبر مشروعات ومشاريع عمل إنتاجية، وإذا فرضنا أن العائلة دخلها 150 ألفاً وتحتاج إلى شراء حاجتها من المازوت بالسعر الرسمي كما أنها بحاجة إلى خبز وكهرباء وغاز وأيضاً بالسعر الرسمي فحتى لو توافرت كل هذه المواد لا تكفي 150 ألف ليرة لذلك، فلابد من حلول سريعة تتناسب مع الوضع الحالي لغلاء.
الوطن