تنمية الصناعات الغذائية في سورية.. الواقع والآفاق والمحفزات المقترحة لكل صناعة أمر بات ضرورة ملحة ويتطلب تضــافر الجهود بين المنتجين والدولة وبما يتلاءم مع الظروف العالمية والأسواق الداخلية والخارجية كانت أبرز المحاور التي تقدمت بها الباحثة ريم حللي خلال ندوة جمعية العلوم الاقتصادية التي أقيمت أمس في المركز الثقافي.
حللي أكدت أن سورية بحاجة إلى الـمزيد من الاستثمارات في الصناعات الغذائية وأن وجود بعض المحاصيل الإستراتيجية التي تشكل نقطة انطلاق لصناعات غذائية تتمتع بميزة نسبية تنافسية، يجعلنا نولي هذا القطاع المزيد من الاهتمام والتركيز على السياسات الواجب إتباعها من أجل رفع نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي. وهذا بالتأكيد يتطلب تعديل القوانين والتشريعات لتتلاءم مع التطور الحاصل واتخاذ قرارات سريعة تتلاءم مع المرحلة الراهنة.
حللي أكدت أهمية وجود صنــاعات غــذائيـــة تنافسيــة تحــقــق الأمــن الغذائي والعمل على استثمار الموارد المحلية من الناتج الزراعي واستكمال سلسلة القيمة المضـافة للمنــتج النهائي وصــــولاً إلى منتجات صناعية غذائية ذات ميزة تنافسية قــادرة على تلبية متطلبات السوق المحلية بالجودة والسعر المناسبين والعمل على تصدير الفائض والمساهــمة في تحسيـــن الميزان التجاري.. ورأت الباحثة حللي أن الصناعات الغذائية تشكل رديفاً أساسياً للإنتاج الزراعي في تحقيق الأمن الغذائي الوطني وذلك من حيث أهميتها في تلبية احتياجات التنمية المستدامة وزيادة الدخل القومي بفعل زيادة القيمة المضافة. والأهم خلق فرص عمل والمساهمة في تعزيز الميزان التجاري من خلال تصدير المنتجات الغذائية المصنعة، مؤكدة أن تعزيز وتنشيط الاستثمار في هذا القطاع يؤديان إلى تكامل التخطيط الزراعي والصناعي في مناطق الإنتاج.
وقد بلغت مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي الصناعي وسطياً خلال العشر سنوات الماضية ما يقارب 28%. وتطرقت الباحثة في محاضرتها إلى الصعوبات والمعوقات التي يعاني منها القطاع الخاص الصناعي والتي تتمثل في ظل ضعف البرامج التنفيذية للسياسة الصناعية. والأهم أن هناك صعوبة في تأمين المستلزمات الرئيسية للإنتاج والمواد الأولية المستوردة وصعوبة وارتفاع تكاليف شحنها وهذا يترافق مع خسارة الكثير من أسواق التصدير الخارجية أمام صعوبات تحويل قيمة الصادرات إلى المنتج المحلي بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، مع انخفاض اليد العاملة الخبيرة والكفؤة نتيجة الهجرة التي خلفتها الحرب وتراجع حجم الإنتاج بسبب تراجع الإنتاج الزراعي والحيواني الذي يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل ملحوظ وكذلك ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج من كهرباء ومحروقات وغيرها إضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل إضافة إلى وجود ضعف في البنى التحتية وخاصة تلك المتعلقة بخدمات عمليات ما بعد الحصاد مثل (التوضيب -الفرز -التعبئة -التبريد -التخزين -النقل -التسويق وغيرها).
حللي أكدت أنه من الضروري إعادة النظر بالتشريعات الناظمة لعمل القطاع الصناعي بشكل عام ومنح المحفزات التنموية للصناعات الإستراتيجية الغذائية التنموية والتي تحقق قيم مضافة عالية واستطاعت كسب ثقة دولية منها صناعة الكونسروة والحلويات العربية وغيرها.. وعن الصعوبات التي يعاني منها القطاع الخاص رأت حللي بأنها تتمثل بارتفاع التكاليف الثابتة التي يتحملها المنتج نتيجة تراجع الطاقات الإنتاجية إضافة إلى ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج المحلية التي يتم تأمينها من السوق المحلية نتيجة لغياب الثقة بمنشآت القطاع العام من قبل الموردين وانخفاض الرواتب والأجور الذي أدى إلى نزوح الأيدي العاملة الخبيرة للعمل في القطاع الخاص كذلك انخفاض الأيدي العاملة الخبيرة وتراجعها بشكل ملحوظ نتيجة الهجرة.
ومن الصعوبات أيضاً حسب الباحثة غياب السياسات التسويقية الحديثة لكون هذه الشركات في معظمها تقوم بإبرام عقود سنوية مع جهات عامة أخرى وهذا يمنعها من تطوير إمكانياتها التسويقية باعتبار كل ما ينتج يباع لديها، أو لأنها تنتج بشكل احتكاري في السوق في ظل غياب المنافسة لمنتجها، وانعدام حجم السيولة في معظم الشركات نتيجة إبرامها عقود سنوية مسبقة تسببت لها بخسائر لاحقة نتيجة حجم التضخم الحاصل في أسعار مستلزمات الإنتاج في السنة اللاحقة. كذلك بيروقراطية الإجراءات المتبعة في هذه الشركات الناظمة لعمل شركات القطاع العام الصناعي مع خطوط إنتاجية قديمة ومستهلكة لا تواكب التطور الصناعي.
وعن رؤيتها لتنمية الصناعات الغذائية في سورية أوضحت الباحثة قائلة: يجب الحفاظ على القطاع الصناعي القائم ولا بد من مراجعة كل القرارات والإجراءات والتشريعات الناظمة لعمل هذا القطاع وإيلاء الاهتمام لكونه القطاع الإنتاجي الأهم على مستوى الاقتصاد الوطني (قيمة مضافة -تشغيل عمالة -ميزان تجاري أقوى -تحريك عجلة الاقتصاد بشكل عام.
والأهم أن تكون هناك سياسات تنموية على المديين المتوسط والبعيد تضمن جذب المزيد من الاستثمارات وخاصة ما يخص القطاع الصناعي الغذائي لكونه يحقق التكامل ما بين القطاعين المنتجين الأهم في الاقتصاد السوري (الزراعة والصناعة) وذلك من خلال وضع معايير للصناعات الغذائية المطلوبة حسب الأهمية تحديد المحفزات المقترحة لكل صناعة سنداً لمعايير التقييم، وتحديد الصناعات الغذائية المطلوبة على مستوى القطر والمحفزات المقترحة لكل صناعة.
وعن المحفزات المقترحة لكل صناعة قالت حللي لابد من إعفاء احتياجات أي مشروع صناعي لإقامته وتطويره وتوسيعه ومستلزمات بنائه من الضرائب والرسوم المالية والبلدية والجمركية وغيرها، ومنح المستثمر قرضاً لإقامة المشروع بفائدة تقدر 5%، والأهم تخفيض الرسوم الجمركية بنسبة 50 بالمئة على المواد الأولية ومدخلات الإنتاج اللازمة لهذه الصناعة ولمدة ثلاث سنوات من بدء الإنتاج وإعفاء من ضريبة الدخل الحقيقية لمدة ثلاث سنوات من تاريخ بدء الإنتاج، كذلك دعت إلى تخفيض قيمة الأرض المخصصة للمشروعات إلى النصف في حال بدء الإنتاج خلال عامين من تاريخ تسليم الأرض وذلك في حال كان التخصص في المدن الصناعية.
وأكدت حللي أن تنفيذ هذه الخريطة يتطلب تشكيل لجنة وزارية تضم ممثلين عن (وزارة الصناعة- وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي- وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية -وزارة المالية) لوضع مشروع مرسوم يتضمن المحفزات المقترحة لكل صناعة وفق المعايير المتفق عليها ومنح تلك المحفزات مع المدد الزمنية لكل محفز، والتنسيق مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لحصر احتياجات المنشآت الصناعية المقترحة إقامتها من المنتجات وفق الطاقات التصنيعية المطلوبة بهدف تشجيع زراعة مدخلات إنتاجها مع ضرورة إبرام عقود مسبقة مع الفلاحين وتقديم البذور والشتول اللازمة والدعم اللوجستي اللازم لتشجيع الزراعات المستهدفة.
أما ما يخص مستقبل القطاع العام الغذائي فلا بد من وجود سياسة واضحة المعالم تخص هذا القطاع تكون مرتبطة بمشروع إعادة هيكلة القطاع العام الاقتصادي ككل.
الوطن