دمشق – سيرياستيبس :
اعتبر حاكم مصرف سوريا الأسبق الدكتور دريد درغام أن مسلسل الدعم دخل منعطفاً جديداً سيكون له تأثيراً كبيراً على حياة السوريين عموماً (تأخير واستنزاف وقت وتخبط في فهم القرارات المتتالية في فترات موجزة) وعلى الأسعار (التي لا بد وأن تستجيب صعوداً لهذه التقلبات).
درغام وفي منشور مطول عبر حسابه الشخصي في فيسبوك، حاول شرحجذور المشكلة وفق رأيه، وقال: “خلقت السنوات العشر السابقة ضغوطاً غير مسبوقة على الحكومة مما تطلب منها تعديلات كثيرة في القواعد القانونية للعيش المشترك في سورية، وتقوم كل سلطة بالتعديلات من قوانين ومراسيم وقرارات وتعاميم وغيرها.
وبين درغام: “قد يعتقد البعض أن تغيير الضوابط يعكس مرونة، إلا أن أصل الأشياء هو الاستقرار في التشريعات والقرارات لأن الناس بحاجة إلى وضوح الآفاق والنصوص، وأضاف: وقد يأخذ فهمها أحياناً فترات طويلة نتيجة التشويش عليها أو سوء صياغتها أو غيرها من الأسباب التي تتطلب زمناً ليتناقلها المواطنون أو المعنيون فيما بينهم ويستوعبون الهدف من وجودها وأحكامها وهذا الاستقرار مهم جداً لما يمكن تسميته بالأمان القانوني اللازم ليطمئن المواطنون للضوابط المحيطة بهم ويستمرون بالعيش والاستثمار على ضوء فهمهم لتلك الضوابط.
ملف الدعم واحد من الملفات التي بدأ العمل عليها منذ عام 2009، وعانت الجماهير فيه من تقلبات القرارات والتوجهات وغياب رؤية واضحة تشرح للسوريين حقيقة المستقبل الذي ينتظرهم
وتابع الحاكم الأسبق: “هذا يتطلب من أي حكومة وضع سياسات تفترض أن الضغوط عليها ليست طارئة أو مؤقتة وإنما مستمرة مما يتطلب مقاربات مختلفة توقف مسلسل ردات الفعل، لافتاً الى أن ملف الدعم واحد من الملفات التي بدأ العمل عليها منذ عام 2009، وعانت الجماهير فيه من تقلبات القرارات والتوجهات وغياب رؤية واضحة تشرح للسوريين حقيقة المستقبل الذي ينتظرهم، كي يعلموا ماهية ما يتخذونه من قرارات معيشية أو استثمارية وقد استفاد سائقو وسائحو ومواطنو الدول المجاورة من ملف الدعم الذي بقي مشوهاً لفترات طويلة.
وقال درغام: “على مدى عقود خلت عاش السوريون في كنف عقد اجتماعي غير معلن يعمل لفترات طويلة على تحريك الاقتصاد من خلال زيادة الإنفاق العام ويعتمد سياسة الرواتب المنخفضة نسبياً مقابل دعم ضخم جداً للجميع (أغنياء وفقراء؛ وموظفو العام والخاص) مما حقق للشعب قدرة شرائية مقبولة وحقق للمستثمرين يداً عاملة بخسة ومصادر طاقة مدعومة فبرزت عضلاتهم التصديرية دون وضوح في مآل ديمومة التنمية المتوازنة والمستدامة أو العدالة الاجتماعية المنصوص عنها في الدستور.
وأردف: “منذ سنوات طويلة بدأ العقد الاجتماعي المذكور بالتآكل حيث لوحظ أن زيادات الرواتب لا تتناسب مع تخفيض الدعم أو مع الزيادات الحادة بأسعار السلع والمواد. ولم يقتصر التآكل على النواحي المالية وإنما تبين أن جودة المواد المدعومة بدأ بالتراجع وعلى رأسه بالتعليم (حيث نشط التعليم الخاص بكافة أنواعه) والخبز (خلطات المزارعين للأعلاف).
وسيكتشف السوريون بالتدريج العديد من الثغرات التي سينفذون منها لتكوين عائلات مستقلة أو لنقل الملكيات أو غيرها من الإجراءات التي ستسمح بإزالة أسباب الاستبعاد قدر الإمكان
ووفقاً لـ”درغام”: “سمح ملف الوقود لسنوات لشرائح واسعة بتخفيض فاتورة تنقلاتها كما سمح دعم الوقود والمواد الغذائية للبعض بالاستفادة من الفروقات السعرية خلال سنوات الحرب.
وتابع درغام: “اليوم استبعدت شريحة واسعة من دعم الوقود والغذاء دون مراعاة لحقيقة أن المعطيات التي بني عليها الاستبعاد منقوصة أو مشوهة، والنتيجة بحسب رأيه: “ضئيل نسبياً بالنسبة للمدعومين وهائل للجميع.. حيث ستسمح وسائل التواصل الاجتماعي بالتنفيس عن الغضب، وسيتم إحالة الكثير من الشكاوى للدراسة المديدة بانتظار إعادة الدعم للبعض، وسيكتشف السوريون بالتدريج العديد من الثغرات التي سينفذون منها لتكوين عائلات مستقلة أو لنقل الملكيات أو غيرها من الإجراءات التي ستسمح بإزالة أسباب الاستبعاد قدر الإمكان.
سيؤدي كل ما سبق إلى سلوكيات غير محمودة ونتائج سلبية جداً على كل مقومات الاستقرار والنمو في العمق يمكن تحليل حقيقة المشكلة إلى عدة مركبات من أهمها
وأشار درغام: “كان ذوي الحاجة للمواد المدعومة وخاصة الوقود يشترونه من “مستحقيه السابقين” ما يفيض عنهم بسعر أعلى من السعر المدعوم فيتحقق بذلك توازن نسبي بين العرض والطلب فتستقر الأسعار نسبياً سيؤدي كبر حجم الشريحة الكبيرة المستبعدة اليوم إلى زيادة كبيرة بالطلب ونقص نسبي بالفوائض المذكورة مما سيرفع أسعار تلك المواد ويقود أسعار كل ما يرتبط بها من سلع وخدمات إلى صعود غير مسبوق.
ورأى درغام أن: “الطامة الكبرى ستحدث إذا حرم المستبعدون (من وقود وغذاء بسعر مقبول) من دعم الكهرباء أيضاً. عندها ستقفز فواتير الطاقة رغم خفض الاستهلاك قسراً بالتقنين وسترتفع أكثر كلما تحلحلت مشكلة الكهرباء، معتبراً آن الحكومة لا تميز حالياً بين من لديه أكثر من سيارة أو عقار (مهما كان حجمهم أو قيمتهم) وتعتبرهم جميعاً من الميسورين ولو كان المستفيد من المنزل أو السيارة مجموعة أخوة يوفرون بها أجرة المنزل والتنقلات.
وأضاف: “تفترض الحكومة أن من تعددت الملكيات لديه يمكنه بيع بعضها ليعيش برفاهية مع أبنائه ويتناسون أن الكثير ممن لديهم منزلاً إضافياً فإن أجرته تسندهم نسبياً أما رفع الدعم عنهم فيعادل أضعاف مكاسب الإيجار وخاصة لمن تكون عقاراتهم بالقرى أو بالمدن الصغيرة.
وبحسب الحاكم الأسبق سيؤدي كل ما سبق إلى سلوكيات غير محمودة ونتائج سلبية جداً على كل مقومات الاستقرار والنمو في العمق يمكن تحليل حقيقة المشكلة إلى عدة مركبات من أهمها:
1. التباين الهائل بين القدرة الشرائية التي استمرت لعقود بوجود الدعم وانهيارها غير المسبوق نتيجة زيادات خجولة بالرواتب والأجور وارتفاعات محمومة بأسعار جميع السلع والخدمات وهذا يتطلب مقاربات اقتصادية مختلفة جذرية.
2. النقص الحاد في القدرة على استيراد أو توفير المواد المدعومة وهذا يتطلب مقاربات مختلفة لتوفير مصادر التمويل ومعالجة الحصار والعقوبات.
3. سوء التنفيذ في قرارات ملف الدعم عموماً وهذا يتطلب تغيير طرق التفكير الحالية وهنا نورد بعض المقاربات:
أ. أدخل قرار الغاز الأخير على سبيل المثال الأجانب والعازبين وذوي الشهداء والمصابين في تنافسية على 2% من حصة كل معتمد مما سيجعل التوزيع من نصيب من يقبل أن يدفع أكثر أو من لديه محسوبيات أكبر. وكان بمقدور المعنيين إلغاء الدعم بشكل كامل وصرف قيمة مالية معادلة له (قد تكون على شكل سلفة شهرية أو فصلية أو حسب الحالة وذلك بشكل نقدي أو من خلال بطاقة مسبقة الدفع يتم ربطها بهوية المستفيد وتغذيتها تدريجياً في كل شهر أو فصل حسب الحالة مع جاهزية تقنية لجعل بطاقة الدعم “تكامل” بطاقة دفع أيضاً وبالتالي يمكن تحقيق شرط إدارة المواد والدفع بالتنسيق مع أي من محولات الدفع المتوافرة في البلاد) للشرائح المرغوب بدعمها.
درغام أكد أهمية منع استعمال أو سحب رصيد بطاقات المسبقة الدفع المعنية بالدعم النقدي خارج قنوات المواد الأساسية المحددة من قبل الدولة ولصالح المنتمين لذات خانة المستفيد من الدعم فتتحقق العدالة بإمكانية تجيير الدعم لأقرباء المستفيد وزيادة قدرتهم الشرائية وعندها يحرم موزع الغاز أو البنزين وغيره من حجة نفاذ حصة أي فئة وتفضيله لمن يدفع أكثر ويكون للجميع يكون الجميع سواسية في الحصول على دور واضح.
ب. إذا أزيل الدعم تماماً ووزع بدلاً منه مبالغ مالية للمرغوب بالتعويض لهم وبما أن الأتمتة موجودة وقادرة على معرفة كمية التوريد لكل محطة وما بقي لديها يمكن على تطبيق وين وبشكل آني إعلام المواطن السوري عن رصيد كمية المادة الأساسية لدى كل موزع أو معتمد (وذلك بعد استبعاد الرصيد الاستراتيجي المطلوب الاحتفاظ به في كل محطة أو..)
ت. تبقى الكميات المسموح بشرائها بسعر السوق مقوننة لكل بطاقة وعندها يمكن التحكم بالكمية المسموحة لكل بطاقة حسب الكمية المتوافرة من المادة
ث. السماح من جديد بالبيع بالبيدونات من محطات نائية خارج التجمعات السكنية وهذا سيسمح بحلحلة مشاكل كثيرة لمن يحتاج للسفر المشترك مع زملاء له وتأمين خط العودة من السفر ويسمح للمواطن بمعرفة أي غش بالكمية التي تم تزويده بها من قبل المحطة
ج. ضرورة منح الأولوية بالتبديل للجرات التالفة (وضرورة التمييز بين التلف الطبيعي والتلف نتيجة إجراء تعديلات غير طبيعية بشكل الجرة) لما في ذلك من خطورة هائلة على سلامة المواطنين في المنازل.
ح. إن المقترحات المذكورة أعلاه ستسمح لأي مواطن بالتعامل مع أي محطة أو أي معتمد غاز في أي مكان
خ. يمكن للباعة من خلال الأجهزة التي تتعامل مع بطاقات المواد الأساسية أقلمتها لتحصيل القيم عن طريق الدفع الإلكتروني. وهنا نتساءل لماذا لا يتم تسريع تفعيل المحول الوطني كي تستقبل هذه الأجهزة جميع أنواع بطاقات الدفع الصادرة عن جميع المصارف وعندها يتحقق أكثر من هدف في آن معاً (توفير تكاليف الكاش وتشجيع أساليب الدفع الإلكتروني الذي يعتبر دعامة أساسية من دعامات السياسات النقدية والمالية على مستوى الدولة عموماً).