لاشك أن رفع سقوف القروض الممنوحة في المصارف العامة بات أمراً لابد منه مع ارتفاع نسب التضخم والغلاء الحاصلة، لتستطيع تمويل وتلبية غاياتها بشكل حقيقي وجذب شرائحها المستهدفة، وعلى الرغم من أهمية الخطوة في تنشيط مسار الإقراض ومواءمة الظروف الاقتصادية الحالية، إلا أنها لن تحصد نتائج جيدة ولاسيما قروض الدخل المحدود، فالإشكالية ليست بالسقوف التي تآكلت بفعل التضخم، إنما بالشروط والفوائد المرهقة لأي مقترض، ونكاد نجزم بعدم جدواها لذوي الدخل المحدود لعجز الرواتب عن الوصول أو القرب من السقوف المعلن عنها، وبالتالي إن كان التوجّه لدعم تلك الشرائح اقتصادياً أو إحداث تغيير مجدٍ في أوضاعها المادية كما هي غاية مصرفي التوفير والتسليف، فغالباً سيحمل أثراً سلبياً بتمويل غايات استهلاكية بحتة من شأنها تشجيع النهج الاستهلاكي على حساب الإنتاجي، وبالتالي إضعاف قدراتهم المادية لاحقاً، فالقروض المستحقة بموجب الرواتب لا تتعدى مبالغ صغيرة مقابل أقساط مرهقة تتضاءل معها رواتبهم المتآكلة في تلبية متطلباتهم المعيشية!.
دون جدوى..
موجة من الفرح رافقت خبر تعديل السقوف أو فتحها، لكنها سرعان ما تبدّدت بل تحوّلت إلى امتعاض لدى العديد لعدم حصولهم على مبالغ جيدة متوقعة تتناسب مع السقوف المعلن عنها، إذ أكد بعض الراغبين بالاقتراض من المصارف من موظفي القطاع العام أن السقوف صعبة المنال، وما يحصلون عليه من القروض غير كافٍ لتأسيس أي مشروع صغير أو إدخال تغيير اقتصادي مستدام، فنسبة الـ40% من الرواتب البالغة نحو 130 ألف ليرة بشكل وسطي بعد الزيادة الأخيرة تمنح قرضاً لا يتجاوز ثلاثة ملايين أو أقل، وهو مبلغ لا يوازي تكاليف المعيشة لشهرين أو ثلاثة أشهر على أبعد تقدير، حسب خبراء الاقتصاد، كما أنه عاجز عن تنفيذ مشروع متناهي الصغر في ظل التضخم وارتفاع أسعار مستلزماته أو إيجار العقار المناسب له، وبالتالي فإن السقوف المعلن عنها في مصرفي التسليف الشعبي والتوفير والمحدّدة بخمسة ملايين ليرة تتطلّب رواتب شهرية تفوق الـ200 ألف للحصول عليه، وبقسط يصل إلى نحو 90 ألف ليرة شهرياً، شريطة عدم التزام المقترض بأي مستحقات مالية أخرى.
كذلك الأمر ينطبق على القرض الشخصي الذي رفع المصرف التجاري سقفه إلى 10 ملايين ليرة، حيث تنخفض قيمة القروض أكثر نتيجة لاعتماد فائدة لا تقلّ عن 12.5%، والتي اعتبرت غير متناسبة مع حجم القرض، إذ تبلغ نحو ٤٠٠ ألف ليرة لكل مليون ليرة في التسليف الشعبي، علماً أنه يتباهى بفائدة ٧% ولكنها فائدة مركبة على الرصيد الثابت وتبتلع ثلث المبلغ فهل تعتبر دعماً؟!. بينما القرض البالغ 3 ملايين من التجاري تصل فائدته إلى نحو 900 ألف، ففائدته 12.5% ورغم أنها بسيطة على الرصيد المتناقص لكنها مرتفعة جداً قياساً لما يُمنح، ومع أن التجاري طرح تسهيلات بقبول شريك لدعم المقترض في رفع قيمة قرضه، إلا أن التسهيلات تُنعش إشكالية قديمة كانت بعض المصارف قد تخطّتها مؤخراً، باشتراطها وجود كفيلين للمقترض وشريك التسديد، وبالتالي عادت الإشكالية للظهور كعائق في وجه المقترض.
عاجزة عن الدعم!
خبراء الاقتصاد أكدوا أن هذه القروض تذهب لغايات استهلاكية بحتة، يحتاجها المواطنون في ظل ضعف دخولهم كشراء أثاث أو أدوات كهربائية، وعاجزة عن تقديم دعم لأي توجه استثماري أو إنتاجي لديهم، ولاسيما في ظل صعوبة التعليمات المعتمدة للقروض الإنتاجية والتعقيدات الحاصلة لجهة وجود وثائق أو تراخيص وتسديد ضرائب مالية عن سنوات سابقة ليتمّ التمويل بموجبها، وبالتالي لجأوا إلى القروض الشخصية لتمويلها، وعليه فبالرغم من فتح السقوف إلا أن ذوي الدخل المحدود يزداد وضعهم سوءاً مع قروض ستذهب إلى جيوب التّجار بشراء بعض السلع المعمّرة التي وصلت أسعارها إلى أرقام فلكية يعجز عن شرائها الموظف، كما حذروا من علو مخاطرها على استقرار الوضع الاقتصادي للمقترضين في الفترة اللاحقة لاستلامهم للقرض، فالكثير منهم غير قادر على تأمين متطلباته الشهرية، فكيف ستكون الحال مع الاقتراض والأقساط المرهقة؟!.
تحايل متعمد..
ولفت خبراء إلى أن المصارف تعتمد أسلوب التحايل في بعض التعليمات التنفيذية للقروض، إذ يتمّ الترويج بأن القرض يُحتسب على مقدار 40% من قيمة الراتب ولكن لدى التطبيق تُعتمد نسبة 30% فقط ليتسنى لهم تغطية مقدار الفائدة المعتمدة، وبالتالي تنخفض قيمة القرض المستحق أكثر، كما اعتبروا تقديم تسهيل باعتماد “شريك تسديد” تسهيلاً غير كامل كونه أظهر إشكالية قديمة يعاني منها المقترضون وهي وجود كفيلين لإتمام عملية المنح، علماً أن الكفالة تؤثر على الكفلاء في حال رغبوا في الاقتراض، وذلك لأن المصرف يقوم بإلغاء نسبة من الراتب توازي الكفالة، وهو السبب الذي يدعو الكثيرين لرفض الكفالة لزملائهم، مؤكدين ضرورة تعميم اتفاقية مصرف التوفير مع المؤسّسة العامة للتأمين، لأنه حلّ بديل للكفلاء في ظل الأوضاع الحالية.
اقتراح هادف
تختلف النظرة لدى أصحاب القرار، إذ بيّن مدير عام المصرف التجاري السوري الدكتور علي يوسف أن المصرف يعمل ما بوسعه لدعم شريحة ذوي الدخل المحدود، وذلك عبر تقديم قروض تتناسب ومتطلباتهم الشخصية وقدرتهم المادية، وتعدّ تلك القروض مساهمة اجتماعية من المصارف، وليس لها عبء على السيولة إن وجّهت لغايات استهلاكية لضخامة محفظته التسليفية، أما الغايات الإنتاجية والاستثمارية فلها نصيب وافر من السلة الائتمانية، وتدعمها تسهيلات كثيرة كبرامج دعم الفائدة وقبول ضمانات الغير. وبيّن يوسف أن ضعف الرواتب حال دون استفادة البعض من فتح السقوف، لذلك نسعى لإضافة تعليمات من شأنها منح قروض أعلى كميزة شريك التسديد التي قدّمها المصرف لدعم المقترض، كما يمكن دراسة رفع النسبة المعتمدة لاحتساب القرض إلى 60% بدلاً من 40% ليكون حلاً جيداً لرفع قيمة القروض كما في قروض العسكريين، أما فيما يخصّ قيمة الفائدة المطبّقة على تلك القروض، فبيّن يوسف أنها فائدة بسيطة على الرصيد.
سيرياستيبس